استياء من دعم الحريري لباسيل في البترون... و«المستقبل» يبدي تفهّمه

«القوات» تتحدث عن ثنائية جديدة بين «المستقبل» و«الوطني الحر»

سيلفي مع النائب بهية الحريري أثناء جولة انتخابية أخيرة في صيدا (رويترز)
سيلفي مع النائب بهية الحريري أثناء جولة انتخابية أخيرة في صيدا (رويترز)
TT

استياء من دعم الحريري لباسيل في البترون... و«المستقبل» يبدي تفهّمه

سيلفي مع النائب بهية الحريري أثناء جولة انتخابية أخيرة في صيدا (رويترز)
سيلفي مع النائب بهية الحريري أثناء جولة انتخابية أخيرة في صيدا (رويترز)

أثارت دعوة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري مناصريه في منطقة البترون (شمال لبنان)، إلى إعطاء أصواتهم التفضيلية لرئيس التيّار الوطني الحر، وزير الخارجية جبران باسيل «موجة استياء» لا تزال أصداؤها تتردد في أوساط الشارع السنّي بشمال لبنان عموماً، وقضاء البترون خصوصاً، وهي تواجه بانتقادات سواء في وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو لدى الحلفاء الاستراتيجيين لتيار «المستقبل» مثل حزب «القوات اللبنانية» الذي وضع هذا الموقف في سياق التأسيس لثنائية جديدة بين التيارين، بدأت تتبلور معالمها في الانتخابات.
وخلال زيارته منطقة البترون، مساء الاثنين، والتي جاءت خاتمة لجولته على كل مناطق الشمال استمرت أربعة أيام، لاستنهاض الشارع السنّي انتخابياً، كان الحريري قد أعلن لائحة «الشمال القوي» برئاسة الوزير باسيل، ودعا سنة البترون إلى إعطاء أصواتهم التفضيلية إلى من وصفه بالـ«صديق جبران». متوجها إليه بالقول: «انظر إلى هذا الزمن، بتنا وإياكم حلفاء ونسوق لبعضنا البعض».
ورغم أن الهزات الارتدادية لهذا الكلام لا تزال تتفاعل، أعلن حزب «القوات اللبنانية» الحليف الاستراتيجي لـ«المستقبل»، أنه لم يتفاجأ بما قاله الرئيس الحريري، وأوضح قيادي في القوات لـ«الشرق الأوسط»، أن الحزب «لم يتحالف مع تيار (المستقبل) في دائرة الشمال الثالثة، لأن الأخير فضل التحالف مع التيار الوطني الحر، ومع ميشال معوّض (نجل الرئيس الراحل رينيه معوّض)، ضمن حلف ثلاثي في هذه الدائرة».
وتعبيراً عن العتب الواضح حيال ما ذهبت إليه خيارات رئيس الحكومة، قال القيادي القواتي: «نعرف سلفاً أن هناك نوعاً من تشكيل ثنائية جديدة بين التيارين (الوطني الحرّ والمستقبل)، وكلام الحريري يقدم أكبر دليل على هذا التحوّل في سياسة الفريقين». وأضاف: «قبل هذا الكلام كانت لدينا علامات استفهام عن تحالفاتهما في الشمال الثالثة وبيروت الأولى، حيث يجب أن نكون متحالفين مع (المستقبل) انطلاقاً من العلاقات الاستراتيجية بيننا»، معتبراً أن تحالف «المستقبل» و«القوات» في دائرتي الشوف - عالية، والبقاع الشمالي، ليست أكثر من تقاطعات انتخابية، مشيراً إلى أن «موقف الحريري الواضح يعبّر عن عمق العلاقة الاستراتيجية بينه وبين الوزير جبران باسيل».
وكشف دعم الحريري العلني والصريح لباسيل، عمق الأزمة بين التيار الوطني الحرّ، والشارع السنّي، لا سيما في شمال لبنان، وأظهرت آلاف التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي عتبها الكبير على مرجعيتها السياسية، خصوصاً لدى سنة البترون والكورة، الذين يتهمون باسيل بتعمّد تهميشهم، وحرمانهم من الخدمات والوظائف على مدى السنوات العشر التي تسلّم فيها وزراؤه حقائب خدماتية، عدا عن خيار تياره الذي يدور في فلك «حزب الله» ويتحالف معه، وكان رأس حربة الانقلاب على سعد الحريري والإطاحة بحكومته في العام 2010 والمجيء بحكومة نجيب ميقاتي.
في المقابل، بدا «المستقبل» متفهما للاستياء السني من قرار الحريري من دون أن ينفي وجوده، إذ أوضح عضو المكتب السياسي للتيار النائب السابق مصطفى علوش، أن «كلّ منطقة لها خصوصيتها وحيثيتها الانتخابية». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإشكالية تكمن في اسم جبران باسيل، ووقعه السيئ على الشارع السنّي عموماً وجمهور تيار المستقبل خصوصاً»، لكنه لفت إلى أن «الشارع السنّي يدرك أن هناك خياراً استراتيجياً اتخذه الحريري مع التيار الوطني الحرّ، حول المرحلة المقبلة وكيفية بناء الدولة، لأن شنّ الحروب على كلّ القوى السياسية لا يبني وطناً».
ولا يجد «المستقبل» مبرراً لعتب «القوات اللبنانية» عليه، لأن الأخيرة هي السباقة إلى بناء علاقة سياسية قوية من «الوطني الحرّ» عبر «تفاهم معراب» الذي أعلنت فيه دعمها ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، وهي التي لجأت إلى خيارات تحالفية تضرّ بمصلحة «المستقبل» أيضاً. وقال مصطفى علوش: «شاهدنا كيف أن القوات اللبنانية تدعم أخصام سعد الحريري، مثل (رئيس الحكومة السابق) نجيب ميقاتي، وهذا يعني أننا لا نستطيع أن نعتمد عليهم في المستقبل، والمضي بالتسوية التي أرست استمرارية الحكم».
ولا يبدو أن ثمّة قلقاً من ردّة فعل سلبية لجمهور «المستقبل» في صناديق الاقتراع يوم الأحد المقبل، وبتقدير النائب السابق مصطفى علوش، فإن «الشارع السنّي مؤمن بخيارات الرئيس سعد الحريري، الذي ضحّى ويضحّي من أجل المضي ببناء الدولة، وضمان استمرارية التسوية التي أرست الاستقرار السياسي والأمني الذي ينعم به لبنان اليوم»، مؤكداً أن الحريري «شجاع وجريء في خياراته، وهو لم يقدم على ذلك لأجل مصلحة شخصية، بل لحماية لبنان ونهوضه، وتوفير مناخات آمنة وفرص عمل للشباب ليبقوا في وطنهم، بدل أن يختاروا الهجرة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».