السلام على المحك في انتخابات الرئاسة بكولومبيا

من اليسار: جيرمان فارغاس ليراس وسيرجيو فاخاردو وغوستافو بترو وإيفان دوكي وأومبرتو دي لا كالي (رويترز)
من اليسار: جيرمان فارغاس ليراس وسيرجيو فاخاردو وغوستافو بترو وإيفان دوكي وأومبرتو دي لا كالي (رويترز)
TT

السلام على المحك في انتخابات الرئاسة بكولومبيا

من اليسار: جيرمان فارغاس ليراس وسيرجيو فاخاردو وغوستافو بترو وإيفان دوكي وأومبرتو دي لا كالي (رويترز)
من اليسار: جيرمان فارغاس ليراس وسيرجيو فاخاردو وغوستافو بترو وإيفان دوكي وأومبرتو دي لا كالي (رويترز)

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 وقَّعَت حكومة الرئيس خوان مانويل سانتوس مع حركة «فارك» المسلحة اتفاق سلام؛ تخلت من خلاله أقدم وأكبر حركة ماركسية مسلحة في أميركا اللاتينية عن سلاحها، وعن العنف، وقبلت الانخراط في المجتمع المدني والنضال السلمي البرلماني، إلا أن ذلك لم يلاقِ استجابة كاملة من كل القوى السياسية، خصوصاً اليمينية منها التي ترغب في تعديل الاتفاق، الذي وقعه سانتوس برعاية دولية، ونال على أثره جائزة نوبل للسلام. انتخابات الرئاسة التي تنظم غداً الأحد قد تتمخض نتيجة غير مرضية، وتعيد البلاد إلى دوامة العنف مرة ثانية، ولهذا فقد أصبح المشهد السياسي شديد الاستقطاب، في ظل مستقبل غامض لعملية السلام في البلاد. ويرى العديد من الناخبين أن البلاد على مفترق طرق. وقال خايمي وهو مخرج أفلام وثائقية لوكالة الأنباء الألمانية: «هذه أول انتخابات منذ خمسة عقود ليست مغموسة في الحرب... كولومبيا ستختار ما إذا كانت ستغرق مجدداً في العنف أم ستتغير أخيراً».
وأشارت استطلاعات الرأي إلى احتدام المنافسة بين اليميني إيفان دوكي واليساري غوستافو بترو، اللذين لديهما وجهات نظر متعارضة بشأن اتفاق السلام الذي وقعه الرئيس سانتوس مع «فارك». وذكر سانتوس لوكالة الأنباء الألمانية أن المحكمة الدستورية أيدت أيضاً الاتفاق ودخل جزء منه بالفعل حيز التنفيذ. وأضاف: «الرئيس المقبل سيجد صعوبة بالغة، وأرى أن الرجوع عن الاتفاق سيكون أمراً مستحيلاً». لكن دوكي انتقد نظام العدالة في مرحلة ما بعد الصراع الذي تم إقامته لـ«فارك»، ووجود 10 أعضاء من تلك الجماعة، وهي الآن حزب سياسي، في الكونغرس. ولا يُعاقب أعضاء «فارك» بشكل كافٍ على قتل المدنيين واختطافهم، وعلى تورطهم في تجارة المخدرات، بحسب دوكي، ويوافق الكثير من الكولومبيين على ذلك، كما نقلت عنه «الوكالة الألمانية».
وقال فيسنتي توريخوس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة روزاريو، «الناخبون يهتمون بالبطالة والجريمة والصحة، لكنهم لا يرون فرقاً كبيراً بين الأحزاب باستثناء نموذج بترو الاشتراكي». وأضاف أن «اتفاق السلام هو الموضوع الرئيسي الذي يسمح للناخبين بتعريف أنفسهم آيديولوجيا».
ومن شأن فوز بترو أن يضمن استمرارية عملية السلام، بينما تعهد دوكي بتعديلها، مما أثار القلق من أن العديد من مقاتلي «فارك» الذين تم تسريحهم، والبالغ عددهم سبعة آلاف فرد، قد ينضمون إلى الجماعات المسلحة الصغيرة بما ينذر باندلاع موجة جديدة من العنف.
وقُتل ما لا يقل عن 220 ألف شخص ونزح 7 ملايين آخرين خلال النزاع المسلح الذي دام 52 عاماً في كولومبيا. ويحظر الدستور على سانتوس السعي لولاية ثالثة.
وأثارت شعبية بترو (58 عاماً) العضو السابق في الجماعة المسلحة (إم - 19) المنحلة حالياً وعمدة بوغوتا السابق، احتمالية أن يكون لدى كولومبيا - معقل التيار المحافظ في أميركا اللاتينية - أول رئيس يساري.
وتعهد بترو بسياسات من شأنها سد فجوة الثروة، في واحدة من أكثر البلدان من حيث عدم المساواة الاجتماعية في القارة، في مجالات مثل الرعاية الصحية الشاملة والتعليم اللذين ترعاهما الدولة. كما أنه سيزيد الضرائب على الشركات والأثرياء، ويحول التركيز الاقتصادي لكولومبيا من النفط إلى الزراعة. وتعهد دوكي وهو عضو بمجلس الشيوخ (41 عاماً)، ويحظى بتأييد الرئيس الأسبق ألفارو أوريبي بتعزيز الأمن وعدم زيادة الضرائب، مع تحذيره من أن الحكم اليساري قد يحول كولومبيا إلى فنزويلا أخرى. والمرشحون الآخرون في هذا السباق هم نائب الرئيس السابق جيرمان فارغاس ليراس، الذي يحظى بتأييد الحزب الاجتماعي للوحدة الوطنية (يمين وسط) الذي ينتمي له سانتوس، ورئيس بلدية ميدلين السابق سيرجيو فاخاردو والليبرالي أومبرتو دي لا كالي، الذي ترأس فريق الحكومة في مفاوضات السلام مع «فارك».
وبما أنه من غير المرجح أن يحصل أي من المرشحين على أكثر من 50 في المائة من الأصوات، فمن المتوقع أن تجري جولة إعادة للانتخابات في 17 يونيو (حزيران).
ولا تزال تنشط إحدى جماعات التمرد اليسارية المنخرطة في الصراع، وهي «جيش التحرير الوطني» وقوامه 1500 رجل، وكذلك الوضع أيضاً بالنسبة لنحو 1200 من المنشقين عن «فارك» والجماعات شبه العسكرية اليمينية والعصابات الإجرامية المسلحة. ونزح أكثر من 150 ألف كولومبي منذ توقيع اتفاق السلام من ديارهم، وفقاً للمجلس النرويجي للاجئين، الذي أفاد بوجود حالات اختفاء وعنف جنسي وتجنيد لأطفال. وقالت أليشيا، وهي أرملة في الستينات من عمرها، لوكالة الأنباء الألمانية: «قتلت (فارك) الأبرياء... إنهم حفنة من القتلة». وذكرت أديلايدا، وهي صحافية في العمر نفسه، إنها تعتقد أن سكان المدينة هم من ينتقدون اتفاق السلام. وقالت: «لم يجربوا الحرب مباشرة... الأشخاص في المناطق الريفية، الذين تضرروا بشدة، يريدون السلام». وقال أوغوستو رايس المحلل السياسي في شركة «بودر أند بودر» الاستشارية إن دوكي الذي يعارض أيضاً محادثات السلام الجارية مع «جيش التحرير الوطني» قد يخفف من وجهات نظره إذا انتخب رئيساً. لكن دوكي قد يتعرض لضغوط من أوريبي الذي «سيحكم حقاً» خلف الكواليس. وقام أوريبي، الذي كان رئيساً في الفترة من 2002 إلى 2010، بحملة قوية ضد اتفاق السلام قبل الاستفتاء الذي أجري عليه في أكتوبر (تشرين الأول) 2016.
وصوتت أغلبية ضئيلة للغاية من الكولومبيين ضد الاتفاق، لكن سانتوس أدخل بعض التعديلات وأحالها في النهاية إلى الكونغرس.
وحذر مصدر مقرب من «فارك» من أن «العديد من مقاتلي (فارك) السابقين يفكرون في الانضمام إلى جماعات مسلحة أخرى» إذا فاز دوكي في الانتخابات. ولا أحد من المرشحين الآخرين، الذين يعتقد بارغاس ليراس أن لديهم أفضل الفرص للفوز، سيغير بشكل جوهري اتفاق السلام. ولكن حتى لو فاز دوكي، فستكون له سلطة محدودة فقط، لأن أي إصلاحات يجب أن تمر من خلال كونغرس منقسم على نفسه. وقالت المحللة السياسة كارولينا نيتو: «هناك قطاعات من المجتمع المدني وأحزاب سياسية ستمارس بالتأكيد ضغوطاً مهمة من أجل تنفيذ اتفاق السلام».



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.