فقدت الصحافة السودانية الصحافي محمد سعيد محمد الحسن، أحد أعمدتها الرئيسية، مراسل «الشرق الأوسط» السابق، عن عمر ناهز الثمانين، بعد حياة صحافية حافلة في الصحافة السودانية والعربية.
أمس، في العاصمة المصرية، وإثر علّة لم تمهله طويلاً، رحل {أستاذ الأجيال} تاركاً خلفه سيرة صحافية ناصعة، وأخرى إنسانية وسياسية لا تقل نصوعاً. وكان الحسن إلى جانب عمله الصحافي يعدّ من بين أحد أشهر كتاب التاريخ السياسي في السودان.
ولد الحسن في عام 1939 بمدینة شندي. كان والده نائباً في البرلمان السوداني عن الحزب الوطني الاتحادي. درس الصحافة والإعلام في جامعة السوربون بفرنسا. وعاد إلى السودان بعد الانتفاضة، ليعمل رئيساً لتحریر صحیفة «السیاسة». ساهم في تأسیس صحیفة «الأضواء» مع الراحل محمد الحسن أحمد، وکان رئيساً لتحريرها، وتفرّغ بعد ذلك للمشارکة كاتباً في إصدارات عالمیة كثيرة.
في مقابلة أجريت معه في عام 2011، قال الحسن: «أظن أنّني أمثّل حالة استثنائية في المسيرة المهنية، فقد التحقت بالصحافة في عمر مبكر، وتعاملت مع عمالقة كبار في صحف كبيرة ورئيسية، وتعلّمت التقاليد والقيم والمثل الرفيعة، ونلت تدريباً متقدماً من خلال عملي بصفة مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية، ونلت نصيبي من المصاعب والضغوط، بيد أنّني حافظت على استقلاليتي ومهنيتي».
بدأ حياته الصحافية مراسلاً لصحيفة «الأيام» إحدى أشهر الصحف السودانية، في مدينة شندي، ما أتاح له التعامل مع عمالقة الصحافة في البلاد، مثل محجوب محمد صالح، والرّاحلين بشير محمد سعيد، ومحجوب عثمان.
بعد قرار حكومة الانقلاب العسكري الأول في عام 1958، بتعليق صدور صحيفة «الأيام»، انتقل إلى جريدة «الرأي العام»، وتبوأ فيها مناصب قيادية، وهناك تعرف على حسن نجيلة المؤرخ والمؤلف، صاحب أشهر كتابين في التاريخ الاجتماعي السوداني: «لمحات من المجتمع السوداني»، و«ذكرياتي في البادية»، الذي تزوّج ابنته ابتسام، وسار على نهجه في الاهتمام بالتاريخ المعاصر والتوثيق، وأصدر كتباً عدة.
بعد عمله مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية لفترة طويلة، تسلم منصب مدير تحرير جريدة «السياسة» اليومية، ثم التحق بصحيفة «الشرق الأوسط» بمقرها الرئيس في لندن، وعندما عاد إلى السودان عمل مراسلاً لها من هناك.
يقول عنه أستاذه محجوب محمد صالح، إنّه بدأ حياته الصحافية في صحيفته، وإنّه كان «مخبراً صحافياً جيداً، ويملك قدره كبيرة على إقامة علاقات مع مصادره، إضافة إلى كونه كتب الكثير من المؤلفات في التاريخ السياسي».
وحسب انتمائه السياسي، يعدّ مرجعاً في الحزب «الوطني الاتحادي» الذي تحوّل إلى الحزب «الاتحادي الديمقراطي» وطائفة الختمية، ما جعله مقرباً من زعيمي الطائفة السيد علي الميرغني، ونجله زعيم الطائفة ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الحالي محمد عثمان الميرغني. ويرجح أن تكون غالبية المقابلات التي أجريت مع الميرغني المعروف بعزوفه عن الظهور الإعلامي، قد أُجريت بواسطته.
ويقول وجدي الكردي، مستشار تحرير جريدة «الصحافة»، عن الحسن إنّه «عاش حياته صحافياً ومات صحافياً، وهو يُعدّ نموذجاً للصحافي الذي اختار الصحافة أسلوب حياة، إضافة إلى جهوده الكبيرة في توثيق التاريخ السّياسي والاجتماعي للبلاد»، ويضيف أن «مؤلفاته في التوثيق السياسي، تعد الأصدق والأدق، ولم توجّه لها أي انتقادات، على الرغم من أنّ بعض شهودها كانوا أحياء». ويتابع: «لقد حافظ على صحافيته، مثلما حافظ على أناقته، لم ألتقه مرّة إلا وهو في زيّه الكامل، البدلة وربطة العنق، ولم ألتقه مرة إلا والتقيت صحافياً مطبوعاً».
يعدّ مؤلفه «المهنة صحافي سوداني»، أحد أشهر مراجع الصحافة السودانية، وقد اختار في إجابته التقليدية عن سؤال المهنية، الذي يجيبه عادة بكل اللغات التي يجيدها، العربية والفرنسية والإنجليزية، قائلاً: «صحافي سوداني»، إضافة لكتابه عن «القصر الجمهوري»، ودوره في كتابة سيرة إسماعيل العتباني، مؤسس صحيفة «الرأي العام»، وعدد آخر من الكتب التي بدأت تقارير صحافية.
رحيل مراسل «الشرق الأوسط» السابق في الخرطوم
محمد سعيد محمد الحسن رحل في القاهرة بعد حياة صحافية حافلة
رحيل مراسل «الشرق الأوسط» السابق في الخرطوم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة