وضعت ميليشيا جماعة الحوثيين الانقلابية في صنعاء برنامجا لزيارة مبعوث الأمم المتحدة الجديد مارتن غريفيث، أثار استياء الحكومة الشرعية والقوى السياسية المؤيدة لها، لجهة تماهيه مع الانقلاب وتأكيده على المسميات والألقاب والصفات الرسمية التي انتحلها قادة الجماعة ابتداء من منصب رئيس الجمهورية والمواقع القيادية للدولة وانتهاء بالأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.
في غضون ذلك جدد غريفيث التأكيد الأممي على بقاء حزب الرئيس الراحل علي عبد الله صالح (المؤتمر الشعبي) طرفا رئيسيا في أي مشاورات في سياق المساعي الحالية لإحلال السلام، وذلك على خلاف رغبة ميليشيا الحوثي التي تحاول مصادرة مواقف الحزب وتشكيل وفد تفاوضي موحد تحت إمرتها.
وكشفت مصادر في الحزب لـ«الشرق الأوسط» أن المبعوث الأممي التقى أمس قياداته في صنعاء واستمع منهم إلى تفاصيل أحداث ديسمبر (كانون الأول) الماضي التي شهدت مقتل رئيس الحزب صالح على يد ميليشيا الحوثيين والتنكيل بقياداته ومصادرة أمواله وما تلا ذلك من تكليف القيادي صادق أبو راس قائما بأعمال رئيس الحزب.
وقالت المصادر إن أبو راس شدد على أن يكون أي اتفاق للسلام متزامنا وشاملا للجوانب الأمنية والعسكرية والسياسية، في الوقت الذي جدد المواقف السابقة للحزب المنسجمة مع خطاب ميليشيا الحوثي قبل مقتل صالح، بخصوص وقف عمليات التحالف العربي العسكرية الداعمة للشرعية وإلغاء الحصار المفروض على الميليشيات.
وأسبغ برنامج الزيارة الأممية الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط» لقب «الفخامة» على رئيس مجلس انقلاب الميليشيا صالح الصماد، دون أدنى اعتبار، لتعارض ذلك مع قرار مجلس الأمن 2216 والقرارات الأخرى ذات الصلة التي نصت على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، وأدانت الميليشيات الانقلابية.
ويجدد هذا التصرف الحوثي إصرار الجماعة على شرعنة أفعالها وكأنها سلطة لا غبار عليها من خلال تعاملها مع منظمات الأمم المتحدة وموظفيها، وهو ما يؤكد شكوك المراقبين حول عدم جدية الميليشيا في التوصل إلى حل ينهي انقلابها على الدولة والحكومة الشرعية.
وأكد النص الحرفي لبرنامج الزيارة الأممية لصنعاء في كل فقراته المكتوبة بالعربية والإنجليزية على إثبات المسميات الرسمية والصفات والألقاب التي انتحلها قادة الميليشيا، إذ أطلق عليهم ألقاب «الفخامة والمعالي والسعادة والدولة» وكأنه يعبر عن حكومة شرعية معترف بها وليس عن جماعة طائفية مسلحة اغتصبت مؤسسات الدولة بقوة السلاح.
فالقيادي هشام شرف الموالي للحوثي يشير إليه برنامج الزيارة على أنه «معالي وزير الخارجية»، ويشير إلى القيادي في الجماعة حسين العزي على أنه «سعادة نائب وزير الخارجية»، كما يصف رئيس حكومة ميليشيا الانقلاب غير المعترف بها عبد العزيز بن حبتور بأنه «دولة رئيس مجلس الوزراء» وهلم جرا.
أما جدول الزيارة الممتد على أيام الأسبوع بجميع فقراته، فلا يترك للمطلع عليه إلا أن يجزم بأن الجماعة الحوثية تحاول جاهدة إيهام المبعوث الأممي بشرعية المسميات والصفات المستنسخة لقيادات الدولة المختطفة وللأحزاب المؤيدة للشرعية.
فقد خصص البرنامج جزءا من وقت المبعوث الأممي للقاء من أطلق عليها «أحزاب اللقاء المشترك»، وهو التكتل المؤلف من عدة أحزاب يمنية يعرف القاصي والداني أنها مؤيدة للحكومة الشرعية، باستثناء القيادي الحوثي حسن زيد وحزبه (الحق) الذي يعد جزءا من نسيج الجماعة الحوثية، ولذلك نصبته ليصبح بين ليلة وضحاها رئيسا لتكتل أحزاب اللقاء المشترك.
وكان التكتل الحزبي معارضا لحكم الرئيس اليمني السابق، وأبرز أحزابه شعبية وحضورا هي حزب التجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري، إلى جانب ثلاثة أحزاب أخرى تعد مجرد تكملة للعدد من ضمنها حزب (الحق) المتنازع عليه، بين حسن زيد وقيادي حوثي آخر، ونسخة أخرى من حزب البعث موالية للبعث السوري، وحزب سادس هو اتحاد القوى الشعبية.
ولأن ميليشيا الحوثي برعت في تدمير كل شيء والاستحواذ على أطلاله، فقد استنسخت كيانات وهمية من كل هذه الأحزاب وعينت أشخاصا موالين لها على رأسها، كما استنسخت كيانا وهميا في صنعاء اسمه «الحراك الجنوبي» وهو الكيان الذي سيحظى - في واحدة من المفارقات الغربية للزيارة - بلقاء خاص مع المبعوث الأممي.
وكان آخر الأحزاب المختطفة حوثيا هو «المؤتمر الشعبي» الذي قتلت الجماعة زعيمه ومؤسسه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ثم أشرفت على تشكيل قيادة جديدة له تحت الترغيب والترهيب، لتصبح ذراعا سياسية لها على رغم حملات التنكيل التي شنتها ضد أعضائه.
واشتمل البرنامج الرسمي للمبعوث الأممي على لقاءين مع وفد الجماعة المفاوض ووفد حزب المؤتمر، ولقاء مع أحزاب التحالف الوطني التي كان الرئيس السابق استنسخها للتحالف مع حزبه في مقابل تكتل اللقاء المشترك، وهي عمليا غير موجودة على الأرض، إلا أن الحوثي كما يبدو ورثها عن الرئيس صالح كما ورث كل شيء في المناطق التي تخضع لسيطرة ميليشياته.
وإلى ذلك خصص برنامج زيارة غريفيث لصنعاء لقاء مع 10 من الأكاديميين اليمنيين، إلا أن الجماعة سارعت - بحسب مصادر مطلعة في جامعة صنعاء - إلى اختيارهم من الموالين لها.
وفي ذات الاتجاه أفاد ناشطون في حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، بأن الميليشيا اختارت قيادات نسائية حوثية، للقاء المبعوث الأممي المخصص للقيادات النسائية، في الوقت الذي دفعت ممثلات الجماعة في مؤتمر الحوار الوطني لشغل اللقاء المخصص مع غريفيث للنساء اللواتي شاركن في الحوار.
وبحسب ما علق ناشطون يمنيون على برنامج المبعوث الأممي الجديد كان الأحرى بأن يتضمن برنامج الزيارة لقاء واحدا مطولا مع زعيم الميليشيا الانقلابية عبد الملك الحوثي، لأنه كل اللقاءات المتعددة التي تضمنها لا تعبر عن رؤية المجتمع اليمني، وإنما عن أفكار الجماعة التي تتلقى تعليماتها من طهران.
وتعبيرا عن سخط الحكومة الشرعية واستغرابها من جدول زيارة المبعوث الأممي مارتن غريفيث، دعا وزير الإعلام معمر الإرياني، المبعوث الأممي إلى الإطلاع على حقيقة الأوضاع السياسية والإنسانية خلال زيارته الحالية إلى العاصمة صنعاء.
