ملك المغرب يدعو إلى اعتماد مقاربة تجمع بين المطلب الأمني والتنمية لمواجهة تحديات القارة الأفريقية

الملك محمد السادس (ماب)
الملك محمد السادس (ماب)
TT

ملك المغرب يدعو إلى اعتماد مقاربة تجمع بين المطلب الأمني والتنمية لمواجهة تحديات القارة الأفريقية

الملك محمد السادس (ماب)
الملك محمد السادس (ماب)

دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى انتهاج مقاربة شاملة ومتجانسة، لمواجهة التحديات التي تواجهها القارة الأفريقية، تكون قادرة على التوفيق بين المطلب الأمني وبين مطالب التنمية البشرية والحفاظ على الهوية الثقافية والعقائدية للدول.
وأوضح الملك محمد السادس، في رسالة وجهها مساء أول من أمس إلى القمة الفرنسية - الأفريقية حول السلم والأمن في باريس، تلاها عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة المغربية، أن مسؤولية بلورة سياسة الوقاية من النزاعات وتدبير الأزمات والحفاظ على الأمن وإعادة الإعمار، تبقى على عاتق الأفارقة بالدرجة الأولى، من خلال المنظمات الإقليمية، مشيرا إلى أن التحركات الإقصائية أبانت عن محدوديتها وغياب جدواها، ولم تأت إلا بنتائج عكسية.
وقال الملك محمد السادس إن طبيعة التحديات المعقدة والعابرة للحدود التي تواجه أفريقيا تتطلب تعاونا إقليميا قويا، ومساهمة فاعلة ومتناسبة من قبل الشركاء الدوليين.
ونوه الملك محمد السادس بالتدخل «الشجاع والحاسم» في مالي، الذي قامت به فرنسا والرئيس فرنسوا هولاند، وهو التدخل «الذي تعزز بالتزام كثير من البلدان الأفريقية وبلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في سبيل التصدي للتهديد الإرهابي الذي طال هذا البلد، إذ بفضل ذلك استرجعت مالي سيادتها على مجموع ترابها. ولا بد لهذه المقاربة أن تظل النموذج المتبع في جميع مراحل إعادة الإعمار التي تلي فترة النزاع».
وهذه الروح، هي ذاتها، يضيف الملك محمد السادس، هي التي سادت خلال انعقاد مؤتمر الرباط حول أمن الحدود في دول شمال أفريقيا والساحل والصحراء في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، والذي مكن من بلورة رؤية سياسية مشتركة وتبني خطة عمل تنفيذية.
وقال الملك محمد السادس إن تنامي عمليات القرصنة في خليج غينيا أصبح يشكل أيضا تهديدا ما فتئ يكبر، و«بات من الضروري لتحركنا في مواجهته أن يستلهم العبر مما يجري حاليا في منطقة القرن الأفريقي، وأن يعتمد على التوصيات ذات الصلة التي خرجت بها قمة ياوندي حول هذه الآفة».
وأضاف أن «مؤتمر الدول الأفريقية الواقعة على المحيط الأطلسي»، والذي يحتضن المغرب أمانته، يمكن أن يشكل إطارا للتعاون والتشاور من أجل تحديد استراتيجية مشتركة للحفاظ على سلامة الملاحة البحرية على طول الشريط الأطلسي الأفريقي، الذي تهدده القرصنة، والذي يعاني قبلها من العمليات المتزايدة لتهريب المخدرات انطلاقا من بلدان أميركا الجنوبية.
وبموازاة مع هذه التحركات في المجال الأمني، قال العاهل المغربي إنه «لابد من تعزيز التعاون في سبيل تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية البشرية المستدامة عبر القارة، بنفس العزم والالتزام.
فلا يمكن تحقيق السلم والاستقرار الدائمين من دون العمل على تحقيق تنمية بشرية عادلة وشاملة».
وأضاف: «إن معالجة موضوع الاستقرار من خلال منظور الاعتبارات العسكرية والأمنية من دون غيرها، لا يخلو من مخاطر جسيمة من حيث احتمال العود إلى حالة البدء».
وأشار الملك محمد السادس إلى أن بلاده جعلت القارة الأفريقية في صلب سياستها الخارجية، من خلال تنفيذ كثير من المشاريع الملموسة لفائدة عدد من بلدان القارة، واستفادت من هذه البرامج الملموسة الشرائح الأكثر فقرا، في مجالات أساسية كالتعليم والتكوين، والماء، والفلاحة والصيد البحري، والكهرباء والصحة.
وأوضح الملك محمد السادس أن «التصدي بفعالية للتمظهرات العنيفة للتطرف والظلامية في منطقة الساحل والصحراء يكتسي نفس الأهمية التي يكتسيها الرجوع إلى منابعها واجتثاث أسبابها المعنوية ومرجعياتها العقدية المزعومة»، مشيرا إلى أن «الحفاظ على السلم والاستقرار والأمن في المنطقة رهين بصيانة الهوية الثقافية والحوزة الدينية التي مكنت شعوبها من العيش بتناغم على مدى قرون كثيرة».
ونوه الملك محمد السادس بـ«التدخل الحاسم للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في مالي، كما نشجع اليوم تدخل المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا في جمهورية أفريقيا الوسطى، بارتباط مع فرنسا ومنظمة الأمم المتحدة».
وقال العاهل المغربي إن بلاده تسعى في نفس السياق إلى إحياء اتحاد المغرب العربي، وإعطاء توجه جديد لمجموعة دول الساحل والصحراء، علاوة على تطوير التعاون بين المجموعات الإقليمية، خصوصا مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والمجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا، مذكرا بالسياسية الجديدة للهجرة التي اعتمدها المغرب، والتي تراعي حقوق المهاجرين واللاجئين الأساسية.
وجدد الملك محمد السادس طرح مقترح بلاده لإقامة «ائتلاف أفريقي للهجرة والتنمية»، ينطلق من هذه المبادرة، ويشكل إطارا موحدا يبحث مخاطر الهجرة غير الشرعية، وفرص الهجرة القانونية والتنمية المشتركة التي لا بد من تحقيقها والتي تعكس المسؤولية المشتركة بين أوروبا وأفريقيا في هذا المجال.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».