تبريرات حكومية للأزمات في السودان تثير السخرية على الإنترنت

حيوانات وحشرات تقاتل مع الحكومة وأخرى تخرب خططها

TT

تبريرات حكومية للأزمات في السودان تثير السخرية على الإنترنت

تسربت الحيوانات و«الحشرات» إلى السياسة السودانية بحكاية منسوبة للكاتب الصحافي إسحاق أحمد فضل الله، بأن «غزالة» جاءت الكاتب أيام الحرب مع جنوب السودان، قائلة: «اذبحني فالمجاهدون جائعون»، ومثلها حكاية القرود التي كانت تفجر الألغام أمام زحف المجاهدين، وحكاية الفئران التي أكلت الجسر المسلح، والدجاجة التي نفقت ففشل انقلاب عسكري، و«ضب سنار» الذي قطع الكهرباء فأظلمت البلاد.
ورغم أن الكاتب نفى الحكاية وربما الحكايات في وقت لاحق، لكنها أصبحت ماركة مسجلة باسمه، وعنواناً لتلك المرحلة من تاريخ «الصراع» السياسي المتدثر بـ«اللحى»، وبشارات دخول الجنة التي توزع على قتلى العمليات العسكرية، وأعراس الشهداء التي يقيمها الإسلاميون بزعامة حسن الترابي، الذين كانوا يعقدون فيها زيجات بين «الشهداء» من قتلى الحرب مع التمرد الجنوبي و«بنات الحور» في الجنان.
منذ ذلك التاريخ لم يتوقف دور «الحيوانات والحشرات» في السياسة السودانية، وصار للحيوانات و«الشيوخ» دور بارز في الواقع الاجتماعي بالبلاد، فهي تفعل «الأفاعيل»؛ تارة تناصر الحكومة، وتارة أخرى تعاديها وتخرب طريقها وطريقتها، بل وتمارس «الفساد» وتبرر لـ«المفسدين» فسادهم.
في اليومين الماضيين، انشغلت منصات التواصل الاجتماعي بحكاية طريفة، نقلتها صحيفة «الصيحة» المملوكة لأحد أقارب الرئيس عمر البشير، وهو يشغل في الوقت ذاته منصب رئيس لجنة الإعلام في البرلمان، بأن «نمل السكر» قضى على 450 جوال سكر (22.5 طن) بمنطقة «الدندر» جنوب شرقي البلاد، وذلك تفسيراً لاختفاء هذا الكمية من السلعة الاستراتيجية.
وأثارت الحكاية الخيال الجمعي، فانهمك في سخرية مريرة على الواقع السحري الذي تعيشه البلاد، وعادت للأذهان «تبريرات» مسؤولين حكوميين لأخطاء سياسية وتقنية وقعت فيها المؤسسات التابعة لهم، أو لإخفاء فساد مسؤولين، أو تبريراً لفشلهم. فامتلأت منصات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك»، و«واتساب»، فامتلأت بانتقادات لاذعة، تسخر من مثل التبريرات «الفطيرة» التي درج مسؤولون على تقديمها، فسخرت الصحافية راقية حسان في صفحتها على «فيسبوك» قائلة: «هذا لا يحدث إلاّ في السودان، الفئران تأكل الكباري، القطط السمان أكلت النقود في البنوك، النمل يأكل 22.5 طن من السكر، ونحن نتفرج ونعيط»، ثم أضافت: «الخوف بكرة يبيدونا بمبيد ويقولوا أكلتنا الصراصير».
أما الكاتب والقاص صديق الحلو، فقد نشر في صفحته تغريدة: «النمل شال السكر»، لتنهال التعليقات الساخرة على الصحيفة، يقول أحد المعلقين: «أنا شفت نملة في القضارف شايلة حبة»، وتعليقات ساخرة ومتهكمة كثيرة، بيد أن الناشط في مواقع التواصل الاجتماعي، يوسف الحسن، شكك هو الآخر بسخرية لافتة في تحميل الفئران مسؤولية اختفاء أطنان السكر، وقال: «أرسلنا نملة من الدندر للمعمل، وبعد الفحص طلعت دايبتك، (مصابة بالسكري)».
الحلو وحسان والحسن ليس وحدهم، بل عشرات التغريدات الساخرة واللاعنة تناولتها تلك الوسائط، أعادت إلى الأذهان حكايات حيوانات «متآمرة» أخرى، وأشهرها «ضب سنار»، فقد نسب إلى مسؤول حكومي، قوله إن «ضبّاً كبيراً» تسبب في قطع الكهرباء، ما أدى إلى «إظلام كامل» في كل أنحاء البلاد، وقيل وقتها: «الضّب دخل في واحدة من محطات الضغط العالي قرب خزان سنار، وعطل الشبكة».
ليست الضببة وحدها من تفعل هذه الأفاعيل المضحكة، بل إن الفئران السودانية الخارقة من نوع «جقر»، تجرأت على أكل «الخرسانة والحديد المسلح» في وسط الخرطوم، ما أدى لانهيار جزئي في جسر يربط بين وسط الخرطوم وشرقها، وذلك بعد سنين قليلة من تشييده، وتناقل الناس أن مسؤولاً حكومياً أرجع انهيار الجسر إلى قوة الفيضان وتخريب الفئران.
ورسم الكاتب الساخر، الفاتح جبرا، حوارية بينه وبين فأر «جقر» صغير عثر عليه في المنطقة المنهارة، لتحكي عن فئران الجسر الغريبة، فنسب إلى صغير الفأر أن قبيلته من «الجقور» اعتكفوا في جحورهم خوفاً من قطط تنوي الحكومة استيرادها من الصين لمحاربة الفئران للحفاظ على جسور البلاد، وأن أحد كبار «الجقور» وصفت له الأجزاء المسلحة من الجسر بـ«البسكويت»، واعترف بأنه وقبيلته أكلوا الأماكن القابلة للأكل في الجسر، كناية عن «هشاشة» مواد التشييد التي استخدمت في بناء الجسر.
أما حكاية «الدجاجة» التي نفقت، وأدى نفوقها إلى فشل انقلاب العميد محمد إبراهيم (ود إبراهيم) ضد الرئيس البشير، فـ«ميلودراما» سودانية الصنعة وحسنتها. فقد نقلت صحيفة «الصيحة» أن شيخاً متشعوذاً طلب إحضار دجاجة كشرط لإنجاح الانقلاب، لكن الدجاجة نفقت داخل صندوق سيارة أحد الضباط قبل وصولها إليه، ففشل الانقلاب. وحين استجوب الشيخ من قبل السلطات الرسمية عن سبب إخفائه الأمر ولم يبلغ السلطات بذلك، ذكر أنه «رأى في المنام فشل الانقلاب، لذلك آثر عدم التبليغ».
أما فنانو الكاريكاتير والرسم الهزلي الساخر، فلم يتجاهلوا ظاهرة استغلال الحيوانات والحشرات في السياسة، فقد فاضت منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الصحافية على الإنترنت، برسوماتهم الضاحكة وتعليقاتهم الذكية الناقدة لتلك «الواقعية السحرية» التي فشت في البلاد على ألسنة المسؤولين الحكوميين، وضاف لها الخيال الشعبي بهاراً وملحاً لتصبح فاكهة في مجالس الأنس السودانية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».