{التاجر السوري}... رصد تاريخ من تحدي السوريين لأوجاعهم

ديانا دارك في كتابها الثاني عن سوريا تقدم صورة حضارية بعيدة عن الحرب

المؤلفة في بيتها بدمشق   -   {التاجر السوري}-المؤلفة: ديانا دارك-الناشر: دار هيرست
المؤلفة في بيتها بدمشق - {التاجر السوري}-المؤلفة: ديانا دارك-الناشر: دار هيرست
TT

{التاجر السوري}... رصد تاريخ من تحدي السوريين لأوجاعهم

المؤلفة في بيتها بدمشق   -   {التاجر السوري}-المؤلفة: ديانا دارك-الناشر: دار هيرست
المؤلفة في بيتها بدمشق - {التاجر السوري}-المؤلفة: ديانا دارك-الناشر: دار هيرست

تبدو ديانا دارك، بعد كتابين عن سوريا، قد قدمت للقارئ بالإنجليزية أرضية جيدة عن بلد مختلف عن ذلك الذي يعج بالعنف، كما يراه منذ سبع سنوات، فتعيده إلى الأساس الثقافي الإنساني لهذا البلد الموغل في تاريخه الحضاري. وفي كتاب «التاجر السوري»، الصادر حديثاً في لندن، تتبع دارك قصة حياة رجل الأعمال محمد شمسي باشا، الذي تعرفت عليه في بريطانيا وزارته في سوريا، موثقة مسار حياته وأعماله منذ نشأته في مدينة حمص في عشرينات القرن الماضي، لتكتشف ويكتشف معها القارئ تحدى هذا التاجر لكل الصعوبات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي عايشها وهو المولود عام 1923، والعبقرية في تكييف نفسه مع المتغيرات التي واجهته، نموذجاً للإنسان السوري عموماً.
محمد شمسي باشا الذي ستتم الإشارة إليه في غالبية صفحات الكتاب باسم «أبو شاكر» هو رجل أعمال امتلك شركة «هيلد فيرنيشينغز» في المملكة المتحدة، المختصة بإنتاج أفضل الأقمشة، بعد إعلان إفلاسها في السبعينات، وهو نفسه القادم من عالم صناعة النسيج التي اشتهرت بها بلاده منذ قرون، ومن عالم التجارة الذي فرضه موقعها الاستراتيجي كتقاطع طرق للقوافل من كل أنحاء الدنيا، فكانت مركزاً للتبادل التجاري من خلال بيع وشراء السلع من تجار مروا هناك وحملوا مختلف السلع.
مرت على أبو شاكر ظروف خاصة وعامة نجح في تجاوزها، مثل وفاة أبيه وهو في سن مبكر، عندما كان عليه أن يتسلم محله في سوق حمص، بصفته الابن الوحيد بين أربع بنات، كذلك محاربة عمه له بعد طلاقه من ابنته. دوماً كانت تحميه سمعة أبيه بين التجار، وسمعته هو كشاب دؤوب لا يترك الديون تتراكم عليه، ولا يقصر في تسديدها لأصحابها. وفي إحدى المرات، ساعده تاجر غنم جار له في السوق نفسها، بأن أعطاه مبلغاً يسنده في مقاومة الإفلاس، دون أن يطلب وصلاً يثبت القرض.
وقد نجح أبو شاكر في بناء تجارته من جديد، غير أن المتغيرات التي هبت على البلد هي اللافتة في قدرة هذا التاجر السوري على التكّيف مع التحديات، من ذلك قرار التأميم الذي فرضه الرئيس جمال عبد الناصر فترة الوحدة المصرية السورية (1958 - 1961)، ثم استيلاء حزب البعث على الحكم في سوريا وفرض قوانين اقتصادية من وحي التوجه الاشتراكي للحزب.
وقد تسببت هذه المتغيرات في تفتيت الثروات الكبيرة، بالاستيلاء على الأراضي ومعامل النسيج الكبيرة وغيرها، وما رافق ذلك من ظهور طبقة جديدة من الأرياف تحديداً، مرفوقة بقوانين تحد من الحريات، وقيود تشمل الاستيراد والتصدير معاً. هنا، وجد أبو شاكر ضالته في بيروت التي يعرفها بوصفها مكاناً وسيطاً لتسلم بضائعه أو تصديرها عبر مينائها وطيرانها، لكنه قرر الآن أن ينتقل إليها، كما فعل مئات من أصحاب المال والأعمال السوريين الذين غادروا سوريا، بعد أن تمت محاصرتهم فيها من قبل قوانين الحكام الجدد.
وفي بيروت، شهد انطلاقته الأوسع إلى العالم، وبينها السعودية والخليج ودول آسيوية، غير أن ظرفاً آخر دفعه لمغادرة لبنان ونقل أعمالها منها، هو اندلاع الحرب الأهلية 1975، وكان عليه أن يبدأ في مكان آخر يزوره بوصفه تاجراً، فاختاره مقاماً له: بريطانيا، التي اشترى فيها شركة نسيج التصقت باسمه حتى مماته عام 2013، ليكمل المشوار أبناؤه من بعده.
أيضاً كانت عقلية التاجر أبو شاكر تدفعه للتعامل في سلع شتى، بالإضافة إلى التجارة في النسيج والأقمشة، عندما تضيق الدنيا في وجهه في تجارة معينة، وتنوع الأعمال مع تغير الظروف؛ إنه نموذج الإنسان السوري الذي لا تقف في وجهه أية معوقات، ولا تحد من الحركة التي تحمل معها عمار المجتمع.
تغوص ديانا دارك في الشريعة الإسلامية، وقوانين الزواج والحضانة والأوقاف، والعلاقات الاجتماعية السائدة في مدينة حمص حتى الستينات، وتاريخ سوريا على الأقل فترة الحكم العثماني التي استمرت أربعة قرون، ليكون كل ذلك أفضل خلفية لفهم تركيبة الشعب السوري الذي يبدو مشتتاً في أصقاع الأرض الآن.
وتبدو أهمية كتاب «التاجر السوري» في عدة نقاط: فالكاتبة البريطانية التي تحب سوريا، والتي اشترت لها بيتاً هناك، تتحدث عن رجل سوري انتقل للعيش والعمل في بريطانيا؛ إنهما في حالة تقاطع حضاري ثقافي، ولكل منهما رأي في حضارة الآخر، ما يستحق التوقف والاندماج فيه أيضاً.
وتنبش الكاتبة تاريخ مدينة حمص، وسط سوريا، وهي مدينة منسية في الاجتهاد التأليفي، خصوصاً الغربي، بسبب هيمنة مدينتي حلب ودمشق على اهتمام الرحالة والمستشرقين والباحثين عموماً. حمص في كتاب ديانا دارك تتضح باعتبارها مركزاً حضارياً ونموذجاً للتعايش بين أتباع الديانات المختلفة والأصول العرقية: سوق حمص القديمة شهدت تعاملات مستمرة بين تجار مسلمين ومسيحيين ويهود.
ومن اللافت أن بحث مؤلفة الكتاب قادها لنقطة مهمة في مسار المجتمع السوري، تمثلت في أن التناقض في المجتمع كان بين الريف والمدينة، بين مركز نشاط حضري وآخر بدائي، لا بين طوائف وأخرى. وهذا ينطبق على بقية الحواضر السورية. لقد شهدت سوريا مصاهرات بين كبرى العائلات من مختلف الطوائف، وامتد هذا الأمر إلى الجوار (مثل لبنان)، بالإضافة للتعامل التجاري الذي شكل منفعة مشتركة لكل الأطراف، وامتص التناقضات الإثنية والمذهبية. لقد لاحظت المؤلفة بنباهة عالية تأثير شخصية التاجر السوري على سمة التسامح بين مكونات الشعب السوري. كما ساهم موقع سوريا تاريخياً في أن تكون تقاطع طرق للتجارة البرية، ودرباً لجيوش تأتي من الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب. وطريقاً لقوافل الحج الآتية من آسيا وأوروبا باتجاه الحجاز. هذا الظرف الجغرافي الثقافي سمح بالتقارب مع الآخر والتعامل معه، ولوّن الشخصية السورية بالاعتدال والقدرة على تفهم واستيعاب المختلف عنها.
أبو شاكر شمسي باشا نموذج الإنسان السوري الذي يقوم من احتراقه في كل مرة تصيبه النيران؛ السمة التي تفسر استمرار بلاد اسمها سوريا طوال قرون، وخروجها من أتون الكوارث على مر الزمن، كل مرة بهيئة جديدة تتحدى الخراب وتصر على الاستمرارية.
- ديانا دارك... مرشدة للأماكن بتقدير إنساني
> أصدرت ديانا دارك 16 كتاباً عن الشرق الأدنى والأوسط، تحمل توجيهات للسائح البريطاني أو الناطق بالإنجليزية لاستكشاف المنطقة والاستمتاع بها. وفي تلك الكتب، عكست تقديرها الكبير للمنطقة وشعوبها وثقافتها وانشغالاتها، ويعد هذا الفهم نتاج ثلاثين عاماً من الوجود في تلك الأمكنة، والتعامل مع شعوبها.
لها كثير من المساهمات في كبرى الصحف البريطانية، بالإضافة إلى مؤسسات إعلامية مثل «بي بي سي».
كتابها «بيتي في دمشق»، 2014، تحكي من خلاله عشقها لدار البارودي في دمشق، التي كانت آيلة للسقوط فعرضت شراءها وترميمها، وباتت سكناً لها في العاصمة السورية، وكيف أنها تعرضت بعد 2011 إلى السلب، من قبل شخص من حزب البعث تآمر مع محاميها السابق لوضع يده على الدار، منتهزاً حالة الفوضى التي تمر بها البلاد، قبل أن تذهب إلى دمشق وتستعيد الدار مرة أخرى.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.