رغم أنها أنشئت لصون الأمن والسلم والدوليين وفقاً لما ينص عليه ميثاقها، يكاد المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك يكون متحفاً ومعرضاً. بعيداً عن هموم البحث عن وسائل وقف الحروب والنزاعات، أتته من بلاد العرب تحف ومقتنيات ساحرة تتآلف مع قيم الميثاق والشرعية الدولية، فضلاً عن أنها لا تقدر بثمن. تتزين القاعة الرئيسية للجمعية العامة بكسوة باب الكعبة المكرمة وما فيها من بيان القرآن الكريم، بينما يزدان الممر إلى مجلس الأمن بمسلّة شريعة حمورابي، وتحاكي الروائع العربية كل عين.
وعلى غرار العضوية في المنظمة الدولية، تضاعفت المجموعة الفنية الدولية نحو ثلاث مرات خلال ما يزيد على العقود الثلاثة الماضية، من 51 دولة في 1946 -عام تقرر بناء المقر الرئيسي في نيويورك- إلى 193 دولة حالياً. تتساوى الأعمال الفنية والهدايا مع هذا العدد تقريباً، أو تزيد عليه بقليل. غير أن نصف الدول العربية الـ22 لا يزال غائباً عن هذه اللائحة، علماً بأن بعض الدول العربية قدم أكثر من هدية أو عمل فني.
السعودية: كسوة الكعبة
بخيوط من الذهب والفضة على الحرير الأسود الخالص حيكت آيات القرآن على كسوة الكعبة. وتبلغ مقاييس الستارة التي كانت معلقة أصلاً على باب الكعبة المقدسة في مكة المكرمة 3 أمتار و20 سنتيمتراً في العرض و6 أمتار و20 سنتيمتراً في الطول. ويتضمن التطريز آيات قرآنية. ومثل الكسوة التي قدمتها السعودية إلى الأمم المتحدة في 18 يناير (كانون الثاني) 1983، تغطي الستائر باب الكعبة المقدسة منذ قرون عديدة، ويجري تغييرها بشكل دوري. وهي مصنوعة يدوياً بواسطة حرفيين سعوديين محترفين في ورشة عمل خاصة في المدينة المكرمة. وكانت هذه الكسوة تغطي الجزء الشرقي من الكعبة الذي يشمل كسوة باب الكعبة المذهب وبعضاً من المخطوطات للآيات القرآنية. وفي إطار عملية الترميم الشاملة التي أجريت على المقر الرئيسي للأمم المتحدة عام 2014، أزيحت كسوة ستار باب الكعبة وأرسلت إلى معمل الكسوة في مكة لتجديدها. وبالفعل أُعيدت خلال عام 2015 إلى صورتها الأصلية كما كانت في الردهة الإندونيسية في مبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة. واحتفى بعودتها إلى نيويورك حشدٌ كبير من الدبلوماسيين والشخصيات، يتقدمهم الأمين العام عامذاك بان كي - مون مع المندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله بن يحيى المعلمي، الذي اغتنم الفرصة للتحدث عن المراحل التاريخية للكسوة، مروراً بإقامة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مقراً لها، ثم تعاقب أبناؤه الملوك على العناية بها.
المغرب: لوحة فسيفساء
قدمت المملكة المغربية للأمم المتحدة عام 1963 لوحة فسيفساء كانت قد أُنجزت بالأسلوب الأندلسي في القرن الثاني عشر على يدي أحد الفنانين في فاس. وتتضمن اللوحة ثلاثة نقوش، واحد على الإطار الخشبي وهو الآية «13» من سورة الحجرات من القرآن الكريم التي تقول: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ». وأُدخل عليها حديثاً جزء أخضر حفرت عليه ديباجة ميثاق الأمم المتحدة باللغة العربية، وكذلك أضيفت دائرة حمراء نُقشت داخلها عبارة: «ميثاق الأمم المتحدة» باللغة العربية.
العراق: شريعة حمورابي
في مكان غير بعيد داخل المبنى، تقف هديّة من العراق في سبتمبر (أيلول) 1977، وهي نسخة طبق الأصل من مسلة شريعة حمورابي (الأصلية مؤرخة في 1750 قبل الميلاد، وهي محفوظة في متحف اللوفر، بباريس، واكتُشفت عام 1902)، علماً بأن الملك البابلي عاش بين عامي 1792 و1750 قبل الميلاد. وتشكل شريعة حمورابي أقدم القوانين المكتوبة. وتُترجم إحداها بعبارة «لنشر العدل في البلد، وتدمير الأوغاد والأشرار. ولا يجوز أن يقهر القوي الضعيف».
