«سائرون» و«النصر» يفتحان باب تشكيل «الكتلة الأكبر» في العراق

لقاء بين الصدر والعبادي يثير توقعات بترتيب بعيد عن العامري والمالكي

العبادي خلال اللقاء مع الصدر في بغداد (رويترز)
العبادي خلال اللقاء مع الصدر في بغداد (رويترز)
TT

«سائرون» و«النصر» يفتحان باب تشكيل «الكتلة الأكبر» في العراق

العبادي خلال اللقاء مع الصدر في بغداد (رويترز)
العبادي خلال اللقاء مع الصدر في بغداد (رويترز)

هذه المرة ليس في الحنّانة بمدينة النجف، حيث مقر مقتدى الصدر، ولا القصر الحكومي في بغداد حيث مقر رئيس الوزراء حيدر العبادي بل في مقر الصدر في بغداد جرى لقاء الليلة قبل الماضية بين رئيس الوزراء وزعيم ائتلاف «النصر» حيدر العبادي وبين زعيم التيار الصدري والراعي لتحالف «سائرون» الحاصل على أعلى المقاعد.
وأكد مصدر مقرب من التيار الصدري لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم الكشف عن اسمه، أن «تحالف سائرون الحاصل الآن على 54 مقعدا برلمانيا في طريقه لأن يزيد عدد مقاعده بعد أن أبدت عدة أطراف رغبة في الانضمام إليه»، مبينا أن «عدد مقاعدنا قد يرتفع إلى 60 مقعدا أو أكثر خلال الأيام القادمة مما سيزيده رسوخا في المعادلة السياسية».
في مقابل ذلك، تفيد معلومات بأن تحالف العبادي مهدد بخروج حزب الفضيلة الإسلامي منه والحاصل على 7 مقاعد مما يجعل «النصر» يفقد فرصا تفاوضية مريحة بعد أن كان يتوقع حصوله على المرتبة الأولى في الانتخابات لكنه حل ثالثا بواقع (42 مقعدا) حيث تقدم عليه تحالف «الفتح» الحشدي بواقع (47 مقعدا). وبينما انتشرت معلومة ليست لصالح العبادي مفادها أن الصدر اشترط عليه للترشح إلى ولاية ثانية ترك حزب الدعوة ‘ فإن مقربا منه أعلن عدم صحة هذه المعلومة بينما لم يصدر عن التيار الصدري أو مفاوضي «سائرون»، الذين بدأوا سلسلة حراكهم بشأن الحكومة المقبلة بلقاء رئيس البرلمان سليم الجبوري، ما يؤكد أو ينفي تلك المعلومة.
وطبقا لمجريات المؤتمر الصحافي الذي أعقب لقاء الصدر والعبادي فقد تم التأكيد على الثوابت المعروفة لكليهما برغم أن الصدر الذي كان يصر في الماضي على تشكيل حكومة تكنوقراط بدأ يستبدلها الآن بمصطلح جديد هو «الحكومة الأبوية» والذي لم يدخل بعد سوق التداول السياسي في العراق إلا لكونه قد يفتح باب التأويلات باتجاه حكومة توافق سياسي لا أغلبية سياسية مثلما يريد تحالف «دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى حد ما تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري، بينما يريد العبادي أن تكون الحكومة هي حكومة أغلبية وطنية.
العبادي وطبقا للبيان الصادر عن مكتبه عقب لقائه الصدر دعا «جميع الكتل إلى القبول بالنتائج واتباع السبل القانونية للاعتراضات كما دعا المفوضية إلى النظر فيها»، مشيراً إلى «أهمية التحرك بسرعة ليمارس من فازوا في الانتخابات دورهم ومهامهم في مجلس النواب». وأضاف أن «اللقاء مع السيد الصدر هو للعمل سوية من أجل الإسراع بتشكيل الحكومة وأن تكون الحكومة المقبلة قوية وتوفر الخدمات وفرص العمل وتحسين المستوى المعيشي ومحاربة الفساد». وأوضح العبادي أن «اللقاء شهد تطابقا في وجهات النظر بضرورة استيعاب الجميع».
وفي هذا السياق يقول أستاذ العلوم السياسية الدكتور عامر حسن فياض لـ«الشرق الأوسط» إن «مسألة تشكيل الكتلة الأكبر لم تعد مهمة سهلة مثل الانتخابات الماضية لأن الأهم فيها الآن هو أنه لا توجد قائمة واحدة تمثل مكونا معينا وهو ما يعني وجود تغيير واضح في الخريطة السياسية». ويضيف فياض أن «الجديد في الخريطة هذه المرة أنها تمثل استقطابا ثنائيا يمثل طرفا سنيا وآخر شيعيا وكرديا يقابله استقطاب باتجاه مضاد واحد يمثل أكثرية تشكل الحكومة والآخر يمثل أقلية لكنها فاعلة وتمثل المعارضة». وفي تفسير ذلك فإن الكتلة الأكبر التي ترشح من بينها رئيس الوزراء تحتاج إلى جمع 165 مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان العراقي البالغ 329 مقعدا، أي بالأغلبية البسيطة (النصف زائد واحد). ولكون كل الكتل الفائزة لم تتعد أي منها هذا الحاجز فلا بد من تحالفات مع كتل أخرى لجمع هذا الرقم الذي لا يمكن بلوغه ما لم يتم التحالف مع كتل من كل الأطراف والمكونات (الشيعية والكردية والسنية).
وبينما شكل تحالف «سائرون» وفدا تفاوضيا بدأ لقاءاته مع رئيس البرلمان المنتهية ولايته سليم الجبوري فإن الأطراف الأخرى على وشك الانتهاء من تشكيل فرقها التفاوضية لنفس الغرض. وحسب البيان الصادر عن مكتب الجبوري وا، فإن الأخير استقبل الوفد التفاوضي لائتلاف «سائرون» برئاسة نصار الربيعي، مبينا أنه «جرى خلال اللقاء بحث نتائج الانتخابات التشريعية والظروف التي رافقتها وسبل مواجهة المرحلة المقبلة عبر رؤى وتفاهمات مشتركة». وأكد الجبوري خلال البيان، على ضرورة «تحشيد كل الجهود من أجل الوصول إلى تفاهمات تفضي إلى تشكيل حكومة تضم جميع الأطراف وتكون معبرة عن واقع المجتمع العراقي المتنوع»، مشيرا إلى أن «المرحلة تتطلب من جميع الكتل السياسية تقديم التنازلات للخروج برؤية موحدة حيال تشكيل الحكومة المقبلة وبما تلبي طموحات الشعب العراقي».
من جانبه فإن نائب رئيس الجمهورية وزعيم تحالف «القرار» أسامة النجيفي حدد موقفه من قضية تشكيل الحكومة المقبلة وذلك خلال لقائه مع المبعوث الرئاسي الأميركي بريت ماكغورك. ففي بيان له بعد اللقاء أكد النجيفي أن «تحالفه» مع حكومة قوية قادرة على تقديم الإنجازات وإقناع الشعب عبر برنامج حكومي ينال ثقته ويحقق إعمار المحافظات التي عانت من الإرهاب، وينجز الإصلاحات، ويحارب الفساد، ويعزز هوية المواطنة ويبعد العراق عن الصراعات الدولية والتأثيرات السلبية لانعكاس ذلك على مصالح الشعب ومستقبله».
في السياق ذاته وبينما يرى الكثيرون أن الفاصل بين أن تكون الأرجحية على صعيد التحالف الشيعي المحتمل إما بين «دولة القانون» و«الفتح» ومن يلتحق بهما من كتل كردية وسنية، وإما بين «سائرون» و«النصر» ومن يلتحق بهما مثل كتلة «الحكمة» بزعامة عمار الحكيم. وعما إذا كانوا بيضة القبان للتحالفات المقبلة يقول القيادي في الحكمة صلاح العرباوي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحكمة ستكون هي المحور الأهم في تحديد التحالفات المقبلة». وبشأن رؤيته للكيفية التي تسير بموجبها الأمور اليوم، يقول العرباوي: «الأمور لا تزال في بداياتها لكن لدينا تقارب مع السيد الصدر وتفاهمات مع بقية الأطراف».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.