تقدم الأسبوع المقبل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية للعالم مشروعين علميين من أبرز المشروعات البحثية بالمنطقة العربية في مجال الزراعة وعلوم الإنسان، الأول يتعلق بجينوم «نخيل التمر»، والثاني بموروث الجينوم البشري لـ«الفرد السعودي»، في خطوة علمية فريدة من نوعها في مجالات البحث العلمي المختلفة على المستويين المحلي والدولي، بحسب وصفها.
وتستهدف هذه الخطوة في البحث العلمي لهذين المشروعين، لإيجاد قاعدة بيانات موسعة وبنك معلومات وراثية شاملة تفيد في تطوير وتنمية واستكشاف وتفسير بعض الظواهر الحالية في المجال الزراعي وعلوم الإنسان في السعودية.
وحول أسرار، استشكشاف جينوم «النخلة» فيأتي ذلك لما تمثله السعودية كأكبر دولة منتجة للتمور في العالم، إذ يوجد فيها أكثر من 25 مليون نخلة منتجة للتمور بمختلف أنواعها، ويمثل إنتاجها 15 في المائة من مجموع الإنتاج العالمي، وهو من أفضل النباتات التي تجود زراعتها في الظروف الصحراوية السائدة في طبيعة المملكة.
وبحسب «العلوم والتقنية»، يعتمد كثير من المواطنين في مختلف أنحاء المملكة على ما ينتجه النخيل من تمور متنوعة تلبي حاجتهم من الغذاء، إلى جانب ما يوفره النخيل من اقتصادات كبيرة لمزارعي التمور الذين يجنون من بيعها ما يؤمن قوت حياتهم، إلا أن هذه الاقتصادات واجهتها تحديات بيئية كبيرة، أهمها عدم توفر معلومات دقيقة عن المستوى الجزيئي للنخلة، وتنامي انتشار خطر سوسة النخيل الحمراء.
لهذا السبب ترجع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية توجهها لتنفيذ مشروع موروث «جينوم» نخيل التمر عام 2008 بالتعاون مع الأكاديمية الصينية للعلوم ممثلة في معهد بكين للموروثيات، وجامعة الملك فيصل في الهفوف، لسبر أغوار خريطة الموروث لنخيل التمر للتعرف على خصائص ووظائف مورثات نخيل التمر بشكل علمي دقيق.
وعمل هذا المشروع الذي يرأس فريقه العلمي الدكتور إبراهيم بن صقر المسلم من جامعة الملك فيصل، والبروفسور جون يو من معهد بكين للموروثات، على تتبع وفك الشفرات الوراثية لموروث (تتالي الحمض النووي) في بعض الأصناف الرئيسة لنخيل التمر، وإعداد الخريطة الفيزيائية والوراثية لموروث (جينوم) نخيل التمر، فضلا عن إعداد أول بنك معلوماتي للنخيل وسوسة النخيل الحمراء.
وقال الدكتور إبراهيم المسلم في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية إن المشروع سعى إلى توفير المعلومات الأساسية لتغطية النقص المعلوماتي في مجال التنوع الوراثي للنخيل إضافة إلى اكتشاف وتعريف المورثات (الجينات) المحددة للصفات الوراثية للنخيل، وتطويع هذه النتائج لتحسين نوعية وكمية الثمار وانتخاب سلالات من النخيل مقاومة لكثير من الأمراض.
وأشار المسلم إلى أنه أجرى مع الفريق العلمي 12 بحثا علميا نشر معظمها في مجلات علمية محكمة ك«الطبيعة»، و«الأحياء النباتية الجزئية»، و«الأحياء الدقيقة البيئية»، توصلوا من خلالها إلى إمكانية التعرف على عدد من المورثات، مشيرا إلى مشروع بحث حصرت خلاله سبع مراحل من تطور ثمرة نخيل، بناء على الملاحظة الحقلية والدراسات الجزيئية التي أدت لتصنيف كثير من الموروثات (الجينات) والتعرف على وظائفها وفقا لتمايز تعبيرها الموروثي خلال مراحل التطور، والتعرف على عشرة موروثات أساسية في عملية انقسام الخلية وتكاثرها و18 موروثا مرتبطا بنضج الثمرة، وسبعة موروثات تنتج أنزيمات استقلاب النشء التي تلعب دورا مهما في تخزين النشا والسكر.
وفي ذلك السياق، أوضح الدكتور محمد بن رفدان الهجهوج، مدير مركز التميز البحثي في النخيل والتمور بجامعة الملك فيصل أن معرفة جينوم النخيل يفيد المزارعين في معرفة جنس النخلة من بداية نموها، حيث يستطيع المزارع أن يقوم بزراعة أصناف التمور التي تتناسب مع البيئة ورغبة المنتج وكذلك معرفة نوعية الجنس (ذكر أو أنثى) دون انتظارها خمسة أعوام بعد الزراعة حتى تزهر كما كان في الطرق الزراعية التقليدية المعروفة عند الآباء والأجداد إذا لم يتم التأكد من مصدرها.
وأفاد بأنه تجري حاليا عدة دراسات لمعرفة أصناف التمور عند زراعتها، وتحديد النوعيات التي يراد أن يزرعها المزارع بما تتوافق مع طبيعة الأرض الزراعية، مبينا أنه تم تحديد 3300 صنف من نخيل التمر في العالم منها 400 صنف في المملكة.
أما المشروع الثاني الذي ستطلقه مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، مساء الأحد المقبل، فهو مشروع «الموروث - (الجينوم)» البشري للفرد السعودي الذي يعنى بتحديد تتالي خريطة موروث المواطن السعودي، ومعرفة العلاقة بين بعض الأمراض المستوطنة والخطيرة في السعودية كالسمنة، والسكري، والسرطان على المستوى الجزيئي، إضافة إلى معرفة بعض أمراض الدماغ المنتشرة بين بعض المواطنين مثل التوحد، وألزهايمر، والفرط الحركي، والحد من انتشار هذه الأمراض من خلال توفير المعلومات الوراثية للأفراد (بنك المعلومات الوراثية) وتطوير الطب الشخصي.
ويعرف العلماء الجينوم بأنه المادة الوراثية التي يرثها الإنسان جيلا بعد جيل، ويحدد شكل الإنسان وبنيته الجسدية، كما يحدد كذلك كيف تعمل الخلايا منذ المرحلة الجنينية وحتى البلوغ والوفاة، في حين سيتمكن العلم الحديث من تقديم مختلف المعلومات التي تخص الإنسان من خلال فك شفرة الجين الخاص به، ليقدم خدمة للباحثين في مجال الهندسة الوراثية، والتكنولوجيا الحيوية، وتطبيقاتها في الطب، وعلوم البيئة، من أجل العمل على سلامة الإنسان.
وكان لمركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية بالشؤون الصحية في وزارة الحرس الوطني، تجربة حديثة كشف من خلالها مؤخرا عن تنفيذ مشروع «خريطة الجينوم الوراثية لعدد من المواطنين السعوديين» بغية التعرف على الصفات والظواهر الوراثية الخاصة بالمجتمع السعودي، وهي أول خارطة ترسم صفات وخصائص العرب الوراثية على مستوى العالمين العربي والإسلامي.
وأفاد الفريق البحثي المشرف على المشروع أن خرائط الجينوم التي تم الكشف عن تفاصيلها تختص بتسجيل دقيق لجميع المعلومات الوراثية في الإنسان المعروفة بـ(DNA)، مبينين أنه تم الإعلان في السنوات القليلة الماضية عن بعض خرائط الجينوم الشخصية لبعض الأعراق المختلفة في كل من الولايات المتحدة الأميركية والصين.
وأوضحوا أن المرحلة الأولى من المشروع انطلقت عام 2010 بعد أن عرضت خطط المشروع على لجنة الأخلاقيات الطبية في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، واللجنة العلمية في مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية، وشملت 48 مواطنا، ليتم التوصل إلى وجود أكثر من 1.7 مليون علامة فارقة تدعى (SNP) بين الأشخاص الذين تمت الدراسة عليهم، ستسهم في تفسير انتشار بعض الأمراض في المملكة والعالم العربي، مثل: داء السكري، والسمنة.
وأشار الفريق البحثي إلى أن المشروع بين تفاصيل نماذج التحورات والمتغيرات في الجينوم السعودي سواء كان ذلك على شكل زيادة أو نقصان في المحتوى الوراثي للأشخاص الذين تمت الدراسة عليهم، كما بين وجود علامات في خريطة الجينوم العربي تعود إلى أقدم القبائل التي عاشت خلال الفترة ما بين 170 - 150 ألف سنة قبل التاريخ، ويرمز لها (L0a) وسجلت هذه العلامات في السلسلة الوراثية للميتوكندوريا بالمركز الوطني الأميركي للمعلومات.
«العلوم والتقنية» تستكشف جينات «الإنسان» و«النخلة» في السعودية
تقدم الأسبوع المقبل مشروعين علميين يستهدفان تأسيس قاعدة بيانات وبنك معلومات وراثية
«العلوم والتقنية» تستكشف جينات «الإنسان» و«النخلة» في السعودية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة