إيران… الطريق إلى العسكرة

المرشد الإيراني علي خامنئي خلال لقاء سابق بقادة الحرس الثوري (موقع خامنئي)
المرشد الإيراني علي خامنئي خلال لقاء سابق بقادة الحرس الثوري (موقع خامنئي)
TT

إيران… الطريق إلى العسكرة

المرشد الإيراني علي خامنئي خلال لقاء سابق بقادة الحرس الثوري (موقع خامنئي)
المرشد الإيراني علي خامنئي خلال لقاء سابق بقادة الحرس الثوري (موقع خامنئي)

يتحول نقاش «الرئيس العسكري» في إيران إلى جدل أساسي في الأوساط السياسية الإيرانية. وكانت القضية حديث العديد من الصحف المهمة على مدى الأيام القليلة الماضية.
وربما الوضع الإيراني الراهن جعل قضية رئاسة شخص عسكري للحكومة يبدو أكثر أهمية ويتوقع أن يتسع كل يوم. ليست الأوضاع الاقتصادية في البلاد على وشك الانهيار فحسب، بل إن الثقافة والمجتمع والأسرة والأمن لم تُستثنَ من هذه القاعدة.
إيران على حافة انهيار شامل. على الأقل مثل هذا الانطباع يتوسع بشكل حاد على مستوى النخبة السياسية. وتمكن رؤية مثال واضح على ذلك في بيان حزب «حركة الحرية»؛ الحزب القديم والمعتدل.
حسين الله كرم، الذي فتح کلامه أبواب الجدل قبل أيام حول ضرورة صعود عسكري «استراتيجي» في منصب الرئيس الإيراني، ليس اسماً مجهولاً في البلاد. الرجل أسس حركة «أنصار حزب الله» في بداية التسعینات من القرن الماضي، عندما كان عائداً من حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق. كانت الحركة تقود جماعات الضغط في إيران في فترتين رئاسيتين لكلٍّ من علي أكبر هاشمي رفسنجاني والإصلاحي محمد خاتمي. کانت تعد حينذاك واحدة من أدوات ضغط المحافظين. بعد فترة غياب عاد كرم إلى الواجهة بداية الأسبوع الماضي بإطلاق تصريح أثار قلق كثيرين قائلاً: «إن الإيرانيين يعتقدون أن عليهم اختيار عسكري استراتيجي لرئاسة الحكومة، وإلا فلن تكون النتيجة سوى انهيار».
على الرغم من أن حسين الله كرم ليس شخصية معروفة في مجال السياسة الإيرانية التطبیقية، فإنه يعد عينة لما يدور من أفكار داخل أوساط المحافظين المتشددين المقربين من «الحرس الثوري»، إلى جانب أشخاص آخرين تتحول الجامعة الحرة (آزاد) الإيرانية شيئاً فشيئاً إلى معقل لهم بعدما تم تنصيب المرشد الإيراني علي خامنئي مستشاره في الشؤون الدولية علي أكبر ولايتي رئيساً للجامعة.
تُشكل ثنائية «الانهيار - العسكرة» أساس ما تقوله هذه الجماعة. من وجهة نظرهم، إيران اليوم على حافة الانهيار. لم يبقَ من طريق للهروب من هذا الانهيار إلا اللجوء إلى عسكري بإمكانه إبعاد البلاد عن شبح التفكك. ثنائية «الانهيار - العسكرة» ليست جديدة على البلاد، إنها تذكّر الإيرانيين بنموذج مثير للجدل له أنصاره ومعارضوه الشرسون في الوقت نفسه منذ ما یقارب قرناً. النموذج هو رضا شاه مؤسس النظام البهلوي في بداية القرن العشرين، والذي يعده كثيرون ديكتاتوراً. بسط رضا شاه قوته في فترة تذكر الكتب التاريخية أن إيران كانت فيها على حافة الانهيار. تماماً مثل الیوم، کما یقول أنصار الفكرة.
بالطبع، رئيس جمهورية بخلفية عسكرية لا ينحصر في نموذج رضا شاه بهلوي. روحاني الجالس اليوم على كرسي الرئاسة شغل منصب قائد الدفاع الجوي، وقائد مقرّ خاتم الأنبياء للدفاع في منتصف الثمانينات. لكن ما يقصده اليوم المحافظون، رئاسة عسكري محترف وليس شخصاً تم حقنه من خارج المؤسسة العسكرية إلى أضلاعها الداخلية.
إضافةً إلى ذلك، فإن ما تقصده وسائل إعلام «الحرس الثوري» من الرئيس العسكري ليس من بين قادة الجيش. فالجيش خارج اللعبة في إيران. القصد جنرالات «الحرس الثوري».
يتذكر الناشطون السياسيون تلقائياً شخصين هما محسن رضايي ومحمد باقر قاليباف، كلما امتدّ الحديث إلى هذا الموضوع. الاثنان من قادة الحرس الثوري في حرب الخليج الأولى. الاثنان من المحافظين. كلاهما دخل معركة الانتخابات الرئاسية وجرّب طعم الهزيمة في كل مرة؛ قالیباف مُني بالهزیمة 3 مرات، ومحسن رضايي تلقاها مرتین. ربما لأنهم لم يحظوا بمساندة المحافظين. من جانبه محسن رضايي في كل مرة ترشح للانتخابات، لم يكن مرشح المحافظين. ومحمد باقر قاليباف أقصاه المحافظون كل مرة في الدقيقة التسعين. الآن كل منهما لديه مهام غير عسكرية. رضايي أمين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام، وقاليباف عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام، بعدما كان عمدة طهران لـ12 عاماً.
على ما يبدو، فإن ذلك سبب في خروج هؤلاء من دائرة المرشحين. منظّرو المحافظين المقربون من «الحرس الثوري» عندما يتكلمون عن رئاسة عسكري يقصدون أن يكون عسكرياً في الوقت الحاضر. فضلاً عن ذلك، هم يعرفون أن الناس في الانتخابات لم يرغبوا إطلاقاً في مرشحين عسكريين. انتخابات الرئاسة أبانت بوضوح أن الإيرانيين لم يرحبوا بالجنرالات. رضايي وقاليباف وأمين عام مجلس الأمن القومي علي شمخاني انهزموا کلهم في الانتخابات الرئاسية.
ومن المثير للاهتمام، أنه بناءً على عدم ترحيب الرأي العام بالعسكريين حاول کلٌّ من رضايي وقاليباف تقديم نفسیهما كأشخاص غير عسكريين. والمثير أن روحاني خلال تنافسه مع قاليباف في الانتخابات الرئاسية، أخذ على منافسه خلفيته العسكرية واعتبرها نقطة ضعف، وبتأكيده الرتبة العسكرية لقاليباف حاول النيل من صورته الاجتماعية. مقطع هذا الهجوم تداوله الإيرانيون ملايين المرات في شبكات التواصل الاجتماعي وتسبب في انهيار سلة قاليباف الانتخابية. كأن خلفيته العسكرية أصبحت كعب أخيل لمحاولاته. وعليه، فإن المنظّرين المقربين من «الحرس الثوري» يدركون جيداً أن العسكري الذي من المقرر أن يدخل سباق الانتخابات الرئاسية يجب أن يكون رمزاً ويحظى بشعبية بين الناس. وفق المخطط الدعائي الذي تابعه «الحرس الثوري» في السنوات الأخيرة في تضخيم صورة بعض قادته، فإن قاسم سليماني يمتلك المواصفات المذكورة حسب ما یدّعون. قائد فيلق «القدس»، الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري» الذي یقوم المحافظون والمتشددون بعمل المستحيل لصناعة صورة البطل منه. قام التيار المحافظ بتعبئة السينما واللوحات الدعائية والتلفزيون والمهرجانات والصحف المحافظة والمواقع الإخبارية والتحليلية والجوامع لتحويله إلى شخصية كاريزمية وقيادي متمكن ومنقذ لإيران. في كلمة واحد «عسكري استراتيجي»؛ ألیس هذا ما یطالب به منظّرو المتشددین؟ ربما بناءً علی ذلك لا تأبى الحلقات الصانعة للقرار في الحرس الثوري والأوساط المتنفذة من ذكر اسمه كمرشح مطلوب للانتخابات الرئاسية.
«قدرات» قاسم سليماني من وجهة نظر هذه الدوائر تكمن في أنه «كان قادراً على إحداث تغيير عبر استخدام قوى غير إيرانية لكن مؤمنة بآيديولوجية إيران. يعني أنه أنفق أقل الموارد وجلب أكثر الأرباح لإيران. شخص استراتيجي استطاع أن يوحّد المؤمنين بالحضارة الإسلامية (وفق القراءة الإیرانية) من أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا ولبنان ويقودهم إلى هدف واحد». هذه العبارات لأمين عام «حزب الله إيران» حسن الله كرم ليست بسيطة يمكن التغاضي عنها بسهولة. یمکن للمرء أن يشم منها رائحة الهيمنة على المنطقة والتوسع الآيديولوجي الإيراني.
في وقت سابق، كانت قد أُثيرت قضية دخوله إلى الانتخابات، ولكنّ قاسم سلیماني رفض بشدة. وفي رسالة إلى المرشد الإيراني أطلق على نفسه اسم الجندي الأبدي للمرشد وللشعب. ومع ذلك فإن الأوضاع اليوم مختلفة وقد يزول إنكار سليماني لذاته بإشارة من خامنئي.
لكن القضية ليست بهذه البساطة، «الحرس الثوري» تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى تنّين من 7 رؤوس يبتلع إيران، تتنافس في داخله مجموعات مختلفة بمصالح متباينة. مجموعات ليس من الواضح أن تقبل جميعها قاسم سليماني.
إضافة إلى ذلك، فإن إثارة رئاسة جنرال قد يضر مشروع علي لاريجاني، رئيس البرلمان المتنفذ الذي يملك علاقات جيدة مع «الحرس الثوري» والذي شغل سابقاً منصب قائمقام هيئة الأركان في «الحرس الثوري»، وقائمقام غير عسكري لجهاز عسكري. يرنو لاريجاني اليوم إلى كرسي باستور (مقر الرئاسة)، ومن الممكن أن يذهب حلمه أدراج الرياح بسبب فكرة «الجنرال الرئيس».
خلال هذه الأيام، اتخذ الإصلاحيون موقفاً قاسياً ضد هذه الفكرة. مصطفي تاج زاده الذي كان مساعد وزير الداخلية في حكومة محمد خاتمي، ناشد عبر الشبكات الاجتماعي أي شخص يهمه أمر المجتمع المدني والحرية أن يقف بوجه تطلعات الحرس الثوري للهيمنة على السياسة. عطاء الله مهاجراني وزير الثقافة في زمن محمد خاتمي، أشار بدوره إلى تجربة باكستان والهند وبنغلاديش، لكي يقول في هذا الصدد إن رئاسة العسكريين كارثية. وفي إشارة إلى تحذير الخميني من تدخل العسكريين في السياسة، اعتبر عدد من أعضاء البرلمان الإصلاحيين مشروع رئاسة الجنرال على نقيض توصيات الخميني.
لكن الحقيقة هي أن الإصلاحيين خائفون. إنهم يعرفون جيداً أن جنرالات الحرس الثوري يدخلون المعركة من موقع القوة ولن يتراجعوا بسهولة. تاج زاده يشير إلى هذه القضية بوضوح معتبراً إياها نقطة تحول، إما يتراجع «الحرس الثوري» إلی المعسكرات وإما يواصل مسار رقعة نفوذه، وبعد فتح الاقتصاد واختطاف السياسة الخارجية يحاول الحصول على كرسي الرئاسة. وبطبيعة الحال أظهر «الحرس الثوري» أنه ليس أهلاً للتراجع. التجربة تثبت ذلك والظروف ترجّح حدوثه.
كلمة الرمز لكل المدافعين عن فكرة رئاسة العسكريين هي «الانهيار والتفكك». وفق منظور هؤلاء فإن الإيرانيين أمام خيار شبح تفكك إيران وانهيار كل شيء، وتحوُّل إيران إلى ليبيا أو سوريا من جانب. هم يخوّفون الناس من الموت حتى يقتنعوا بالحمّى، ينطق ما تشهده إيران هذه الأيام بذلك.
ولكن ربما القضية ليست قضية الانهيار؛ أو على الأقل هذه ليست القضية الرئيسية لجنرالات الحرس، وثمة قضية أهم منها بالنسبة إليهم:
المرشد الإيراني مريض، والكل يعلم أنه لن يكون على قيد الحياة لفترة طويلة. بموت المرشد الإيراني ونظراً إلى اتساع صلاحیاته، ستدخل إيران في أزمة التنافس علی من يخلفه وبإمكان هذه الأزمة أن تحرق اليابس والأخضر. إن الحرس الثوري الذي أظهر خلال هذه السنوات أنه يغزو إيران خندقاً على أثر خندق، يعدّ نفسه لهذه الأزمة، ومن الممكن تفسير مناقشة الرئيس العسكري في سياق استعداد ورغبة الحرس الثوري هذه.
وربما سيأتي شخص ما ليقول إن هذا النقاش هو واحد من عشرات النقاشات العابرة والمثيرة للجدل التي نشهدها في المجال السياسي الإيراني قبل أن تُهمَّش بعد فترة. تحديداً مثل نقاش تغيير النظام السياسي من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني (رئيس الوزراء)؛ النقاش الذي أثاره خامنئي لكنه همِّش في النهاية.



إسرائيل ترفض اتهامات إيران حول مسؤوليتها عن سقوط الأسد

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يمين) ووزير الدفاع يسرائيل كاتس (يسار) يزوران نقطة مراقبة في مرتفعات الجولان (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يمين) ووزير الدفاع يسرائيل كاتس (يسار) يزوران نقطة مراقبة في مرتفعات الجولان (د.ب.أ)
TT

إسرائيل ترفض اتهامات إيران حول مسؤوليتها عن سقوط الأسد

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يمين) ووزير الدفاع يسرائيل كاتس (يسار) يزوران نقطة مراقبة في مرتفعات الجولان (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يمين) ووزير الدفاع يسرائيل كاتس (يسار) يزوران نقطة مراقبة في مرتفعات الجولان (د.ب.أ)

أكد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، اليوم (الأربعاء)، رفض الدولة العبرية الاتهامات الإيرانية بوجود «مؤامرة أميركية - إسرائيلية مشتركة» للإطاحة بنظام الأسد في سوريا، متهماً إيران بمحاولة إقامة «جبهة شرقية» على الحدود مع الأردن، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال كاتس خلال جولة مع قادة عسكريين على الحدود الأردنية، إن المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، «اتهم اليوم إسرائيل بسقوط الأسد... على خامنئي أن يلوم نفسه» بدلاً من ذلك، ويكف عن تمويل المجموعات المسلحة «في سوريا ولبنان وغزة لبناء الأذرع التي يوجهها في محاولة لهزيمة دولة إسرائيل».

وأضاف وزير الدفاع: «جئت اليوم إلى هنا لأضمن أن إيران لن تنجح في بناء ذراع الأخطبوط التي تخطط لها، وتعمل على إنشائها هنا من أجل إقامة جبهة شرقية ضد دولة إسرائيل».

وأشار كاتس إلى أن إيران تقف وراء «محاولات تهريب الأسلحة وتمويل وتعزيز الإرهاب (في الضفة الغربية المحتلة) عبر الأردن».

وقال إنه أصدر تعليمات للجيش «بزيادة العمليات الهجومية ضد أي نشاط إرهابي» في الضفة الغربية و«تسريع بناء السياج على الحدود الإسرائيلية - الأردنية».

في خطابه الأول منذ سقوط نظام الأسد، الأحد، اتهم خامنئي الولايات المتحدة و«الكيان الصهيوني» بالتخطيط للإطاحة بالأسد.

وأوضح: «لا يجب أن يشكك أحد في أن ما حدث في سوريا هو نتاج مخطط أميركي صهيوني مشترك».

وكان للأسد دور استراتيجي في «محور المقاومة» الإيراني المناهض لإسرائيل.