وقال الإرياني في تصريح رسمي «إن ميليشيا الحوثي الانقلابية ليست سوى عصابة مسلحة انقلبت على الرئيس المنتخب من الشعب فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي، واستولت على السلطة بقوة السلاح وإن حاولت تضليل الرأي العام الدولي عبر اتخاذ مؤسسات الدولة غطاء لتحركاتها وتصوير أن الحياة السياسية والمدنية تسير بشكل طبيعي في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرتها».
وأشار الوزير الإرياني إلى أن الحوثي انقلب حتى على آخر شركائه «المؤتمر الشعبي العام» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي وصفى قياداته العليا وزج بهم في السجون وصادر ممتلكاتهم وممتلكات الحزب، مؤكدا أن « مؤسسات الدولة مختطفة وما بقي من قادة سياسيين في صنعاء يتحركون بالإكراه والتهديد وتفرض عليهم الإقامة الجبرية».
وفي سياق استغراب الحكومة الشرعية من محاولة تصوير الزيارة وكأنها تشمل اللقاء مع كيانات وأحزاب وقوى وطنية متعددة ومتباينة، قال الإرياني «لا يوجد أي نشاط سياسي للأحزاب والقوى السياسية في مناطق سيطرة الحوثيين كما لم تصدر أي صحيفة حزبية أو أهلية مستقلة منذ الانقلاب، في ظل حملة اعتقالات وتنكيل بحق كل الأصوات المنددة بسياسات الحوثيين».
وجدد الإرياني اتهام الشرعية للانقلابيين الحوثيين بنهب المال العام وقال إنهم يتخذون من «التجويع والإفقار سياسات ممنهجة لتطويع إرادة الناس وإذلالهم وقهرهم ويحتكرون تجارة النفط والغاز لتحقيق أرباح مهولة رغم الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطنون».
وبدلا عن جدول الزيارة الأممية الذي يمتد نحو أسبوع للاطلاع على أفكار الحوثي نفسها في كل لقاء، دعا وزير الإعلام اليمني المبعوث الأممي إلى «التوجه إلى سجون الحوثي ومعتقلاته للاطلاع على أوضاع قيادات الدولة وقيادات الأحزاب السياسية المعتقلين منذ ثلاثة أعوام، والعشرات من الصحافيين الذين يرزحون خلف القضبان دون أن توجه إليهم أي تهمة» على حد تعبيره.
كما دعاه إلى «مطالبة الحوثي بتوضيح مصير جثة الرئيس السابق علي عبد الله صالح رئيس حزب «المؤتمر الشعبي العام» والعشرات من قيادات الحزب» التي قال الإرياني «إن مصيرها ما زال مجهولاً منذ أحداث ديسمبر (كانون الأول) الدامية في صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرة الانقلابيين، بالإضافة إلى العشرات من نشطاء المؤتمر الذين تم اختطافهم في فعالية سلمية الأربعاء الماضي وما زالوا معتقلين حتى الآن».
وكان مارتن غريفيث وصل إلى صنعاء أول من أمس في أول زيارة له للعاصمة اليمنية بعد توليه منصب المبعوث الأممي إلى اليمن الشهر الماضي، خلفا للموريتاني إسماعيل ولد الشيخ، وذلك في سياق مساعيه الرامية إلى إقناع الحوثيين بالموافقة على حل سلمي ينهي انقلابهم على الشرعية اليمنية ويعيد البلاد إلى مرحلة الانتقال السلمي للسلطة.
وسبق أن التقى غريفيث في زيارة إلى الرياض قبل أيام الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وأقطاب الشرعية، وأكد أنه سيطلق عملية سياسية شاملة تبدأ من حيث انتهى سلفه ولد الشيخ أملا في طي صفحة الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانيا.
تأكيد أممي على بقاء حزب «المؤتمر» طرفاً رئيسياً في المفاوضات
برنامج «غريفيث» في صنعاء يثير استياء الشرعية والقوى المؤيدة لها
تأكيد أممي على بقاء حزب «المؤتمر» طرفاً رئيسياً في المفاوضات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة