عادت باريس لتهدد؛ من جهة، وتكشف؛ من جهة أخرى، عن خطط طموحة في سوريا مستندة إلى ما تعدّه أوساطها «نقطة انطلاق جديدة» ترتبت على الضربات العسكرية الثلاثية لمواقع «كيماوية» سورية. وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده مستمرة في العمل «من أجل حل سياسي يشمل الجميع في سوريا، من خلال التحدث إلى جميع الأطراف؛ روسيا وتركيا وإيران والنظام وجميع قوى المعارضة، من أجل بناء سوريا الغد وإصلاح هذا البلد».
وإذ قال ماكرون إن العمل العسكري الذي قامت به الدول الثلاث «حفاظا على شرف الأسرة الدولية»، هو مساهمة «متعددة الأطراف وفي شكل محدد الأهداف»، بدا أنه متيقن من أن تأثيراته تبقى محدودة وأن الضربات «لا تحل شيئا». من هنا، دعوته الشاملة للبحث عن حل سياسي ولتعزيز العمل الإنساني لصالح المدنيين السوريين.
من جهته، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إنه «يظهر جليا لبشار الأسد أنه لو حصل أن اجتاز هذا الخط الأحمر مرة جديدة، فإن الرد سيكون بالطبع مماثلا». وسبق للوزير الفرنسي أن نبه من أن تكون إدلب «الهدف المقبل» للنظام عسكريا وكيماويا؛ إذ قال: «حين تقطع فرنسا تعهدات، فهي تفي بها، وإذا لم يلتزم (النظام السوري) بتعهداته (حظر استخدام السلاح الكيماوي)، فسوف نضرب لفرض احترامها». لكن لودريان عاد للتذكير بأن بلاده «لم تعلن الحرب على سوريا» وهو ما كرره أول من أمس رئيس الحكومة إدوار فيليب أمام البرلمان في جلسة المناقشة الحامية التي شهدت تراشقا بين الحكومة والأكثرية من جهة والأحزاب المعارضة من جهة أخرى. واتهمت الأخيرة الرئيس ماكرون بالعمل خارج الشرعية الدولية وبعدم استشارة البرلمان والسير في الركب الأميركي.
تعد باريس أن الملف السياسي هو المحور الأهم. ويندرج في هذا السياق سعيها لتوفير توافق في مجلس الأمن الدولي حول مشروع قرار قدمته بدعم من واشنطن ولندن، ويتناول الجوانب السياسية والكيماوية والإنسانية للملف السوري. وقالت مصادر دبلوماسية رفيعة أمس إن باريس تريد «إجماعا» في المجلس وإن مشروع القرار «ينطلق من قرارات صوت عليها المجلس بالإجماع» وأهمها ثلاثة: «2118» و«2254» و«2401»، وهي تتناول تباعا: السلاح الكيماوي والحل السياسي ووقف النار والجوانب الإنسانية. ولأن هذا هو هدف فرنسا وحلفائها في نيويورك، فإن باريس تريد «إعطاء الوقت الكافي» للوصول إلى «أوسع تفاهم»، لكن من غير أن تتوفر لديها قناعة بأن الطرف الروسي «جاهز» لتغيير مواقفه. والجديد في مشروع القرار أنه يشير، فيما يخص الجانب الكيماوي، إلى الفصل السابع وإمكانية اللجوء إليه في حال عودة النظام إلى استخدام هذا السلاح.
يسعى الغربيون إلى إنشاء لجنة تحقيق مستقلة في استخدامات «الكيماوي» في سوريا تكون لها القدرة، من جهة، على التحقق من اللجوء إليه، ومن جهة تحديد الفاعل وهو ما لا تستطيعه بعثة معاهدة حظر استخدام السلاح الكيماوي الموجودة حاليا في سوريا. وتراهن باريس على وجود «تمايزات» بين دمشق وموسكو؛ لا بل إن مصادرها ترى في «فتور» رد الفعل الروسي على الضربات الثلاثية وقبلها في امتناعها جديا عن العمل على «منع» حدوثها، مؤشرا على توترات كامنة بين الحليفين. ولكأن رئيس النظام الأسد أراد «الانفلات» من الرقابة الروسية و«إرباكها» و«استعادة هامش من المناورة». لكن رغم هذه «الإرهاصات»، فلا شيء يسمح اليوم بتوقع تغير في الأداء الروسي الذي يعول عليه الغربيون منذ سنوات ولكنه حتى اليوم لم يأت. والخلاصة الفرنسية هي أن للجميع «مصلحة» في العمل معا بما في ذلك روسيا وإيران.
بموازاة مجلس الأمن، تعمل باريس على الإسراع بعقد اجتماع للمجموعة الخماسية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية والأردن) المسماة أيضا «المجموعة الضيقة» أو «النواة الصلبة» التي تريد ضم ألمانيا إليها. وبعد أن كان الرئيس ماكرون أعلن عن اجتماعها أمس في باريس، عادت المصادر الدبلوماسية لتفسر التأخير بانشغال لندن باجتماعات الكومنولث. ولذا، فإن الاجتماع سيحصل «في أقرب وقت ممكن». وقالت المصادر الدبلوماسية إن لهذه الدول «قاعدة توافق قوية لتصور الحل السياسي ونريد إعادة التأكيد على ذلك». ولا يغير انضمام ألمانيا من صورة الأزمة شيئا. إلا أن باريس ترى أن ضمها مفيد سياسيا وإنسانيا بسبب قوتها ودورها داخل الاتحاد الأوروبي، علما بأن برلين رفضت المشاركة في الضربات العسكرية، لكنها أعلنت تأييدها لها.
ثمة قناعة مفادها أنه من غير تمكن الغربيين من العمل مع مجموعة «آستانة»؛ (روسيا وتركيا وإيران)، فإن البحث عن حل سياسي في سوريا محض خيال. وترى باريس أنها «مؤهلة» لأن تكون «همزة الوصل» بين المجموعة الغربية. من هنا تشديد مصادرها الدبلوماسية على الحاجة للتواصل معها ومثابرة الرئيس ماكرون على التحاور مع الرئيسين رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين وتأكيده أن زيارته الموعودة لموسكو وسان بطرسبورغ «لم يلحقها أي تعديل» من الجانب الفرنسي.
رهان فرنسي على «توتر» بين موسكو ودمشق
رهان فرنسي على «توتر» بين موسكو ودمشق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة