مدارس وجامعات دير الزور تنبض مجدداً بالحياة

«داعش» ألغى دراسة المواد العلمية خلال ثلاث سنوات من حكمه

طلبة من دير الزور في أروقة الجامعة في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
طلبة من دير الزور في أروقة الجامعة في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

مدارس وجامعات دير الزور تنبض مجدداً بالحياة

طلبة من دير الزور في أروقة الجامعة في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
طلبة من دير الزور في أروقة الجامعة في فبراير الماضي (أ.ف.ب)

بعدما حرمهم تنظيم داعش من مدارسهم وجامعاتهم في محافظة دير الزور، يعود طلاب سوريون متلهفين إلى الكتب والورق والحبر ومقاعد الدراسة.
وفي قرية الشميطية غرب دير الزور، يركض أطفال على ظهورهم حقائب الدراسة الملونة في باحة واسعة أمام مبنى رملي اللون، قبل أن يصعدوا إلى قاعات الدراسة للجلوس خلف المقاعد المتراصة. وفي إحدى غرف التدريس، يقول محمد الراغب بصوت خجول لوكالة الصحافة الفرنسية «عمري 13 عاماً، ولا أعرف القراءة ولا الكتابة، دخل الإرهابيون إلى مناطقنا ومنعونا من الدراسة». ويضيف الطفل الجالس على مقعد خشبي في شعبة الصف الخامس «يجب أن أكون الآن طالباً في الصف الثامن، لكن ذلك لم يكن ممكنا»، مضيفا: «بقيت سنتين أهرب منهم» خشية التجنيد.
داخل غرفة الصفّ ذات الجدران الصفراء، يجلس ثلاثة أطفال على مقعد يتسع أساساً لطفلين فقط. يتصفح أحدهم كتاباً، وتكتب طفلة أخرى الأرقام على دفترها الصغير.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2017. وإثر عملية عسكرية واسعة بدعم جوي روسي استعاد الجيش السوري كامل مدينة دير الزور والضفة الغربية لنهر الفرات الذي يقسم المحافظة إلى جزأين، فيما سيطرت فصائل كردية وعربية على الجزء الأكبر من الضفة الشرقية. ولا يزال تنظيم داعش محاصرا في منطقة محدودة قرب الحدود العراقية.
وخلال ثلاث سنوات من حكمهم، فرض مقاتلو التنظيم قواعد صارمة على السكان، وألغوا الدراسة وفق المنهج الحكومي، فمنع تعليم مواد الفيزياء والكيمياء واقتصرت مدارسه على تدريس الشريعة، وحصص الحساب على الرصاص والقنابل والسلاح. أما اليوم، فيردد التلاميذ خلف معلمتهم أحلام (39 عاماً) الأرقام من واحد إلى عشرة أمام لوح أخضر اللون رسمت عليه فاكهة ونجوم.
وعلى غرار الأطفال، حرمت أحلام وزملاء آخرون لها من التعليم خلال فترة سيطرة «داعش» على محافظة دير الزور، باستثناء أجزاء من المدينة، مركز المحافظة. وتقول المعلمة السمراء التي تضع حجاباً أزرق اللون: «انقطعت عن المدرسة خمس سنوات رغم أنهم أرادوا مني في التنظيم أن أعمل معهم، لكنني رفضت رفضاً قاطعاً».
فضلت أحلام البقاء في المنزل وتدريس أولادها فقط، وانتقلت إلى العمل مع زوجها في الزراعة لتأمين لقمة العيش.
وتضيف: «اعتقدت أنه لم يعد لأطفالنا أي مستقبل»، أما الآن تقول أحلام «الحمد لله، أن الأطفال يدرسون، ليتعلموا على الأقل القراءة والكتابة».
وحرمت سيطرة التنظيم المتشدد على محافظة دير الزور 200 ألف طالب من التعليم فضلاً عن خمسة آلاف مدرس من مزاولة مهنتهم، وفق إحصائيات مديرية التربية في محافظة دير الزور. وعاد الآلاف من الطلبة إلى مدارس أرياف دير الزور، بحسب المديرية بعد إعادة افتتاح عشرات المدارس.
وفي جامعة الفرات، عمدت إدارة الجامعة إلى تسوية أوضاع ستة آلاف من طلابها وطالباتها تمكنوا أخيراً من العودة إلى كلياتهم في الجزء الواقع تحت سيطرة القوات الحكومية في مدينة دير الزور.
حاولت منى الناصر (24 عاماً) مراراً الفرار من مدينة الميادين إلى مدينة دير الزور للالتحاق بجامعتها، إلا أن محاولتها كلها باءت بالفشل. تقول: «كنت في سنة التخرّج» حين سيطر التنظيم على المحافظة «لم يكن لدي سوى دراستي (...) سعيدة بعودتي اليوم، وأتمنى ألا تعود تلك الأيام».
وعادت أمينة (23 عاماً) إلى مقاعد جامعتها بعد فتح الطريق بين دير الزور ومدينة الرقة غرباً، معقل التنظيم في سوريا سابقاً. تقول الشابة التي ترتدي حجاباً أبيض اللون: «حوصرت في الرقة ثلاث سنوات ولم أتمكن من إكمال دراستي بعدما كنت في السنة الثانية»، مضيفة «كانت فترة صعبة جداً، حاولت الخروج من الرقة، ولم يحصل ذلك سوى بمعجزة».
عادت أمينة إلى مقاعد الدراسة طالبة في السنة الثانية، وتضيف بعدما انتهت من امتحان اللغة العربية «شعور العودة إلى الدوام جميل للغاية، لأن هذا ما يحدد المستقبل في نهاية الأمر».
وإلى جانب المدارس والجامعات، تعود الحياة تدريجياً إلى مدينة دير الزور وقراها مع إزالة الأنقاض ورفع السواتر الترابية وفتح الطرقات. وعاد الكثيرون لتفقد منازلهم في الجزء الذي كان يسيطر عليه التنظيم المتطرف، ومنهم من اختار البقاء حتى قبل وصول الخدمات الأساسية.
وبعد ساعات شاقة لتنظيف منزلهم المتضرر، تستريح عائلة أم بلال (46 عاماً) في منتصف أحد الشوارع، يشعلون الحطب للتدفئة ويطلون على أكوام الركام أمامهم والسيارات المحترقة.
وتقول أم بلال: «غادرت منزلي منذ سبع سنوات، وحوصرنا في دير الزور لثلاث سنوات»، ورغم ما لحق بمنزلها، تضيف «الجلوس وسط الدمار جميل لأنه منزلك وملكك، لا أحد يستطيع أن يطلب منك الذهاب».
وعلى غرار أم بلال، عاد معاوية طعمة الخمسيني الذي طغى الشيب على لحيته إلى منزله قبل أكثر من شهرين. ويعمل ليلاً ونهاراً على إصلاحه. ويقول: «أعود اليوم لترميمه، فهذا البيت الذي تربيت فيه كان لأهلي وأجدادي».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.