مناخ «فردي» خاص.. يمكن التحكم به

لتوفير الطاقة وتقليل استهلاكها

مناخ «فردي» خاص.. يمكن التحكم به
TT

مناخ «فردي» خاص.. يمكن التحكم به

مناخ «فردي» خاص.. يمكن التحكم به

طور باحثو «معهد ماساشوستس للتقنيات» (إم آي تي) نظاما يقوم بتوليد مناخ خاص بالأشخاص.
ويسمى المشروع «لوكال وورمنغ»، أي «التدفئة المحلية، أو الموضعية»، ويستخدم نظاما بتقنيات «واي فاي» للاتصالات اللاسلكية لتعقب الحركة، فضلا عن عناصر تسخين ديناميكية مركبة في السقوف، بغية تتبع حركة شخص معين، وتهيئة طقس خاص دقيق للغاية حوله، وحول الأفراد الآخرين من ساكني المنزل. ونتيجة لذلك يبقى كل شخص منهم مرتاحا، في حين يظل الحيز الفارغ الفاصل بينهم في درجة حرارة أقل، مما يخفض من استهلاك الطاقة. وجرى إطلاق هذه التقنية في الاحتفال نصف السنوي للهندسة المعمارية، الذي أقيم في السابع من الشهر الحالي في مدينة البندقية في إيطاليا.
يقول البروفسور كارلو راتي، مدير مختبر «سينسيبل سيتي لاب» التابع لـ«إم آي تي» الذي رأس المشروع «في يومنا هذا يجري إهدار كمية هائلة من الطاقة في تدفئة المنازل، والمكاتب الفارغة، والأبنية المشغولة جزئيا. لكن تقنيات التدفئة المحلية يمكنها معالجة هذه المشكلة عن طريق مزامنة التحكم بالمناخ، مع الوجود، أو الحضور البشري، مما يحسن كثيرا من كفاءة الطاقة وفعاليتها داخل الأبنية».
وحالما يدخل زائر إلى الغرفة يجري تحديد موقعه وحركة تنقله، بواسطة تقنية تعقب الموقع الجديدة التي تعتمد على «واي فاي» التي قامت بتطويرها البروفسورة دينا كاتابي السورية الأصل وفريقها في مركز «إم آي تي» للشبكات اللاسلكية، وعلوم الكومبيوتر المتنقل، الموجود في مختبر المعهد لعلوم الكومبيوتر والذكاء الصناعي. ويجري بث هذه البيانات والمعلومات في الزمن الحقيقي إلى مجموعة من عناصر التسخين الديناميكية موجودة في شبكة قرب السقف. وكل عنصر من هذه العناصر مؤلف من محرك مؤازر لتغيير الاتجاه، فضلا عن مصباح لتوليد إشعاعات ما دون الحمراء، ومرآة باردة، وغيرها من البصريات الأخرى لإنتاج إشعاعات مركزة.
«ويجري بث هذه الحرارة تحت الحمراء لتوليد ما يشبه المصابيح الكشافة في الأساس، التي تطلق الدفء الذي يجري تركيزه على الشخص المعني الذي يبعد عدة أمتار، مما يؤمن راحة كاملة، في الوقت الذي يحسن فيه من كفاءة الطاقة الإجمالية»، وفقا إلى ليه كريستي مهندس المشروع.
وتقول ميريام رور، الباحثة الرئيسة في المشروع والعاملة في أبحاث مختبر «سينسيبل سيتي لاب»، إن التطبيق التجاري الأول لمثل هذه التقنية قد يكون على شكل سخانات ومدافئ لخارج المنازل، تقوم بتدفئة الأشخاص الذين يتنقلون في الأماكن الخارجية شبه المغطاة، قبل اعتماد هذا النظام في القاعات الواسعة، والغرف العلوية، والأماكن المشغولة نادرا. ومع تطور هذه التقنية فقد تتيح لكل شخص أن يحدد حرارة التدفئة التي يرغبها عبر هاتفه الذكي.
وشكلت تقنية «التدفئة المحلية أو الموضعية» هذه الركن الرئيس لأجنحة معرض البندقية المعماري الذي سيستمر من السابع من الشهر الحالي وحتى 23 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وشعار المعرض للعام الحالي هو «العناصر الأساسية للهندسة المعمارية وتقدمها عبر التاريخ». وعلى صعيد التركيب، فإن وضع التدفئة المحلية في غرفة هو أشبه بوضع موقد التدفئة (فاير بلايس) الذي يبث دفئه موضعيا أيضا.
ويدور مبدأ تقنية التدفئة كله حول حفرة النار، التي كانت في السابق العنصر المنزلي الذي يجتمع حوله الأشخاص. ومنذ ذلك الحين بدأ التفكير في التحكم في التدفئة والمناخ عن طريق تطوير الأنابيب والثرموستات (ضوابط الحرارة). لكن اليوم فلا حاجة للشخص بعد الآن للبحث عن الحرارة، بل إن الحرارة هي التي ستبحث عنه، كما يقول ماثيو كلوديل الباحث أيضا في مختبر «سينسيبل سيتي لاب».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً