اعترض المحرر الفني لصحيفة «لو موند» على تسمية هذا الحدث المقام في «اللوفر» بأنه «معرض استعادي». إن الرسام أوجين دولاكروا (1798 ـ 1863) يقيم مع أمهات أعماله في هذا المتحف الأكبر في العالم، لكن لوحات من أعماله ذات الحجم الكبير غابت عن المعرض بسبب صعوبة نقلها. إنها تزين جدران مجلسي النواب والشيوخ وسقف كاتدرائية سان سولبيس في باريس. ولعل منظمي المعرض آثروا ألا يقلقوا سكينتها. فإذا مررنا مرور الكرام بهذا الاعتراض الوجيه، يمكن القول بأن محاولة تجميع دولاكروا في مكان معين هو استباق لوني للربيع بكل أطيافه ومهرجاناته البصرية والصوتية. كيف لا وعنوان المعرض: «السيمفونية الدرامية لدولاكروا»؟
يتنقل الزائر بين لوحات مختلفة الأحجام، من تلك التي سبق للكثيرين رؤيتها في الصور والأدلّة الفنية دون أن تتاح لهم الفرصة لمطالعتها رؤية العين، والهجس بظلها وضوئها، وتشمم زيتها المعتق. فهذا الفنان الذي كان من أبرز وجوه الرسم الاستشراقي، ترك أثره على العديد من الرسامين الذين جاءوا بعده بحيث يجوز وصفه بأنه كان مدرسة لتلاميذه ومريديه. فهو قد زار أفريقيا وأقام في بلدان المغرب العربي ورسم سلطان مراكش واقتحم خلوات النساء، على عادة الرحالة الأوروبيين الذين أججت مخيلاتهم أساطير الشرق والجمال الأسمر. أنجز الفنان ورفاقه الاستشراقيون لوحات ذات قيمة فنية تصويرية عالية دون أن تكون بريئة تماماً من نظرة المستعمر وثنائية السادة والجواري.
يتوقف الزوار أمام اللوحة الشهيرة «الحرية تقود الشعب» التي ترجمت إلى لغة الألوان ملحمة الثورة الفرنسية. وهناك أيضاً أعمال تكشف الاهتمام الذي كان الرسام يمنحه لاختيار عناوين لوحاته: «الكأس في بيت المجانين»، و«إناء زهر مقلوب في حديقة»، و«الضابط التركي القتيل في الجبال»، و«النمر الصغير يلعب مع أمه»، و«نساء الجزائر في مخادعهن»، وغيرها من 180 لوحة وتخطيطاً ومطبوعة تعكس الموهبة العظيمة لهذا الفنان الذي خضع لأهواء مجتمع حبسه في شكلياته، وأراد منه أن يرسم ما يروق للنخبة، وأن يكون أميناً لمحاكاة أطياف الواقع. كانت تلك هي الفترة التي تغير فيها أسلوبه فعكف على تصوير جماليات الطبيعة من أزهار وشجر وطيور، الأمر الذي يعتبره نقاد الفن استجابة لأذواق جامعي اللوحات ومقتنيها الذين انتشلوا الرسام من الإفلاس الذي تعرضت له عائلته.
في المعرض عشرات الأعمال التي تمت استعارتها من متاحف عالمية ومن مجموعات خاصة. ومنها عدد من اللوحات ذات الطابع الديني التي صور دولاكروا فيها المسيح على ضفاف بحيرة طبرية أو سائراً في درب الآلام. وهناك سلسلة من اللوحات صغيرة الحجم التي كانت بمثابة الإهداءات والقصائد التي يكتبها الشعراء لمحبوباتهم. وإلى جانب تصويره للنساء في تساليهن الصغيرة، يرى زائر المعرض الضخم أعمالاً برع فيها الفنان في تصوير القلق الإنساني. وهو قلق عايشه في فترات طويلة من وجوده واقترن بحرص خاص على أن يصبح الأكبر بين رسامي عصره، وألا يوصم بالفنان الملعون، وهي الصفة التي لحقت بعدد من شعراء وفناني عصره الذين تجرأوا وخرقوا جدران المحرمات. من هنا جاءت تسمية «السيمفونيات الدرامية» التي اختيرت لهذا المعرض الشامل.
180 لوحة تعزف سيمفونية دولاكروا في «اللوفر»
معرض استعادي يجسد إبداعات الفنان الفرنسي البارز
180 لوحة تعزف سيمفونية دولاكروا في «اللوفر»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة