ضمن نتائج دراسة أسترالية حديثة، تُضاف إلى نتائج عدد من الدراسات الطبية الصادرة خلال السنوات القليلة الماضية، أكد باحثون من جامعة «سيدني» وجامعة «بودين» أن تناول ما يصل إلى ١٢ بيضة في الأسبوع، والاستمرار في ذلك لمدة عام، لا يرفع من مؤشرات عوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وذلك لدى المصابين بالنوع الثاني من مرض السكري (Type 2 Diabetes)، أو منْ لديهم حالة «ما قبل السكري» (Pre – Diabetes).
- نصائح علمية
تأتي نتائج هذه الدراسة لتقدم توضيحاً يُساعد في صياغة نصائح للتغذية الصحية تتسم بأنها واقعية ومستندة إلى البراهين العلمية، وذلك لعموم الناس، ولمرضى السكري على وجه الخصوص.
ومنذ ستينات القرن الماضي انتشر بشكل واسع اعتقاد غير صحيح في الأوساط الطبية، مفاده أن تناول البيض الغني بالكولسترول يعتبر أحد العوامل الغذائية المتسببة في رفع خطورة الإصابة بزيادة نسبة الكولسترول في الدم، وبالتالي زيادة احتمالات الإصابة بالأمراض القلبية. ولذا تضمنت نصائح التغذية الصحية القديمة ضرورة تقليل تناول البيض. ثم ظهرت منذ عام ١٩٩٩، نتائج عدة دراسات طبية حول حقيقة العلاقة بين أمراض القلب وبين تناول البيض. وأعادت نتائج تلك الدراسات ضبط بوصلة نصائح التغذية الصحية نحو الاتجاه الصحيح فيما يتعلق بتناول البيض، وذلك بإفادتها بأنه لم يثبت بالمتابعة الطبية الطويلة الأمد، وجود أي تأثيرات صحية سلبية لتناول البيض على سلامة الأوعية الدموية في القلب أو في الدماغ أو في بقية الجسم.
ورغم ملاحظة نتائج الدراسات الطبية تلك هذا الأمر، إلا أنه بقي تحفظ طبي حول تناول البيض من قبل مرضى السكري، وظلت تلك النصائح للتغذية الصحية تستثني مرضى السكري من تناول البيض. وقدمت نتائج هذه الدراسة الطبية الأسترالية الحديثة توضيحاً علمياً لتؤكد أن تناول البيض حتى من قبل مرضى السكري لا يرفع من احتمالات خطورة إصابتهم بالأمراض القلبية والأمراض الوعائية في بقية أرجاء الجسم.
ووفق ما تم نشره ضمن عدد السابع من مايو (أيار) لـ«المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية»(American Journal of Clinical Nutrition)، تابع الباحثون من جامعة «سيدني» لمدة ١٢ شهراً تأثيرات تناول البيض على مرضى السكري. وكان الباحثون الأستراليون في دراسة سابقة، وهي «دراسة ديابياغ» (DIABEGG Study)، قد تابعوا هذا الأمر لمدة ثلاثة أشهر فقط.
- مرضى السكري
وأفاد الباحثون بأن بعض إرشادات التغذية الصحية في بعض بلدان العالم لا تزال تنصح مرضى السكري بتقليل تناول البيض، وأن دراستهم هدفت إلى مراقبة ومقارنة مدى التغيرات في عوامل الخطورة القلبية ذات الصلة بالعمليات الكيميائية الحيوية بالجسم، وهي ما يتم اختصارها بـ«عوامل الخطورة الأيضية القلبية» (Cardiometabolic Risk Factors)، وذلك فيما بين تناول مجموعة من مرضى السكري و«ما قبل السكري» لكمية قليلة من البيض، أي أقل من ٢ بيضة في الأسبوع، وبين تناول مجموعة أخرى مرضى السكري و«ما قبل السكري» لكمية عالية من البيض، أي أكثر من ١٢ بيضة في الأسبوع.
وأكد الباحثون أن تصميم إجراء الدراسة تضمن الاهتمام بجانب غذائي مهم في شأن الكولسترول الذي يدخل الجسم مع الطعام، وهو ضرورة إحلال الدهون غير المشبعة (Unsaturated Fats) في وجبات الطعام المحتوية على البيض، مثل الزيوت النباتية الطبيعية، وتجنب تناول البيض مع الدهون المشبعة (Saturated Fats)، مثل السمن أو الزبدة.
وقال الباحثون في نتائجهم إنهم لم يلاحظوا فرقاً بين مجموعة منْ تناولوا كمية قليلة من البيض في الأسبوع وبين مجموعة من تناولوا كمية ١٢ بيضة في الأسبوع، وذلك في مقدار ضغط الدم ووزن الجسم، وأيضاً في عدد من المؤشرات الكيميائية ذات الصلة بمرض السكري أو أمراض القلب، وهي كل من: نسبة السكر في الدم، ونسبة تراكم السكر في الهيموغلوبينGlycated) Hemoglobin)، ونسبة الكولسترول في الدم (Serum Lipids)، ومؤشرات الالتهابات في الجسم مثل بروتين سي التفاعلي (C - Reactive Protein) و«إنترليوكين – 6» (Interleukin 6) و«سيلكتين - إي» الذائب(sE – Selectin) ، وكذلك مؤشرات شدة الأكسدة (Oxidative Stress) مثل «أيزوبروستانيز - إف 6» (F2 - Isoprostanes).
- نبذ الدهون المشبعة
ورأس فريق الباحثين من جامعة «سيدني» وجامعة «بودين»، الدكتور نيك فولير، الذي علق على النتائج بالقول: «على الرغم من وجود نصائح مختلفة حول المستويات الآمنة من استهلاك البيض للأشخاص الذين يعانون من النوع الثاني للسكري وما قبل السكري، فإن أبحاثنا تشير إلى أن الناس لا يحتاجون إلى التوقف عن تناول البيض عند حرصهم على إتباع نظام غذائي صحي».
وأضاف التأكيد على جانب مهم بقوله: «النظام الغذائي الصحي على النحو المنصوص عليه في هذه الدراسة شدد على إدخال الدهون غير المشبعة (مثل التي في الأفوكادو وزيت الزيتون) بدلاً من الدهون المشبعة (مثل التي في الزبدة)». أي عدم استخدام الدهون المشبعة عند طهو البيض والحرص على الدهون غير المشبعة في ذلك.
واستطرد موضحاً بالقول: «وفي حين أن البيض نفسه يحتوي كمية مرتفعة من الكولسترول الغذائي. والأشخاص المصابون بالنوع الثاني من السكري ترتفع لديهم احتمالات وجود ارتفاع في نسبة الكولسترول الخفيف الضار (LDL)، إلا أن نتائج هذه الدراسة تدعم نتائج الدراسات الطبية الحديثة التي تبين أن تناول البيض له تأثير ضئيل على مستويات الكولسترول في الدم لدى الأشخاص الذين يتناولونه».
وعلل الدكتور فولير الحرص على إجراء مثل هذه الدراسات الطبية حول البيض بالذات بقوله إن هناك كثيراً من الفوائد الصحية لتناول البيض، وهي مفيدة لعموم الناس ومفيدة حتى لمرضى السكري الذين هم بحاجة إلى تغذية صحية تعطي مزيداً من القوة لأجسامهم وجهاز المناعة لديهم وبقية أجهزة الجسم. وأضاف: «البيض هو مصدر للبروتين ولعدد من العناصر الغذائية الدقيقة Micronutrients))، كالمعادن والفيتامينات، التي يمكن أن تدعم مجموعة من العوامل الصحية والغذائية بما في ذلك صحة القلب والعين وصحة الأوعية الدموية والحمل الصحي». وفي جانب علاقة تناول البيض بوزن الجسم قال الدكتور فولير: «نتائج الدراسة تفيد بأمر مثير للاهتمام وهو أنه لم يكن ثمة فرق بين وزن الناس الذين يتناولون البيض بكميات عالية وبين وزن الناس الذين يتناولون كمية منخفضة منه، بل إنه ساهم في خفض وزن الجسم لدى جميع المشاركين في الدراسة».
- كيف نتناول البيض بطريقة صحية؟
> عند البحث عن «كيفية تناول البيض بطريقة صحية» علينا التنبه لأمرين:
• الأول: البيض أحد المنتجات الغذائية التي تحتوي على عناصر غذائية صحية عالية الأهمية، وضمن تركيبة فريدة. وإضافة إلى احتواء البيض على البروتينات بتركيبات فائقة الجودة والمعادن والفيتامينات، لا يحتوي البيض على دهون حيوانية مشبعة، بل إن نوعية الدهون الموجودة في البيض هي دهون غير مشبعة، أي شبيهة بالتي في زيت الزيتون والزيوت النباتية الطبيعية الأخرى.
• الثاني: تحتوي البيضة الواحدة على كمية من الكولسترول تقارب نحو ٢٠٠ مليغرام، وهي كمية عالية، ولكن البيضة في الوقت نفسه لا تحتوي على الدهون المشبعة كما هو الحال في اللحوم ومشتقات الألبان.
وامتصاص الأمعاء للكولسترول من الأطعمة الحيوانية، سواء كان من البيض أو الروبيان أو الأسماك أو الحليب أو اللحوم الحمراء أو لحوم الدواجن، يعتمد على عدة عوامل، من أهمها وجود الدهون الحيوانية المشبعة مع الكولسترول في مزيج الطعام الذي يتم تناوله.
ولذا فإن هناك فرقاً بين تناول البيض المسلوق أو الروبيان أو الأسماك المشويين، التي تحتوي جميعها على الكولسترول، وبين تناول اللحوم أو الحليب أو مشتقات الألبان كاملة الدسم التي تحتوي على الكولسترول والدهون المشبعة.
ولذا قال الباحثون الأستراليون في دراستهم: «تم نصح المشمولين في الدراسة بطهو البيض، إما مسلوقاً أو مقلياً باستخدام زيوت غير مشبعة مثل زيت الزيتون».
وهذه نقطة مهمة، لأن طهو البيض بطريقة السلق أو القلي بالزيوت النباتية الطبيعية، الخالية من الدهون المشبعة، لن يتسبب في زيادة امتصاص الكولسترول الموجود في البيض، بخلاف قلي البيض بالزيوت النباتية المهدرجة المحتوية على الدهون المتحولة (Trans Fatty Acids) الضارة، أو قلي البيض بالزبدة أو السمن المحتويين على الدهون المشبعة، أو تناول أطعمة تحتوي على دهون مشبعة عند تناول البيض، مثل اللحوم أو الحليب كامل الدسم أو الجبن كامل الدسم.
وتقول الدكتورة لونا ساندون، متخصصة التغذية والأستاذة المساعدة للتغذية الإكلينيكية في المركز الطبي لجامعة «ساوثويسترن» في دالاس بتكساس: «للناس أن يشعروا بالثقة والاطمئنان الصحي حول إضافة تناول البيض إلى طعامهم اليومي. والبيض غذاء عالي المحتوى من العناصر الغذائية وغالبية العناصر تلك في صفار البيض. وكولسترول الغذاء ليس له تأثير مباشر على نسبة الكولسترول في الدم كما كان يُعتقد في السابق. ولكن بيضة مع زبدة وشرائح لحم ليس طريقاً للصحة»، في إشارة منها إلى أن الأمعاء لا تمتص الكولسترول إلاّ في حين وجود دهون مشبعة معه، كما عند قلي البيض بالسمن الحيواني أو الزبدة أو بتناول شرائح اللحم مع البيض.
والأهم، فإن البيض يحتوي على مواد تعمل على خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول بالأصل. وهو ما أثبتته دراسات صادرة عن الباحثين في جامعة «هارفارد» وغيرهم.
وتشير إصدارات «رابطة القلب» الأميركية إلى أن «الأسماك والروبيان والبيض من الأغذية عالية المحتوى نسبياً بالكولسترول، إلا أنها قليلة المحتوى بالدهون المشبعة». وأضافت أن «تأثيرات هذه المنتجات الغذائية قليلة في رفع كولسترول الدم. ولذا فإن تناولها أقل ضرراً من تناول اللحوم الحيوانية المحتوية على الدهون المشبعة والكولسترول معاً، وأقل ضرراً بلا ريب من تناول الدهون المتحولة في الزيوت النباتية المهدرجة بطرق صناعية».