حكاية لوحة مودلياني التي بيعت بمبلغ 6.5 مليون يورو في باريس

تمثل هاوي الفنون دوتيلول الذي أسست مجموعته متحفا في شمال فرنسا

حكاية لوحة مودلياني التي بيعت بمبلغ 6.5 مليون يورو في باريس
TT

حكاية لوحة مودلياني التي بيعت بمبلغ 6.5 مليون يورو في باريس

حكاية لوحة مودلياني التي بيعت بمبلغ 6.5 مليون يورو في باريس

ما الذي يمكن أن يتمناه أحد كبار المعجبين بفنان ما، أكثر من أن يرسم له الفنان لوحة «بورتريه» رائعة ويقدمها له دون مقابل؟ هذا ما حصل مع الرسام أميديو مودلياني وجامع لوحاته الفرنسي روجيه دوتيلول. ففي عام 1919 رسم الفنان الإيطالي الشهير لوحة تمثل دوتيلول وأهداها له. وهي اللوحة ذاتها التي بيعت في مزاد نظمته دار «سوذبيز» في باريس، أول من أمس، بمبلغ 6.5 مليون يورو، أي أكثر من ثمانية ملايين دولار.
ينتمي دوتيلول، المتوفى عام 1956، إلى تلك الفصيلة من العشاق العنيدين والمثابرين إلى حد المغامرة، ممن يطلق عليهم اسم «هواة الأعمال الفنية». ويمكن القول إن المتاحف ما كانت لتظهر إلى الوجود لولا تلك الفصيلة من النساء والرجال المجهولين، جامعي ومقتني اللوحات والمنحوتات البديعة. ففي بدايات القرن العشرين، كان دوتيلول يقيم بمنزل العائلة في حي مونصو الباريسي الراقي، بصحبة شقيقه الذي ظل مثله، أعزب طوال حياته.. إنه شاب برجوازي يعمل مديرا لشركة مالية ومستشارا لدى محكمة مراجعة الحسابات.
أثاث ذلك المنزل كان من القتامة الموروثة من القرن التاسع عشر، لكن الساكن الشاب تمكن من أن ينثر على الجدران لوحات موقعة بأسماء معروفة أو ما زالت تنتظر دورها للشهرة.. فالنافذة المضيئة الوحيدة في تلك اليوميات الجافة كانت حب دوتيلول للفنون التشكيلية وتخصيص جل مرتبه لشراء اللوحات. وهكذا كان يعود من عمله، كل مساء، وبدل أن يستريح في حضن زوجة أو يلاعب ولدا، فإنه كان يجلس في مواجهة «أطفاله الأعزاء» الذين اقتناهم: ديلاكروا وكوربيه وغروز ورينوار وسيسلي.. أما لوحات الثوري سيزان فقد كانت فوق قدراته المالية.
ذات يوم، قادته هوايته إلى التعرف على صاحب صالة للعرض الفني، أصغر منه سنا، يدعى دانييل هنري كانويلر. وهناك، في الصالة الواقعة في شارع فينيون، وسط العاصمة، اكتشف دوتيلول تيار الرسم التكعيبي، واشترى لوحات لبيكاسو وبراك وهما في بداياتهما. وبعدها اقتنى أعمالا لفرنان ليجيه ولمودلياني. لقد وقع في شرك هذا الأخير وصار مفتونا بأسلوبه في الرسم بحيث إنه جمع أكثر من 30 عملا له، بينها رأس امرأة منحوت من الرخام، ولوحة زيتية صارت شهيرة فيما بعد، بعنوان: «الجالسة ذات القميص».
إن الهاوي لم يتلق أي تدريب فني؛ بل كان من أولئك الميسورين الذين علموا أنفسهم بأنفسهم. إنه يحتكم، عند شرائه عملا ما، إلى قلبه ويتأرجح بين ميله إلى الأشكال الصارمة، وألوان التكعيبيين أو ضربات الانطباعيين مثل كيس فاندونغن. والغريب أنه لم يكن يهتم بأعمال ماتيس ولا جوان غريز، بل راقب بعين الخبير صعود نجم فنان روسي شاب درس في سان بطرسبورغ وكييف يدعى آندريه لانسكوي، كان يعرض لوحاته في «غاليري بينغ». لقد قرر أن يرعاه ويساعده ماديا لكي يتفرغ للعمل، وكان يشجعه قائلا: «ارسم أيها الصغير.. ارسم»، ويشتري كل رسومه التي زادت على المائة لوحة ولا يبيع منها شيئا؛ بل يقدمها هدايا للأصدقاء.
ولأنه لم يترك وريثا مباشرا، سعى روجيه دوتيلول إلى توطيد الصلة بجان ماسوريل، نجل شقيقته المقيمة في مدينة روبيه الشمالية. وكان الشاب البكر لخمسة إخوة قد قصد باريس لتأدية امتحان البكالوريا وأقام مع خاله في المنزل العائلي الكبير الذي كان أشبه بمتحف للفنون الحديثة. لقد سحرته تلك اللوحات وانتقلت إليه حمى هواية اقتنائها، لا سيما أنه كان ابن تاجر ثري من تجار الأصواف. وهكذا اشترى جان ماسوريل أول لوحة له وكانت لبيكاسو.
بعد رحيل الخال، فوض ابن شقيقته في الإشراف على تركته الفنية، باستثناء «البورتريه» الذي كان مودلياني قد رسمه له. لقد قرر منحه إلى فرع آخر من العائلة. وقد أضاف جان ماسوريل بصمته الخاصة إلى المجموعة، في خمسينات القرن الماضي، من خلال اقتنائه لوحات لخوان ميرو وكاندينسكي وبول كلي، ثم دوشتايل وبوفيه في الستينات. وبما أنه كان سليل عائلة متدينة من كاثوليك الشمال، فقد قرر بالاتفاق مع زوجته جنفياف منح المجموعة المؤلفة من 219 قطعة إلى محافظة المنطقة لكي تكون نواة متحف يقام هناك.
ماذا جرى لـ«بورتريه» دوتيلول الذي بيع قبل يومين؟ لقد تنقل من مالك إلى آخر ومن راحل إلى وريث حتى وصل إلى المزاد الباريسي.. إنه واحد من آخر أعمال مودلياني المخصصة لرسم الوجوه؛ حيث إنه أنجزه قبيل أشهر من وفاته، مطلع 1920. وهو كان معارا، من صاحبه، لعدة أسابيع سبقت بيعه، إلى متحف مدينة ليل للفن الحديث، شمال فرنسا، أي المتحف الذي حلم به جان وجنفياف ماسوريل. وكان آخر «بورتريه» للرسام قد بيع في مزاد جرى في الربيع الماضي في لندن، بمبلغ وصل إلى ثمانية ملايين يورو.
لم يحقق بيع اللوحة في باريس الرقم الذي قدره الخبراء. ولعل ذلك يعود إلى أنها تمثل رجلا لا يمتلك الجاذبية التي ينطوي عليها تصوير النساء. إنها لرجل صغير العينين، ذي شارب أشقر، يرتدي ياقة بيضاء منشاة على طريقة برجوازيي القرن الماضي ويميل رأسه جانبا، على خلفية تتدرج بين الأخضر والأزرق الرمادي. لقد عجز متحف ليل للفنون الحديثة عن دفع المبلغ المطلوب فيها، واكتفى جمهور الشمال باستضافتها والتمتع بمنظرها لفترة من الزمن. ومن يدري، لعل مزادا جديدا يعيدها إليهم.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.