غداة إعلان القضاء الإيراني عن ضوء أخضر لقوات الأمن لإخماد أي احتجاجات محتملة في إيران، أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية عن تمرير قانون «اختيار الأماكن الخاصة بإقامة التجمهر القانوني» في مختلف المدن الإيرانية، وذلك في تأكيد ضمني على خطوات استباقية بدأت تعمل عليها مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية بعد تصاعد إيقاع الاحتجاجات والإضرابات بين مختلف القطاعات العمالية والفئات الشعبية في إيران.
وقال مدير الدائرة السياسية بوزارة الداخلية الإيرانية، بهرام سرمست، في مؤتمر صحافي أمس إن الحكومة أقرت تعيين أماكن خاصة لإقامة التجمهر القانوني في طهران ومراكز المحافظات والمدن الإيرانية.
وينص القانون على أن تختار الحكومة أماكن مخصصة لاحتجاجات الإيرانيين. وتبرر الحكومة دوافعها بما أطلقت عليه «سماع صوت المحتجين وتوفير الأمن وعدم الإخلال بأعمال ومعيشة الناس»، إلا أن سرمست ذكر أن الحكومة لم توجه تعليمات بعد للأجهزة المعنية. وتابع المسؤول الإيراني أن المشروع يرصد الحدائق والملاعب الرياضية والساحات لإقامة الاحتجاجات. وتقول الحكومة إن القرار يضمن «حقوق المواطنة».
وتنص المادة «27» من القانون الأساسي الإيراني على حرية «التجمهر والتظاهر من دون حمل السلاح والإخلال بمبادئ الدين الإسلامي».
ويأتي إعلان وزارة الداخلية غداة إعلان المتحدث باسم القضاء الإيراني مطالبة أجهزة الأمن والشرطة بمواجهة أي اضطرابات تهدد الاستقرار بحزم، محذرا من استغلال ما قال إنها مطالب واحتجاجات محقة، من قبل الإدارة الأميركية ودول متخاصمة مع طهران. تحذيرات المسؤول القضائي ذهبت أبعد من ذلك عندما وجه تحذيرا للأسر الإيرانية من نزول أبنائها إلى الشارع للمشاركة في احتجاجات.
لكن إعلان القضاء الإيراني أوحى برد من السلطات القضائية على مواقف الإدارة الأميركية. واتهم المرشد الإيراني علي خامنئي الأربعاء الماضي الإدارة الأميركية بالتخطيط لإسقاط النظام. تعليق خامنئي جاء تحديدا ردا على تصريحات مايك بومبيو الذي أعلن الاثنين قبل الماضي في خطاب استراتيجية تضمنت 12 شرطا لإبرام صفقة جديدة مع النظام الإيراني. وقال بومبيو في خطابه إن «الاحتجاجات الشعبية تظهر أن الإيرانيين منزعجون من عجز النظام»، وأضاف أن «الاقتصاد الإيراني جراء القرارات السيئة للمسؤولين في ضائقة، والعمال لا يتسلمون الرواتب، والاحتجاجات مستمرة يوميا، وقيمة الريال في حالة تراجع... البطالة بين الشباب وصلت إلى 25 في المائة».
وبحسب إحصائية المتحدث باسم وزارة الداخلية سلمان ساماني، شهدت إيران نحو 43 تجمعا احتجاجيا من دون ترخيص خلال 4 سنوات هي ولاية روحاني الأولى التي انتهت في أغسطس (آب) 2017.
وكانت الحكومة الإيرانية قد كشفت عن نيتها تقديم المشروع لأول مرة بعد 3 أيام على اندلاع احتجاجات نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي. حینذاك أعلن مجلس بلدية طهران عن إرسال قائمة أماكن مقترحة لإقامة الاحتجاجات. الاحتجاجات الشعبية الأوسع منذ 2009 انتهت بـ26 قتيلا؛ وفقا لمراكز حقوق الإنسان، لكن الإحصائية الرسمية تشير إلى 12 قتيلا. واعتقل أكثر من 5 آلاف؛ وفقا لإحصاءات وردت على لسان المسؤولين في إيران.
وبعد الاحتجاجات الشعبية التي شملت أكثر من 80 مدينة، شهدت مدن طهران والأحواز وكازرون احتجاجات واسعة خلال الأشهر الخمسة الماضية. في فبراير (شباط) الماضي نزل العشرات من أنصار طريقة «غناباد» الصوفية إلى شوارع منطقة باسداران للاحتجاج ضد مضايقات يتعرض لها رموز الطريقة على يد قوات الأمن. وفي 19 فبرایر تطورت الأحداث في باسداران بعد مواجهات بين قوات الشرطة والمحتجين، وسقط أكثر من 300 جريح بين المحتجين، ونقل مئات المعتقلين إلى السجون. في المكان نفسه، سقط 5 من قوات الأمن بعد دهس 4 منهم، ووفاة آخر تحت تأثير الإصابة.
في هذا الشأن، أعلن المدعي العام في طهران عباس جعفري دولت آبادي عن إصدار أحكام بالسجن وجزاءات أخرى لم يوضح طبيعتها، ضد 67 من أنصار الطريقة الصوفية، كما أعلن عن توجيه الاتهام إلى 126 من الموقوفين في احتجاجات نهاية ديسمبر الماضي. وبحسب المسؤول الإيراني، فإن أكثر من 500 من أنصار الطريقة الصوفية قيد الاعتقال وفق ما نقلت عنه وكالة «ميزان» الناطقة باسم القضاء.
وقال ناشطون أمس على شبكة «تويتر» إن الأحكام الصادرة تشمل النفي والجلد، ووجهت لهم السلطات الإيرانية تهم «تهديد الأمن القومي» و«التجمهر والتآمر ضد أمن البلاد» و«التمرد على أوامر قوات الأمن»؛ وفقا لذوي المعتقلين.
وفي نهاية مارس (آذار) الماضي نزل آلاف الأحوازيين العرب إلى الشارع في احتجاجات غاضبة ضد برنامج تلفزيوني اتهم بالسلوك العنصري ضد العرب. واستخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين. كما قامت بموجة اعتقالات شملت أكثر من 400 شخصا وفقا لناشطي حقوق الإنسان.
وبعد ذلك شهدت مناطق من محافظات لرستان وأصفهان ويزد احتجاجات للمزارعين ضد سياسة نقل المياه، وتوجه المزارعون في أصفهان إلى خطيب الجمعة وأعطوه ظهورهم، وذلك في أول خطوة رمزية تستهدف المناسبة الدينية التي تتعامل معها مؤسسة المرشد الإيراني وفق معايير سياسية بامتياز.
بالتزامن مع ذلك، شهد الشريط الحدودي الإيراني مع إقليم كردستان العراق إضرابات واسعة النطاق في الأسواق امتدت لشهرين. بعض المدن الكردية شهدت تجمعات للمضربين وهم جالسون على موائد فارغة للإشارة إلى تدهور الوضع المعيشي.
وبداية هذا الشهر خرج المئات من أبناء مدينة كازرون للاحتجاج ضد مشروع برلماني لتقسيم المدينة. وبداية الاحتجاجات كانت تحت تأثير توتر عرقي تشهده المدينة بين القومية القشقائية ذات الأصول التركية والقومية اللرية، وانقسمت الاحتجاجات بين معارضين ومخالفين لمشروع تقسيم المدينة قبل أن تتحول الاحتجاجات إلى ترديد شعارات تندد بسياسات النظام.
بموازاة ذلك، شهدت إيران إضرابات ووقفات احتجاجية في عشرات المدن، وكان أوسع الوقفات الاحتجاجية تلك التي نظمها مستثمرون ضد إفلاس البنوك ومؤسسات مالية.
وعلى الصعيد العمالي تظاهر خلال الشهور الماضية عمال شركتي «فولاذ» و«قصب السكر» في الأحواز.
وجراء ذلك أعلنت السلطات حظر تطبيق «تلغرام» للتراسل الاجتماعي، وذلك بعد شهور من النقاش بين الحكومة والجهات الأمنية. ولكن المعطيات تشير إلى أن القرار صدر من المسؤول الأول في البلاد، علي خامنئي.
وتداولت أمس مواقع إيرانية تقارير عن تجمهر أصحاب مزارع الدواجن أمام مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني في باستور، وقالت وكالة «إيرنا» إن أكثر من 300 احتجوا ضد تهميش مطالبهم النقابية.
من جهة أخرى، استمر سائقو الشاحنات في إضرابهم لليوم السادس على التوالي احتجاجا على ارتفاع نسبة الضرائب وأسعار الوقود مقابل تدني الأجور.
الاحتجاجات النقابية شملت أمس عمال شركة «هبكو» في أراك الذين نظموا وقفة احتجاجية أمام مقر القضاء الإيراني للمطالبة بإطلاق سراح عمال محتجزين.
الحكومة الإيرانية تقر قانوناً للتضييق على الاحتجاجات
إضرابات نقابية أمام مكتب الرئيس وإصدار أحكام ضد 67 من أنصار حركة دينية
الحكومة الإيرانية تقر قانوناً للتضييق على الاحتجاجات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة