تعرضت الحكومة الإسرائيلية لانتقادات داخلية شديدة لموافقتها السريعة على التهدئة مع حماس. واعتبرت قوى في المعارضة خطاب الحكومة الحاد ضد حماس، بمثابة «كلام دعائي فارغ لم يترجم إلى الواقع». وأشارت إلى أن نتنياهو ووزراءه الذين هددوا بتصفية الحركة: «تلقفوا الاقتراح المصري للتهدئة ووافقوا عليه فورا». وقالوا إنه خلال الاجتماع الأخير للكابنيت (المجلس الوزاري الأمني المصغر للحكومة الإسرائيلية) لم يعترض أي وزير على وقف النار، و«لحسوا كل تهديداتهم».
وقال حايم رامون، الوزير في حكومات سابقة عدة، إن «إسرائيل ستضطر حتما، في يوم من الأيام، لإسقاط حكم حماس، لأنه حكم عدواني تجاه إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وفاشل في إدارة الحكم بشكل سيتسبب في تفجير الأوضاع في قطاع غزة. وتأجيل إسقاطه سوف يجعل المعركة معه أصعب». وأضاف رامون: «إسرائيل تستطيع تصفية هذا الحكم وقادته فردا فردا. كان بمقدورها فعل ذلك في الحرب الأخيرة سنة 2014. وفي مناسبات أخرى عدة. لكن هذه الحكومة، بقيادة نتنياهو، تمتنع عن ذلك لأسباب سياسية بحتة. فهي تستفيد من وجود هذا الحكم. بفضله يتفسخ الشعب الفلسطيني وتتعطل مسيرة السلام. وتخشى هذه الحكومة من وضع يسقط فيه حماس وتتولى السلطة الفلسطينية الحكم في القطاع، وعندها سيكون علينا أن نتفاوض معها على عملية سلام. والحكومة عندنا تخشى من السلام وليست مستعدة لدفع ثمن مستلزمات هذا السلام. ولذلك بات حكم حماس في مصلحتها».
وخرج عدد من كبار قادة الجيش والمخابرات، الذين خدموا في سلطة الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته، بحملة تصريحات يكشفون فيها «الدور الإسرائيلي في تأسيس حركة حماس». وقد ظهر هؤلاء في فيلم تلفزيوني، بثته «القناة العاشرة»، فأكدوا أن جهات معينة ذات نفوذ في السياسة الإسرائيلية، سكتت، في حينه، على تأسيس «المجمع الإسلامي» بقيادة الشيخ أحمد ياسين، مع أن قوى كثيرة حذرتهم من أن هذا تنظيم إسلامي سياسي للإخوان المسلمين، لديه أهداف واضحة ضد إسرائيل.
وقال شالوم تسور، نائب الحاكم العسكري لقطاع غزة في حينه، وأفنير كوهن، من قيادة المخابرات، إن إسرائيل بزعامة مناحم بيغن خططت لتنفيذ البند الخاص بالقضية الفلسطينية في اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر. ولأنه كان معاديا لمنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، اعتقد أن التيار القومي الفلسطيني هو الخطر الداهم، ويجب إيجاد من يصارعه في الداخل. لذلك وافق على إقامة المجمع ومنحه التصاريح اللازمة لذلك، وأتاح له أن يحصل على أموال طائلة من الخارج. وعلى سبيل المثال، حصل المجمع على نحو نصف مليار دولار لإقامة كلية الأزهر في غزة، التي أصبحت قلعة سياسية وفكرية لحماس. وعندما بدأت تصل إخباريات عن نشاط عسكري للمجمع، الذي تحول لاحقا إلى «حركة المقاومة الإسلامية - حماس»، تم التحقيق مع قادته، أحمد ياسين وصلاح شحادة وعبد العزيز الرنتيسي (وجميعهم اغتالتهم إسرائيل لاحقا) ومحمود الزهار. فأجابوا بأن نشاطهم العسكري موجه للعناصر الداخلية، حركة فتح ومن وصفوهم بالكفار. وفي مرحلة لاحقة قال لهم الشيخ أحمد ياسين بأنه يستعد لتطبيق الحكم الذاتي الفلسطيني ويحتاج إلى قوة عسكرية تجعل فتح تعترف به ولا تقضي عليه. ويروي تسفي بيلغ، الحاكم العسكري، أنه أقام علاقة ودية مع الشيخ ياسين وأرسله للعلاج في مستشفى إسرائيلي من علة الإعاقة التي أصابته.
وإزاء هذه الأجواء، خرج نتنياهو شخصيا، يدافع عن موقفه، فنشر، أمس، قائمة بالمواقع التي قصفتها الطائرات والسفن الإسرائيلية الحربية في قطاع غزة، ردا على صواريخ وقذائف حماس والجهاد الإسلامي. وأرفقها بالصور وأشرطة الفيديو، وبينها مواقع تصنيع أسلحة تابعة لحماس، زعزعة الاستثمار المادي المطلوب لتطوير الوسائل القتالية، مخزن يحتوي على الطائرات الورقية أعدته حماس للقيام بالعمليات الإرهابية، تدمير موقع للقوات البحرية التابعة لحماس بشكل حاد، تدمير أغلب مواقع القوات البحرية التابعة للجهاد الإسلامي الفلسطيني.
وقال نتنياهو إن «هذه الضربة ألحقت الضرر بقدرات عمل القوات البحرية في القطاع بشكل كبير».
وقال وزير المواصلات والاستخبارات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عقب مشاركته باجتماع الكابينت: «الرسالة الرئيسية هي أن حماس تعرضت لضربة قاسية، هي أكبر هجوم منذ العام 2014». ونفى كاتس أن يكون عقد اجتماع الكابينت عقب التهدئة وانتهاء التصعيد، قد يشير إلى «عملية اتخاذ قرار خاطئة في الحكومة». وقال إنه لم يتم التوصل لاتفاق إطلاق نار رسمي بين إسرائيل وقطاع غزة، ولم يتم التوقيع على أي شيء مع حركة حماس. وإنما نقلت مصر رسالة من حماس مفادها أنها على استعداد لوقف إطلاق النار، وعندها سارعت إسرائيل إلى الرد بأن ذلك سيقابل بالمثل.
ورد معلق الشؤون العربية في صحيفة «هآرتس»، تسفي برئيل، أمس، الخميس، على ذلك بالقول، إن «عودة إسرائيل لخطوط وقف إطلاق النار حسب الاتفاقية التي أعقبت عملية غزة عام 2014، دون التوصل لاتفاق إطلاق نار رسمي بين إسرائيل وقطاع غزة، يعبر عن التعامل الإسرائيلي مع حماس كأنها لاعب أساسي و«شريك» حقيقي مسؤول في القطاع، وذلك تجاوز للسلطة الفلسطينية التي قادت، في السابق، كل الاتفاقات مع الجانب الإسرائيلي، والتي تتعلق بوقف إطلاق النار في القطاع». وقال إن الإجراءات الإسرائيلية في غزة، عملت لصالح توسيع هوة الانقسام الفلسطيني بين حماس وفتح وتوسيع الهوة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك لتحقيق المصالح السياسية للقادة الإسرائيليين في وقف المفاوضات وتأجيل ما يسمى بـ«عملية السلام»، على اعتبار أنه طالما لا تسيطر السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، فلا فائدة من إجراء مفاوضات سياسية معها.
انتقادات لنتنياهو لتسرعه في وقف النار مع {حماس} لأسباب سياسية
مسؤولون كبار سابقون: إسرائيل ساهمت في تأسيس الحركة والآن تقويها

جنود إسرائيليون ودبابات قرب الحدود الشمالية لقطاع غزة (إ.ب.أ)
انتقادات لنتنياهو لتسرعه في وقف النار مع {حماس} لأسباب سياسية

جنود إسرائيليون ودبابات قرب الحدود الشمالية لقطاع غزة (إ.ب.أ)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة