يعبق قلب بيروت في هذه الفترة من السنة بروائح عطرة تفوح من معرض «سوق الأزهار والشتول اللبنانية» الذي تحتضنه للسنة الثالثة على التوالي. هذا الحدث الذي يحلّ عادة مع بداية فصل الرّبيع من كل عام، ينتظره اللبنانيون للاستفادة من أسعاره التي تشهد تخفيضات ملحوظة عن غيرها الموجودة عادة في محلات بيع الزهور بنسبة 30 في المائة. فعملية تزيين الحدائق وزرعها وتحويل الشرفات إلى حدائق معلقة، لا تزال تشغل شريحة من اللبنانيين الذين يرون في استحداث المساحات الخضراء حولهم متنفساً لا بدّ منه للانعتاق من الغزو الإسمنتي المنتشر هنا وهناك.
وفي «سوق الأزهار والشتول» الذي يمتدّ على جزء من شارع فخري بك في أسواق بيروت، سيسرح نظرك في مشهدية لا تشبه غيرها تتلون بزهور الربيع وشتول نيسان والورد الجوري. فكما الياسمين والفل والغاردينيا تجد في هذا المعرض شتولاً وزهوراً افتقدها اللبناني لفترة من الأسواق ك«تم السمكة» و«القرنفل البري» و«صعتر الزوباع» و«الجيربيرا» و«المردكوش» وغيرها. «هي عودة إلى الأصالة وإلى مواسم لبنانية بامتياز عرفناها في قرانا وبلداتنا عندما كنّا أطفالا وراحت تختفي مع الوقت بسبب عدم اهتمامنا بزراعتها». يقول أنطوني أحد المشاركين في هذه السوق خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط». أمّا رامز صقر (عارض آخر)، فيؤكد من ناحيته أنّ الهدف الأساسي من إقامة هذه السوق يكمن في تشجيع الإنتاج المحلي في ظل التنافس الحاد الذي يشهده من قبل أسواق مجاورة وأخرى أوروبية. «لدينا أفضل أنواع الزهور وأكثرها جودة ونتميز عن غيرنا من البلدان العربية في استهلاكنا للزهور بكميات كبيرة كوننا أصحاب تقليد في هذا المجال». يوضح صقر في سياق حديثه. وحسب إحصاءات أخيرة فإنّ لبنان ينتج سنويا 157 مليون وردة و730 ألف زهرة متنوعة و120 مليون شتلة مزهرة موسمية و17 مليون من نوع الشتول السنوية. وهو يأتي في مقدمة الشعوب العربية المستهلكة للورود بحيث لا تشهد أسواقه أي حالة ركود لا في مواسم الصيف ولا في أخرى من موسم الشتاء. ويستورد لبنان من إيطاليا وبلدان أوروبية أخرى شتولا بقيمة 600 مليون يورو في العام، مقابل 5 ملايين دولار تكلفة شتول تستورد من بلدان آسيوية تغطي حاجته في مواسم الشتاء.
«نتمنى أن يصبح لدينا سوق دائم للزهور والشتول لا يقفل أبوابه طيلة أيام السنة» يوضح إلياس كامل نقيب المزارعين في لبنان في حديثه لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «صحيح أن وزارة الزراعة تساندنا وتدعمنا في عملية تنظيم هذا النوع من المعارض في مختلف المناطق اللبنانية، إلا أنها لم تستطع حتى الساعة إيجاد قطعة أرض لنا نستخدمها لهذا الغرض طيلة أيام السنة». تشكّل أسواق الزهور حسب إلياس كامل، معلماً من معالم السياحة في بلدان أوروبية كثيرة ويتمنى أن يصاب لبنان بهذه العدوى، لأن المزارع اللبناني نشيط ولديه التجهيزات والقدرة اللازمتين لاستحداث سوق دائمة على أرضه.
ولأن للورود لغتها وإشاراتها، تشاهد في هذا المعرض زوارا يمضون ساعات طويلة وهم يتجولون في أرجائه ليستعلموا عن ميزات كل وردة ودلالاتها، وكذلك على كيفية التعامل معها لمد عمرها أطول فترة ممكنة. «عادة ما أشتري الشتول الموسمية لأنّها تولد مشهدية جميلة في الحديقة ننتظرها من عام لآخر»، تقول جانين إحدى زائرات السوق. أمّا الشاب نضال الذي خرج من هذا المعرض محملا بأكثر من 20 شتلة منوعة، فأشار إلى أن هذا النوع من الأسواق ينعكس إيجابا على المستهلك كونه يضع تحت نظره وتصرفه مجموعة لا يستهان بها من أنواع الورود والزهور التي قد لا يجدها في محلات بيع الزهور عادة. ويقول: «أخصص وقتا لزيارة هذه السوق وأستمتع في التحدث مع المزارعين المحترفين الموزعين على كل أقسامه وأرجائه، فهم يوفرون علي الوقت وكذلك شراء الشتول التي لا تتناسب وطبيعة حديقتي».
حاليا يبلغ سعر درزن الورد الجوري نحو 15 ألف ليرة، أي نحو 10 دولارات مقابل 25 ألف ليرة في موسم الشتاء. أمّا الشّتول الصغيرة التي تباع بالقطعة، فلا يتجاوز سعرها الألفي ليرة. وحدها شتلة «آلوي فيرا» (تعرف بنبتة الدواء) هي الأغلى كونها أكبر حجما وأكثر استعمالا لدى ربات المنزل (في التجميل وإزالة البقع وآثار الحروق عن البشرة) فيبلغ ثمنها نحو 10 آلاف ليرة. وتطول لائحة الورود التي في استطاعتك شراءها من سوق الأزهار والشتول اللبنانية، بحيث تحاكي بلغتها وألوانها الحب (ورد أحمر)، والغيرة (ورد أصفر)، والإخلاص (القرنفل الأبيض)، والأناقة (الياسمين)، والبراءة (المارغريت)، والشهرة (توليب)، وغيرها من الرموز التي تشير إليها الزهور حسب نوعها.
«سوق الأزهار والشتول اللبنانية» عينه على محطة دائمة وإنتاج أكبر
تعبق بيروت برائحة وروده حتى نهاية الشهر الحالي
«سوق الأزهار والشتول اللبنانية» عينه على محطة دائمة وإنتاج أكبر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة