أكد رئيس مجلس الوزراء الكويتي بالإنابة وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد أهمية البعد الاستراتيجي في العلاقات الكويتية البريطانية، خلال جلسة مباحثات رسمية أجراها أمس في الكويت مع وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ، تناولت العديد من الملفات المهمة والقضايا محل الاهتمام المشترك.وبحسب بيان رسمي صادر عن الخارجية الكويتية، فقد تطرقت المباحثات التي استكملت خلال غداء عمل إلى بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية الوثيقة بين البلدين، ومناقشة آخر التطورات والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية. ونقلت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية عن رئيس مجلس الوزراء الكويتي بالإنابة وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد قوله خلال المؤتمر الصحافي المشترك إن زيارة الوزير هيغ إلى الكويت تأتي بعد انتهاء الاجتماع الثالث لمجموعة التوجيه المشترك، والذي عقد في لندن الأسبوع الماضي، وتمت خلاله مناقشة مختلف مجالات التعاون، لا سيما الاستثمار والتجارة والتعليم والدفاع والهجرة والتأشيرات.
وأوضح الشيخ صباح الخالد أن اجتماعات لجنة التوجيه المشترك تعقد بصفة دورية كل ستة أشهر، وهي إحدى أهم ثمار الزيارة الأخيرة لأمير البلاد الشيخ صباح الأحمد إلى المملكة المتحدة العام الماضي. وأوضح الشيخ صباح الخالد أن زيارة هيغ تأتي استكمالا للقاءات والمشاورات المستمرة بين القيادتين والمسؤولين على المستويات كافة في البلدين، وبحث آخر التطورات الإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتنسيق المواقف تجاه القضايا الدولية. وعبر عن تطلع الكويت إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية ورفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى أربعة مليارات دولار، وهو الهدف الذي تم تحديده خلال زيارة أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد إلى المملكة المتحدة العام الماضي.
وقال الشيخ صباح الخالد إن زيارة أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد إلى المملكة المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي جسدت التواصل على أعلى المستويات لتعزيز العلاقات التاريخية والمميزة بين الكويت والمملكة المتحدة والتي تعود إلى منتصف القرن الـ18 «وأستذكر بكل التقدير والاحترام مواقف الحكومة البريطانية المشرفة من قضايا دولة الكويت وأمنها واستقرارها خصوصا الموقف التاريخي البارز أثناء الاحتلال وما أعقب تلك الفترة من التزام بريطاني بدعم قضايا الكويت في مجلس الأمن»، متمنيا مزيدا من التعاون وتعزيز العلاقات بين البلدين في مجال الاستثمارات الذي يعود تاريخه إلى عدة عقود مضت، مشيرا إلى احتفال البلدين في شهر يونيو (حزيران) الماضي بمرور 60 عاما على إنشاء مكتب الاستثمار الكويتي في بريطانيا الذي يدير أهم استثمارات الكويت في الخارج ويجد بيئة استثمارية مناسبة من الحكومة البريطانية.
وبين الخالد أن رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سوريا أحمد الجربا سيزور البلاد اليوم السبت، ومن المقرر أن يناقش مع المسؤولين الكويتيين المسار السياسي المتمثل في مؤتمر «جنيف 2» لوضع حل سياسي للأزمة السورية، والمسار الإنساني في مؤتمر «كويت 2» للدول المانحة لدعم الوضع الإنساني في سوريا.
وأضاف الخالد أن العالم كله يتابع الأوضاع في سوريا ويتألم لما آلت إليه الأمور هناك، مشيرا إلى أن اللقاء مع الجربا سيكون فرصة للتباحث في كل ما يتعلق بالقضية السورية ولمعرفة توجهات الائتلاف على الصعيدين السياسي والإنساني، لا سيما أن توقيت هذه الزيارة يأتي قبل 48 ساعة من انعقاد القمة الخليجية في الكويت التي تتضمن بنودها القضية السورية كإحدى أهم القضايا الإقليمية. وأشار الخالد إلى أن الدول الخليجية جار مباشر لإيران، وتولي اتفاقها الدولي حول الملف النووي أهمية كبيرة، كما أن الدول الخليجية جميعها رحبت بهذا الاتفاق المبدئي وتأمل أن يتم التوصل إلى اتفاق شامل ونهائي في هذه القضية.
ومن جانبه، جدد وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ التزام بلاده بأمن واستقرار دولة الكويت ودعم قضاياها ومشاغلها في مختلف المحافل الدولية. وتحدث عن التزام بلاده مع شركائها في الخليج باعتباره «قويا جدا، ولن يتغير أي شيء في هذا الالتزام، ونحن نعمل على توثيق التعاون في مجالات الأمن والعلاقات الخارجية، ولن يتراجع هذا التعاون، وبحثت خلال زيارتي للكويت الكثير من الموضوعات والعلاقات الواسعة بين حكومتينا وشعبينا والعلاقة القوية التي تربط بيننا».
ومن جانبه، ثمّن وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ كرم وتفاني الكويت في قيادة العالم لتأمين الدعم اللازم من أجل مواجهة الكارثة الإنسانية المتفاقمة في سوريا، متمنيا أن يحقق مؤتمر المانحين الثاني لدعم الوضع الإنساني في سوريا الذي تستضيفه الكويت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل نجاحا أكبر مما حققه المؤتمر الأول الذي استضافته الكويت يناير الماضي. وأعلن هيغ تعهد بريطانيا بتقديم خمسة ملايين جنيه إسترليني كمساعدات للشعب السوري داخل سوريا وفي البلدان المجاورة التي تستضيف اللاجئين، مبينا أن من بين الملفات التي تم التباحث حولها الدعم المشترك لمؤتمر «جنيف 2» والتقدم السياسي في سوريا من أجل تعبيد الطريق أمام حل سياسي يوقف سفك الدماء هناك. ورأى هيغ أن «الحل السلمي في سوريا يجب أن يتطلب مغادرة بشار الأسد، فمن المستحيل أن نتخيل بعد الكثير من الأرواح التي فقدناها والقمع بقاء الأسد في المشهد السياسي في سوريا في المستقبل، حيث دعا بيان مؤتمر (جنيف 1) إلى تشكيل حكومة انتقالية أو هيئة حكم انتقالية يتم التوصل إليها من خلال الاتفاق المتبادل، مما يعني أن جميع الأطراف عليها أن تتفق على شكل هذه الهيئة وتركيبتها، ومن الصعب بعد كل هذه الأحداث التي جرت في سوريا أن توافق المعارضة على مشاركة بشار الأسد في المرحلة الانتقالية لأن بقاء الأسد في السلطة يشكل عائقا أمام السلام».
وبين هيغ أن «بريطانيا وبلدانا غربية ممن أعرف مواقفها لا أظن أنها تدعم الأسد في موقعه، كما أن المملكة المتحدة تدعم وتقر بأن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ممثل للشعب السوري، وندعو المجموعات الأخرى في سوريا إلى دعم الائتلاف الوطني، ولا ندعم مجموعات أخرى لا سيما المتطرفة منها، ومن المستحيل حل النزاع السوري في ظل وجود الأسد في الرئاسة، فلا بريطانيا ولا أي بلد آخر يمكنه ضمان الحال عند مغادرته، ولكن يمكن القول إن الحل يتحقق برحيل الأسد، فلا يمكن لرئيس أن يبقى في منصبه بعد القتل والقمع الممارس من قبل نظامه، ولا مجال لتوحيد بلد تحت راية الأسد».
واعتبر هيغ الاتفاق بين دول مجموعة «5+1» وإيران بشأن ملفها النووي خطوة إيجابية شاركت فيها المملكة المتحدة، وتحول دون انتشار أسلحة نووية في العالم «ونأمل المتابعة في هذا الطريق وضمان التوصل إلى حل نهائي في هذا الشأن. كما أن المفاوضات بين مجموعة (5+1) وإيران لم تغط سوى الملف النووي، ولم تتطرق إلى موضوع آخر، واتفاقنا في هذا الخصوص لمدة ستة أشهر، وسنحاول في العام المقبل التفاوض على حل نهائي وشامل»، مشددا على أنه «سيتم اختبار مدى جهوزية إيران للوفاء بالتزاماتها في هذا الشأن، ونأمل حصول تغيرات أخرى في سياسة إيران الخارجية».
وأوضح الوزير هيغ أن «الاتفاق مع إيران حول مفاعل آراك تم وبشكل دقيق تحديد ما هو مطلوب من إيران تجاهه، وطلبنا منهم عدم نقل الوقود إلى هذا المفاعل وعدم اختبار المزيد من الوقود، إضافة إلى عدم تخزين المكونات في هذا المفاعل، وسيتم تشكيل لجنة من مجموعة (5+1) وإيران بهدف الحرص على تطبيق الاتفاق المذكور، وسيكون أمرا حيويا الوفاء بالالتزامات في هذا الاتفاق»، مشيرا إلى محاولة تحسين علاقة بلاده مع إيران بشكل تدريجي وحذر، وأنه تمت الموافقة على وجود مسؤول عن الشؤون السياسية غير مقيم في إيران. وأعرب هيغ عن حزنه لوفاة رئيس جنوب أفريقيا الأسبق نيلسون مانديلا قائلا «إنه كان من الشخصيات الكبرى التاريخية في عصرنا وفي كل أنحاء العالم، وقد أثرى إلهامه وأثره مجال حقوق الإنسان والعدالة، ونحن متأثرون ومتعاطفون مع أسرته الصغيرة والكبيرة».
وحول ملف التأشيرات البريطانية للمواطنين الكويتيين أعلن هيغ خلال المؤتمر الصحافي أن دولة الكويت ستكون جزءا من خطة التأشيرات الجديدة لبلاده التي ستسمح للكويتيين بتقديم طلباتهم للتأشيرة الإلكترونية قبل 24 ساعة من دخول بريطانيا مجانا. وذكر هيغ بأن بريطانيا ستطلق نظام تأشيرات إلكترونية جديدا في بلدان أخرى «وعند التأكد من عمل هذا النظام في تلك البلدان سنطبقه في وقت لاحق على المواطنين الكويتيين اعتبارا من العام المقبل».
وبدوره، ثمن رئيس مجلس الوزراء بالإنابة وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد تعاون الحكومة البريطانية في تسهيل حصول المواطنين الكويتيين على تأشيرة الدخول للمملكة المتحدة عن طريق النظام الإلكتروني، عادا تلك الخطوة ستمهد لإعفائهم من التأشيرات مستقبلا.
يذكر أن الخارجية الكويتية أعلنت في وقت سابق عن توصل دولة الكويت إلى اتفاق مع المملكة المتحدة خلال اجتماع للجنة التوجيه المشترك عقد في لندن الشهر الماضي، يقضي بانضمام الكويت إلى نظام التأشيرة الإلكترونية الذي يمهد للوصول إلى الإعفاء الشامل للمواطنين الكويتيين من التأشيرة مستقبلا. وسيتمكن المواطنون الكويتيون من الاستفادة من نظام التأشيرات الإلكترونية الجديد عبر الموقع الإلكتروني للسفارة البريطانية لدى البلاد دون المرور على مكاتب مخصصة لإصدار التأشيرات.
وشهدت الكويت الصيف الماضي حملة انتقادات شعبية بعد تأخر إصدار تأشيرات بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي لمواطنين واضطرارهم للوقوف في طوابير انتظار طويلة أمام مراكز إصدار التأشيرات منذ ساعات الصباح الأولى حتى منتصف النهار، في درجات حرارة مرتفعة تزامنت مع حلول شهر رمضان. كما انتشرت صور ومقاطع فيديو لطوابير الانتظار أدت إلى مطالبات بإلغاء تسهيلات إصدار التأشيرات التي تمنحها الكويت لمواطني دول الاتحاد الأوروبي والبريطانيين ومعاملتهم بالمثل، خاصة مع صدور قرار بإعفاء مواطني الإمارات العربية المتحدة من الحصول على تأشيرة دخول دول الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية الكويتية خلال الصيف الماضي لاستدعاء سفراء الدول التي شهدت سفاراتها ضغطا، ومنها بريطانيا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا، وبحث هذا الموضوع.