وتعد شريعة حمورابي «النموذج الأمثل للوسائل القانونية التي ابتدعتها البشرية في تاريخها الطويل»، وفقاً للتعبير الذي استخدمه وزير الخارجية العراقي السابق هوشيار زيباري، الذي أضاف أن القوانين التي جاءت من وادي الرافدين وُضعت من أجل «حماية كل طبقات المجتمع البابلي بمن فيهم النساء والعبيد واستهدفت حماية الضعفاء من الأقوياء والفقراء من الأغنياء».
وتكمن أهميتها في كونها مكتوبة ومعلنة للشعب ليفهم القوانين التي تنظم حياته، عكس العديد من الشرائع الأخرى في الحضارات الأخرى التي لم تكن مكتوبة، وكانت عرضة للتأويل.
مصر: الإله أوزيريس
قدمت مصر إلى الأمم المتحدة عام 1976 تمثالاً لأوزيريس (47 سنتيمتراً)، أكثر الآلهة شعبية في إحدى أقدم الحضارات البشرية. يظهر هذا التمثال البرونزي المطلي بالذهب، الذي يعود تاريخه التقديري إلى عام 700 قبل الميلاد، وهو يحمل شعارات الحكم في كلتا يديه ويضع التاج. ويروى أن أوزيريس كان إلهاً «نشر السلام والتحضر في العالم... وحفظه من الهمجية، بالإقناع والموسيقى، بدلاً من وسائل القوة والعنف». وذهب البعض إلى اعتبار أوزيريس «واحداً من أوائل الطلائع الفلسفية للأمم المتحدة، لأننا نسعى إلى عالم خالٍ من العنف، عالم متحضر تسوده العدالة».
فهو إله البعث والحساب ورئيس محكمة الموتى عند المصريين القدامى، ومن آلهة التاسوع المقدس الرئيسي في الديانة القديمة، طبقاً للأسطورة المصرية. وكان لأوزيريس أخ شرير اسمه سيت وقتله عبر إلقائه في نهر النيل.
السودان: وعاء أسود
بحلول عام 2000، قدم السودان إلى الأمم المتحدة وعاءً أسود مزداناً بخطوط منقوشة ونقاط. ونُقش عليه أيضاً شعار تجريدي، يتحدث بتعبير فني يعود إلى العصر المروي (300 قبل الميلاد - 350 بعد الميلاد) عن الفن السوداني وعناصر غير مصورة. وفي الفترة المروية تحررت الثقافة النوبية من التقيد الصارم بالمعايير المصرية وطورت العديد من السمات الأصلية. ويعد موقع مروي حالياً أكبر موقع أثري في السودان.
سوريا: الإلهة عشتار
أما هدية سوريا إلى المنظمة الدولية، فهي نسخة طبق الأصل من تمثال عشتار الذي يعود تاريخه إلى 1800 عام. وهو يصور الإلهة البابلية والآشورية عشتار (النسخة الأصلية من القرن الأول أو الثاني الميلادي) مع مرافقة وحمامة. واكتُشف التمثال الأصلي في تدمر ويوجد حالياً في المتحف الوطني بدمشق. وتُعرف عشتار في المناطق المحيطة بنهري دجلة والفرات التي تشمل حالياً العراق وسوريا والأردن وفلسطين.
تونس: فسيفساء الفصول الأربعة
تصور اللوحة الفسيفسائية التي قدمتها تونس عام 1961، في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، دورة السنة. وأُنجزت الفسيفساء في القرن الثالث ميلادي، واكتُشفت في شتاء 1939 - 1940 في حيدرى بتونس. وهي في الأصل أرضية مربعة، أما الآن فهي تُعرض كلوحة جدارية.
وتعكس الفسيفساء تجلي الممارسة الرومانية في طبيعة منح الصفات الإنسانية في اللوحة الجدارية بكاملها. فالمراهق العاري في المركز يقف في دائرة البروج حاملاً حزمة من القمح في يده اليمنى، ويمثل روح السنة. وتُمثَّل الفصول الأربعة في الزوايا الأربع من لوحة الفسيفساء: كيوبيد ذو جناحين يمثل الربيع، ويقف الصيف في حقل قمح مع طائر الدراج، وتمثل الكرمة مع مالك الحزين الخريف، لأن الشتاء يصوَّر في هيئة ملتفّة بالصوف يحمل زوجاً من البط. ويعبر العمل عن الشعور بالسعادة والرخاء والتفاؤل التي يصعب تصورها بعد الدمار الذي أحدثته قوات كابيلين بعد عام 238 ميلادي. وربما تعود اللوحة الفسيفسائية إلى الشطر الأول من ذلك القرن. وقد بلغ نمط العفوية والرومانسية «لرومانا أفريقيا» ذروته في مطلع القرن الثالث.
الكويت: مركب شراعي
عام 1987، قررت الكويت أن تهدي رمز ماضيها إلى الأمم المتحدة (المركب الشراعي). وكانت صناعة المراكب الشراعية في الكويت تعبّر عن حاجات الإنسان وتفاعله المستمر مع البيئة المحيطة. ومنذ بداية نشاطهم الاقتصادي والاجتماعي، عمل الكويتيون في بناء السفن التجارية وفي الغوص، في محاولة منهم للسيطرة على البيئة القاسية، حيث كان يسود نمطان إنتاجيان اثنان: أولهما الغطس لاستخراج اللؤلؤ، والآخر قطاع التجارة ومقايضة السلع الأساسية بين الموانئ في الهند والساحل الشرقي الأفريقي.
ويعد المركب الشراعي أحد أفضل السفن القديمة التي كانت سائدة آنذاك في الأسفار البعيدة عن موانئ المنطقة.
الإمارات: قلعة الجاهلي
تمثل النسخة الموجودة في الأمم المتحدة نموذجاً مصغراً من قلعة الجاهلي التاريخية في الإمارات العربية المتحدة. ويعد هذا النموذج، الذي يحاكي قلعة الجاهلي في العين والتي شُيّدت عام 1898 تحت إشراف الشيخ زايد بن خليفة، أفضل مثال لفن العمارة العسكرية المحلية. وتتمتع قلعة الجاهلي بأهمية تاريخية عظيمة لكونها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتاريخ أسرة آل نهيان. وقد بدأ تشييد القلعة عام 1891 تحت حكم الشيخ زايد الأول، وتم الانتهاء من بنائها في عام 1898. وهي ذات موقع مثالي للأغراض العسكرية وكذلك لأغراض السكن، وذلك لأنها على مقربة من موارد المياه وتحيط بها الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، كما كانت القلعة صالحة للاستخدام ملاذاً صيفياً لأسرة آل نهيان من الرطوبة التي تغلب على ساحل أبوظبي، وكانت بمنزلة مأوى لسكان واحة العين في أوقات القلاقل السياسية. ومن ثمّ، ظلت القلعة سكناً خاصاً لأسرة آل نهيان حتى بعد وفاة الشيخ زايد الأول عام 1909.
البحرين: شجرة نخيل
إن شجرة النخيل من الذهب المرصعة باللؤلؤ هي هدية مقدمة من البحرين عام 1992، ومن الناحية التاريخية فإن أفضل اللؤلؤ في العالم كان يُستخرَج من الخليج، لا سيما من البحرين حالياً.
عُمان: أثاث تقليدي وحرفيات
توجد في البهو بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي وقاعة مجلس الوصاية هدية بديعة قدمتها عُمان عام 1986 في الذكرى السنوية الخمسين لتأسيس الأمم المتحدة. واستبدلت حكومة السلطنة بقطع الأثاث قطعاً ومواد جديدة في يوليو (تموز) 2000، وأكثرها الفضة. عند الجدار الشمالي، توجد الخزانة الغربية وفيها ثلاث قلائد وإبزيم وحزام وحامل سلاح، وفي الطبقة الأولى هناك حصيرتان منسوجتان ومبخرة وإسوارة ومزهرية وقلادة، ووُضعت في الوسط ثلاث قلائد وقرطان وصحن وغمد سلاح ووعاء وأساور ومجموعة شاي مع إبريق وستة أكواب وإبريق آخر له غطاء وصينية واحدة وغطاء وقطعة قماش منسوجة. أما الخزانة في الجهة الشرقية فتحتوي على نموذج قارب خشبي وعجلة خشبية. وتوجد في الخزائن عند الجدار الجنوبي أربع قلائد مزخرفة وإساوارتان وإبريق شاي ومبخرة وكوبان، وفي الوسط سيفان وقطعتا سلاح فوق أحزمة منسوجة ودرعان مخروطيان من الطين وإبريق بمزلاج، وتوجد في خزانة أخرى قلائد ومبخرة مزينة.
ولا توجد لدى المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك هدايا من نصف الدول العربية: الأردن ولبنان واليمن وليبيا والجزائر وقطر وموريتانيا والصومال وفلسطين وجيبوتي وجزر القمر.