من تافياني وداردين إلى الأخوين كوين... مخرجون أشقاء يعملون معاً «فقط»

يتبعون مبدأ «لقطة مني ولقطة منك»

الأخوان باولو (إلى اليسار) وفيتوريو تافياني
الأخوان باولو (إلى اليسار) وفيتوريو تافياني
TT

من تافياني وداردين إلى الأخوين كوين... مخرجون أشقاء يعملون معاً «فقط»

الأخوان باولو (إلى اليسار) وفيتوريو تافياني
الأخوان باولو (إلى اليسار) وفيتوريو تافياني

وفاة المخرج الإيطالي فيتوريو تافياني الأسبوع الماضي عن 88 سنة، خلف وراءه شقيقه باولو الذي يكبره بعامين. معاً حققا أفلامهما وكان من أشهرها «بدرو بدروني» الذي حاز على السعفة الذهبية لمهرجان «كان» السينمائي سنة 1977.
معظم الأفلام التي أخرجها فيتوريو حققها مع شقيقه باولو، حتى تلك القصيرة في مطلع الخمسينات. وكان دائماً ما يثير هذا الأمر تقديراً واسعاً، حتى وإن لم يكن هناك إدراك مؤكد حول من يحقق ماذا خلال التصوير. من لديه الكلمة الأخيرة؟ أو هل هناك من يملك الكلمة الأخيرة بينهما؟ وماذا يفعلان عندما يختلفان؟ أو هل هما لا يختلفان مطلقاً؟‬
هذه الأسئلة ذاتها يمكن أن تطرح على عدد كبير من المخرجين الأشقاء الذين يعملون في المهنة معاً. البلجيكيان جان - بيير ولوك داردين والأخوان الأميركيان جووَل وإيتان كووَن والشقيقتان ليلي ولانا واشوفسكي، والأخوان أنطوني وجو راسو. وعلى نحو أقل شهرة، التوأمان النيويوركيان ماركو ومورو لا فيلا، اللذان يعملان في نيويورك مستقلين شأنهما في ذلك شأن الأخوين مات مارتيللي وجوشوا مارتيللي (وهما أيضاً من أصول إيطالية).
- لقطة منك لقطة مني
النكتة التي شاعت قبل فترة ليست بالقريبة أن كل مخرج وشقيقه يتعامل مع العمل المشترك على أساس متساو حتى بالنسبة لعدد المرّات التي يقوم كل منهما بتصوير مشهد ما أو لقطة واحدة، وذلك على غرار «لقطة منك ولقطة مني». لكن المسألة ليست لا بهذه البساطة ولا بتلك الطبيعة مطلقاً.
بالنسبة للأخوين باولو وفيتوريو تافياني نلاحظ أن روابطهما العائلية في صميمها معكوسة على روابطهما الفنية على نحو حميمي وآسر. المرء يشعر مع مخرجين متلازمين آخرين بقدر من الحرفة التقنية أكثر من الالتحام الموضوعي بين شقيقين يعمدان إلى خلق حالة عمل واحدة تنتمي إليهما معاً وبالتساوي.
هذا ما نجحت به أعمال الأخوين تافياني وتميزت به عن سواها. في «بدرو بدروني» (1977) و«ليلة سان لورنزو» (1982) و«على قيصر أن يموت» (2012) نجد هذه اللحمة متمثلة بالأجواء الحميمة التي يخلقانها ويطوعانها لخدمة الموضوع وشخصياته. لكن ما هو مثير على نحو موازٍ حقيقة أن هذه العناية متوفرة في أفلام أكبر حجماً من أعمالهما المذكورة مثل «صباح الخير، بابل» (1987).
هذه العناية نجدها في عمل الأخوين داردين لكن على نحو لا يشع بالحميمية بينهما. بديلهما هو اهتمامهما بالشخصيات التي تتولى قيادة أفلامهما. هذا الاهتمام ليس تحصيلاً حاصلاً لما قاما بكتابته (ومعظم المخرجين المتلازمين بحكم الأخوة يكتبون ما يخرجونه) بل يُترجم إلى سعي لفهم وشرح الشخصيات المُقدّمة خصوصاً إذا ما كانت تلك الشخصيات نسائية كما الحال في «مفكرة خادمة» (2016) و«فتاة مجهولة (2016) وقبلهما «مارينا» (2013) و«يومان وليلة واحدة» (2014).
هذا يفسر كيف أن أفلامهما تختلف عن أفلام الأخوين تافياني. فاهتمام الأخوين داردين بشخصياتهما يتبلور كعنصر أول بحد ذاته، وهذا يضع الأحداث في سياق أسرع قليلاً. أما في حالة الأخوين تافياني، فإن ما يحتل الصورة الأمامية هو الموضوع الناتج عن البيئة والحكاية المتداولة. هذا يشترك، ولو بحدود، في منح أعمالهما، عموماً وليس دائماً، ذلك البطء المطلوب منه المساهمة في تأسيس الحالة البيئية للشخصيات. كما أن زاوية النظر إلى الواقع المعاش لدى أعمال تافياني وأعمال داردين تختلف. عند الأخوين الإيطاليين الاهتمام بالبيئة الاجتماعية. عند داردين الاهتمام بالواقع الاجتماعي.
بالطبع السمة المشتركة بين الأخوين تافياني والأخوين داردين تتوزع على أكثر من صعيد بينها، وأهمها، أن الأربعة يحققون أفلامهم بمنوال سينما المؤلف وبملامح عمل الأفلام الأوروبية التي تمنح الشخصيات دراساتها على حساب الحكاية ذاتها. هذه دائما ما تحتل الصف الثاني تبعاً لذلك.
- تقاسم الأدوار
وما سبق من تولي الشخصيات إدارة العمل وتحديد بنيته يتفق مع ما يقوم به عدد لا بأس به من المخرجين الأميركيين تبعاً لشروط سينما المؤلّف وتفعيل دورها كإنتاج مستقل عن التبعية الهوليوودية ولو أن هذا الدور انحرف منذ سنوات عما كانت عليه فإذا بالمخرجين ينجزون أفلاماً مستقلة الكتابة والإخراج مبتعدين عن التنميط، لكن لحساب الشركات الهوليوودية ذاتها التي تنجز أفلامها للجمهور السائد.
وهناك أشقاء يعملون في الجانبين. أشهرهم الأخوان جويل ونايثان كوين اللذين أنجزا إلى الآن 19 فيلماً طويلاً حقق معظمها إقبالاً نقدياً مهمّاً بما في ذلك فيلمهما الأخير (للآن) «مرحى قيصر» وإن على نحو تلقائي مغالى فيه.
على الجانب الأول، فإن أحد أعلى الأفلام تقديراً بين النقاد هو «لا بلد للمسنين» (No Country for Old Men) سنة 2007 الذي وضع تومي لي جونز وجوش برولين وخافيير بارديم كل في مواجهة الآخر في هذا الفيلم التشويقي الجيد الذي تم اقتباسه عن رواية كورماك ماكارثي.
الطريقة التي يعمل بها المخرجان تشمل وجودهما معاً خلال التصوير بالطبع، لكن جويل انفرد سابقاً (وحتى فيلمهما «قاتل السيدة» الذي كان إعادة صنع لفيلم بريطاني أفضل لألكسندر ماكندريك سنة 1955) بخانة الإخراج بينما حمل نايثان ناصية الإنتاج. هكذا كان تقاسم الأدوار بينهما علنياً، لكن وراء الكاميرا كانا مشتركين في العمل من الكتابة وحتى التوليف. في هذا الجزء الأخير من العمل (المونتاج) وقعا دائماً باسم رودريك جاينز. بينما تحمل أفلامهما منذ «قاتل السيدة» سنة 2004 اسميهما معاً في خانتي الإخراج والإنتاج.
- أنثوية غائبة
في عام 1999 بزغ شمس أخوين أميركيين آخرين في السينما الأميركية هما لاري وأندرو واشوفسكي وذلك عبر فيلم خيال - علمي مستوحى في الوقت ذاته من سينما الساموراي هو «ذا ماتريكس».
لكن لاري وأندرو ليسا لاري ولا أندرو بل، ونتيجة عمليتي تحويل جنسيتين، انقلبا إلى شقيقتين. لاري أصبح لانا وأندرو تبدّل إلى ليلي. هذا لم يمنعهما بالطبع من تحقيق الأفلام لكنها أفلام أبعد من أن تحمل حسّاً نسائياً أو أنثوياً. مثل «ماتريكس» نجد أفلامهما الأخرى غارقة في تقديم مشاهد التشويق ذات القيادة الرجالية مثلV for Vandetta وSpeed Racer. انجرافهما في نطاق السينما التجارية قد يكون سبباً، لكن على الرغم من ذلك ومن حيثياتهما الشخصية، إلا أن «ذا ماتريكس» برهن عن موهبة استحقت الإعجاب. وفي أعقابهما آلان أنطوني وجو راسو اللذان حافظا على رجوليتهما وقدّما، ولا يزالا، سلسلة The Avengers الشهيرة (الجزء المقبل ينطلق هذا الأسبوع).
بالنسبة لكل من ذكرناه وسواهم يبقى السؤال عالقاً: ألا يستطيع أحد الشقيقين القيام منفرداً بتحقيق ما قام بتحقيقه مع أخيه؟
الجواب بالطبع ممكن (ولو أن باولو تافياني، الذي يبلغ التسعين من عمره الآن ربما ودّع العمل السينمائي بأسره). على أنه وبموازاة احتمالات ذلك العالية قد يكشف الفيلم عن تغيير إيجابي أو سلبي، وفي هذه الحالة سيكون ممكناً فهم طبيعة تلك الشراكة السابقة بينهما وتفكيك طبيعتها.


مقالات ذات صلة

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.