حملة انتخابية محمومة في الشارع و«مسعورة» على الإنترنت في كردستان

الأحزاب المتنافسة تتبادل اتهامات حول إزالة وتشويه ملصقات دعائية

ملصق دعائي ممزق لأحد المرشحين في أربيل («الشرق الأوسط»)
ملصق دعائي ممزق لأحد المرشحين في أربيل («الشرق الأوسط»)
TT

حملة انتخابية محمومة في الشارع و«مسعورة» على الإنترنت في كردستان

ملصق دعائي ممزق لأحد المرشحين في أربيل («الشرق الأوسط»)
ملصق دعائي ممزق لأحد المرشحين في أربيل («الشرق الأوسط»)

حولت حملات الدعاية الانتخابية التي انطلقت في إقليم كردستان رسمياً، في الخامس عشر من الشهر الجاري، مدن وبلدات الإقليم إلى ما يشبه معرضاً واسعاً للصور والملصقات بمختلف الأشكال والأحجام، فالشوارع الرئيسية والساحات والميادين العامة، ومواقف الحافلات وجسور السيارات والمشاة وأعمدة الكهرباء والأضواء المرورية، في كبريات مدن الإقليم سيما العاصمة أربيل، تكتظ بصور المرشحين عن تسعة عشر حزباً وتياراً سياسياً وستة ائتلافات وكيانات، تتنافس وتتنازع بشتى السبل المتاحة، للفوز بستة وأربعين مقعداً مخصصاً لمحافظات الإقليم الثلاث: أربيل والسليمانية ودهوك.
ويبدو أن القوى المتنافسة والمتقاطعة في مواقفها وبرامجها الانتخابية، قد شعرت بسخونة المشهد التنافسي، واحتمالات حصول أحداث من شأنها تعكير أجواء الدعاية الانتخابية التي ستستمر حتى العاشر من مايو (أيار) المقبل، فاستبقت الأمر، وبادرت إلى إبرام «وثيقة شرف» الأربعاء الماضي، تحت إشراف المبعوث الأممي الخاص في العراق يان كوبيتش، تعهدت بموجبه القوى السياسية، باستثناء حراك «الجيل الجديد» الذي يتزعمه رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد، بالالتزام بقواعد الممارسة الانتخابية وحملتها الدعاية، وعدم الإخلال بها تحت أي ظرف كان، ضماناً لنزاهة العملية برمتها، فيما أشاد المبعوث الدولي بمضمون الميثاق، واعتبره أساساً متيناً لسير الانتخابات في اتجاهها الصائب، مشدداً على أن نجاح الانتخابات سيضمن للعراق مستقبلاً سياسياً واجتماعياً مشرقاً، مؤكداً على أن حماية مراكز الاقتراع وضمان سلامة الناخبين وحرية الإدلاء بأصواتهم، هي من صلب مسؤوليات السلطات العراقية وسلطات الإقليم.
ولم يمض سوى يومين فقط على إبرام الوثيقة، حتى بدأت بعض قوى المعارضة، التي تتخذ من السليمانية معقلاً لها، باتهام أحزاب السلطة بالعمل على تمزيق ملصقات وصور مرشحيها في أربيل، فقد أكد وصفي عزيز المرشح عن حركة التغيير المعارضة، أن صوره وصور عدد من زملائه، قد أزيلت تماماً عمداً أو مزقت أو شوهت بالأصباغ في كثير من المواقع البارزة في أربيل، من قبل مرشحين متنفذين عن الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن حركة التغيير «ستلتزم بميثاق الشرف الذي تم التوقيع عليه؛ لكننا متيقنون تماماً من أن أحزاب السلطة ستنتهك بنوده بشكل صارخ، ومع ذلك نتوقع أن تفوز حركتنا بثلاثة مقاعد على الأقل في أربيل، كما أننا واثقون من أن المشهد السياسي في الإقليم سيتغير جذرياً، بعد عملية الانتخابات، في ظل انحسار القاعدة الجماهيرية لأحزاب السلطة كثيراً، وذلك بفعل تداعيات أحداث كركوك والمناطق المتنازع عليها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي».
بيد أن المرشح عن الحزب الديمقراطي الكردستاني «ناصر الهركي» يرى أن فرص الدعاية الانتخابية المتكافئة، متاحة لجميع المرشحين بلا استثناء، نافياً وجود إياد خفية وراء تمزق ملصقات وصور بعض المرشحين، بما فيها صوره الشخصية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا يعقل أن يكلف الحزب الديمقراطي أشخاصاً لتمزيق صور وملصقات مرشحيه، أو مرشحي الأحزاب الأخرى، فحزبنا ذو تاريخ وباع طويلين في مضمار النضال السياسي الديمقراطي، ومثل هذه الإشاعات الجوفاء لن تؤثر على قاعدته الشعبية؛ بل ستعززها، على النحو الذي يؤهله للفوز بمقاعد إضافية في الانتخابات القادمة، التي نحرص على أن تتم بنزاهة وشفافية، وهو ما تعاهدنا عليه ضمن ميثاق الشرف».
ولعل ما يميز الحملة الدعائية الراهنة عن سابقاتها، في إقليم كردستان هو ترشح شخصيات كردية، على قوائم كيانات وتحالفات عراقية، في سابقة هي الأولى من نوعها، في تاريخ العملية السياسية للعراق وكردستان، سيما بعد زوال النظام السابق.
بيد أن «جرجيس كولي زاده» المرشح عن مدينة أربيل على قائمة ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، يرى في ذلك تحولاً إيجابياً، تقتضيه دواعي النضال السياسي من أجل إقرار حقوق شعب كردستان في إطار عراق موحد ومستقر، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «من الحكمة والحصافة أن ننقل صراعنا السياسي مع القوى الأخرى، إلى العاصمة بغداد ومراكز القرار فيها، بغية حسم المشكلات هناك، لهذا ومن منطلق ثقتي بائتلاف النصر بقيادة العبادي في تحقيق ما أصبو إليه من أهداف ومشروعات، من شأنها تقريب وجهات النظر بين بغداد وأربيل، وتمتين عرى التعاون بينهما في مختلف المجالات، قررت الترشح ضمن قائمته الانتخابية».
وعزا كولي زاده قرار ترشحه إلى ما أسماه رد الفعل الطبيعي، على امتناع الأحزاب الحاكمة في إقليم كردستان، عن الإصغاء للآراء الأخرى، مضيفاً أن الوضع السياسي المتشنج حالياً بين بغداد والإقليم، يستدعي العمل لإقناع الشركاء في الوطن، بحق الشعب الكردي في امتلاك دولته المستقلة، وبخلافه ينبغي البحث عن مشروعات بديلة تضمن الاستقرار والوئام والتعايش بين الجانبين.
واللافت في حملات الدعاية أيضا، انتشار مكاتب الكتل والائتلافات العراقية وملصقاتها وصور مرشحيها في كبريات مدن الإقليم، بخلاف الحال بالنسبة للمرشحين الكرد في المناطق المسماة دستورياً المتنازع عليها، وخصوصاً في كركوك التي منع فيها مرشحو القوى الكردية من رفع إعلام كردستان، أو حتى إرفاقها بصورهم وملصقاتهم الانتخابية، أو الإشارة في خطاباتهم وكلماتهم الموجهة للناخبين إلى كل ما يدلل على كردستانية تلك المناطق، ما يطرح كثيراً من علامات الاستفهام.
أما التركمان المنضوون في إطار حزب الجبهة التركمانية، فإنهم يطمحون للحصول على مقعد واحد من المقاعد الخمسة عشر المخصصة لمحافظة أربيل، وأكد «آيدن معروف» مسؤول فرع الحزب، أن حزبه يشارك بمفرده في السباق الانتخابي، عبر خمسة مرشحين يمثلون تركمان أربيل، وأضاف: «نسعى بكل جهودنا للفوز بمقعد واحد فقط، رغم الوجود التركماني المكثف في أربيل، أما الحديث حالياً عن أي تحالفات بين حزبنا والقوى الأخرى، فيعتبر سابقاً لأوانه، ذلك أن نتائج الانتخابات هي التي سترسم وتحدد ملامح مثل تلك التحالفات مستقبلاً، وبما أننا وقعنا على ميثاق الشرف الخاص بالانتخابات التشريعية القادمة، فإننا ندعو الجميع إلى العمل لضمان نزاهة هذه الممارسة الديمقراطية، التي ستجري في كل أرجاء البلاد».
وبموازاة الحملة الانتخابية على الأرض، فإن مواقع التواصل الاجتماعي تشتعل بحملات مضادة ومسعورة، بين المرشحين وأحزابهم، التي تتفنن وتبتكر أساليب غير مشروعة للنيل من خصومها وشعبيتهم، واستقطاب مزيد من أصوات الناخبين، في مشهد يعكس حسب آراء كثير من المراقبين، انحسار الوعي السياسي وتدني مستوى الفهم لمعاني العملية الانتخابية، عند قطاع واسع من الناخبين، لا سيما في أوساط الجيل الصاعد.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».