تحولت الاتهامات بالفساد وسبل مكافحته إلى مادة سجال سياسي بين الكتل النيابية التي شرعت أمس بمناقشة موازنة المالية العامة للعام 2018. تمهيدا لإقرارها اليوم الخميس، رغم «الثغرات فيها»، في خطوة إصلاحية تحاول السلطات اللبنانية طمأنة المجتمع الدولي عبرها إلى الانتظام المالي في البلاد، قبل نحو أسبوع على انعقاد مؤتمر «سيدر» في باريس في 6 أبريل (نيسان) المقبل.
ولم يخف بعض الأطراف وجود خلل في الموازنة، ذلك أنها «أنجزت على عجل» قبل مؤتمر باريس. وتوقف رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط عند هذا الجانب قائلا: «يناقش المجلس النيابي موازنة فيها خلل بنيوي كونها مبنية أساسا على تضخم في المعاشات والعجز في الإيرادات»، مضيفاً: «لن أدعي خبرة في هذا المجال، لكن كم يفتقد اليوم المجلس إلى قامات اقتصادية ومالية شبيهة بالراحل نسيب لحود، كان دائما سباقا في أوج الفورة الإعمارية إلى مخاطر زيادة الدين العام».
وتصدرت التحذيرات من الانهيار المالي في البلاد، إلى جانب ملف الفساد عناوين المناقشات، وبات الأخير مادة للتجاذب بين القوى السياسية، ففي حين اعتبر عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب وائل أبو فاعور أنّ «تجربة وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد هي تجربة فاشلة وبائسة بكلّ المعايير وباتت عبئا على الحكومة اللبنانية، ومآلها حزين جداً»، رد وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني عبر حسابه على موقع «تويتر»، قائلاً: «في هذه المرحلة يغرق البلد في موضوع مكافحة الفساد وكأنه بدأ فجأة مع هذه الوزارة التي كان عليها حله وإلا ترسب في الامتحان! فماذا عن الخبرة السابقة في هذا الموضوع وعن مجالس الوزراء السابقة؟».
ووجهت مناقشات الموازنة داخل البرلمان، بوقفات احتجاجية خارجية، إذ نفذ القضاة اعتصاما واعتكافا، في محكمة التمييز في قصر العدل في بيروت، تزامنا مع انعقاد جلسات الهيئة العامة لمجلس النواب لمناقشة الموازنة العامة، فيما اعتصم قدامى القوى المسلحة في ساحة رياض الصلح احتجاجا على عدم نيل حقوقهم من سلسلة الرتب والرواتب. وقطعوا طريق الصيفي في اتجاه السوديكو، قبل أن يعاد فتحها لاحقاً.
ورد وزير المال علي حسن خليل في تغريدة عبر حسابه على «تويتر» قائلا: «التزمنا في الموازنة الحفاظ على كامل حقوق المتقاعدين، ولا مس فيما هو معتمد في تعويضات العسكريين ومخصصاتهم».
وانطلقت جلسات مناقشة الموازنة التي تستمر يومين، بغية إقرارها، في الجلسة العامة لمجلس النواب، واستهلت بتلاوة رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب إبراهيم كنعان لتقرير اللجنة، وتضمن 15 توصية إصلاحية وتعليق وتعديل مواد وإلغاء أخرى. وتضمن مشروع قانون الموازنة خمسة وخمسين مادة موزعة على أربعة فصول. وأشار كنعان إلى عدم مراعاة مشروع الموازنة لمبدأ الشمول المكرس دستورياً بنص المادة 83 من الدستور، وقانونياً بنص المادة الثانية والمادة الحادية والخمسين من قانون المحاسبة العمومية، مشيراً إلى أن «لا القروض أدخلت في الموازنة، ولا نفقات الهيئات والمؤسسات والمجالس التي تعمل لصالح الدولة أدخلت أيضاً».
وتحدث بعض النواب عن ثغرات في المشروع، قد يعرضه للطعن، إذ اعتبر النائب عباس هاشم «أن الموازنة تتضمن الكثير من البنود التي ستعرضها للطعن، وأولها مخالفة مبدأ شمولية الموازنة». كذلك، قال رئيس لجنة الاتصالات والإعلام في البرلمان النائب حسن فضل الله أن «الموازنة تبحث تحت ضغط الوقت وهي (سلق بسلق) وهناك خلل فاضح في الحسابات والقيود». وأضاف: «موازنة 2018 هي موازنة مستعجلة بسبب مؤتمر باريس والحكومة (نيمت) الموازنة شهرين ونصف الشهر». وأضاف: «نريد أن نعرف كيف تم صرف الأموال وهذا يتطلب أن نقوم كنواب بدورنا ونحن ننتظر تقرير وزارة المال».
وفي السياق، أكد النائب أنطوان زهرا أن «المجالس النيابية تواكب السلطة التنفيذية بالرقابة والتشريع. نحن فعليا دولة مفلسة، لا يكشف وضعنا المادي الفعلي لأن توجسنا من النزوح السوري تحول إلى نعمة لنا بالتمسك بلبنان ومساعدته». وقال: «نحن في صدد مناقشة الموازنة من أجل الاستدانة، أقرينا قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص بعد 80 مليار دولار دين، هناك 39 قانونا غير مطبقين، كم قانونا إصلاحيا منه من أجل اقتصاد الدولة؟ كيف سنقنع الناس بالدولة وما زلنا نجري موازنة استدانة؟».
وكان رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة أكد أن «الكهرباء مسؤولة عن 42 في المائة من الدين العام»، معتبرا أنه «عندما تصبح الدول مجبرة على الإصلاح فإنه يصبح أشد إيلاما لكثير من المواطنين».
من جانبه، رأى النائب علي فياض «أننا في زاوية ضيقة تضيق معها الخيارات، والاستمرار في الحالة التي نحن عليها هو انهيار حتمي». ولفت إلى أن «لبنان مصنف من الدول ذات الدخل المنخفض في بعض الدراسات. واعتبر أن القدرة على الاقتصاد يجب أن تكون 34 في المائة، والحقيقة هي 14 في المائة، وهذا يعني أن لبنان يقوم بنصف جهده في جباية الضرائب». وأشار فياض إلى أن «خسائر الخزينة من التهرب الضريبي تقدر بـ6300 مليار ليرة».
كذلك، طالب النائب نواف الموسوي بإعادة النظر في موازنة العام 2018، وقال: «يجب أن تعلن السلطات كافة حالة الطوارئ الاقتصادية».
واستكمل البحث في الموازنة العامة في جلسة ثانية عقدت مساء أمس، على أن تعقد جلسة أخرى صباح اليوم الخميس، فيما يقر البرلمان الموازنة في الجلسة المسائية اليوم.
البرلمان اللبناني يناقش موازنة تتضمن «خللاً بنيوياً» تمهيداً لإقرارها اليوم
سجال حول الاتهامات بالفساد... وتحذيرات من التدهور المالي
البرلمان اللبناني يناقش موازنة تتضمن «خللاً بنيوياً» تمهيداً لإقرارها اليوم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة