إيران تستهل عامها الجديد بـ«خطابات اقتصادية» للقيادة

خامنئي زعم تحول تهديدات إقليمية إلى فرص... وروحاني يطعن خصومه

روحاني يلقي خطاباً بعد لحظات من بداية العام الإيراني الجديد في مدينة كرمانشاه غرب البلاد (موقع الرئاسة)
روحاني يلقي خطاباً بعد لحظات من بداية العام الإيراني الجديد في مدينة كرمانشاه غرب البلاد (موقع الرئاسة)
TT

إيران تستهل عامها الجديد بـ«خطابات اقتصادية» للقيادة

روحاني يلقي خطاباً بعد لحظات من بداية العام الإيراني الجديد في مدينة كرمانشاه غرب البلاد (موقع الرئاسة)
روحاني يلقي خطاباً بعد لحظات من بداية العام الإيراني الجديد في مدينة كرمانشاه غرب البلاد (موقع الرئاسة)

استقبل الإيرانيون العام الجديد أمس على وقع مخاوف اقتصادية على إثر تراجع الوضع المعيشي، وتدهور قيمة العملة الإيرانية خلال الشهور الماضية، وكانت الأوضاع الاقتصادية «بيت القصيد» في أهم خطابين تقليديين للمرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس حسن روحاني.
وأطلق خامنئي للعام الثالث على التوالي شعارا اقتصاديا للعام الإيراني الجديد بعنوان «عام دعم المنتجات الإيرانية»، مشدداً على ضرورة مواصلة سياسته في الاقتصاد تحت مسمى «الاقتصاد المقاوم».
وقال خامنئي إن «شعار الاقتصاد المقاوم والإنتاج وخلق فرص العمل» العام الماضي تحقق إلى حد ما، مشيرا إلى «تحسن» أزمة البطالة والإنتاج في إيران، لكنه طالب باستمرار سياسة «الاقتصاد المقاوم».
و«الاقتصاد المقاوم» مصطلح أطلقه خامنئي في عام 2011 لمواجهة العقوبات الدولية بالاعتماد على الداخل الإيراني، وعدم التبعية للدول الأجنبية.
وقبل أن يكشف خامنئي عن الشعار الجديد تطرق إلى أفضل وأسوأ ما شهدته إيران خلال العام الماضي. وعد خامنئي الاحتجاجات الشعبية أسوأ حدث شهدته إيران.
وانطلقت الاحتجاجات العفوية في أكثر من 80 مدينة إيرانية بين 28 ديسمبر (كانون الأول) ومنتصف يناير (كانون الثاني) تحت شعار «لا لغلاء الأسعار» قبل أن تتحول إلى مظاهرات غاضبة تطالب بتغيير النظام. وزعم خامنئي أن «الاضطرابات كانت حسب تخطيط الأعداء». واتهم أطرافاً داخلية بمحاولة «تسجيل نهاية الاضطرابات باسمها»، وقال إنها أيضاً «دخلت الساحة وتصدت للمحتجين».
وفي الوقت نفسه، أثنى خامنئي على خروج مظاهرات مؤيدة للنظام، والتي خرجت تحت رعاية جهات رسمية كجزء من حلول اتخذها السلطات لمواجهة الاحتجاجات الشعبية.
وقال خامنئي إن «بعض المشكلات المعيشية لشرائح من المجتمع الإيراني والجفاف كانت من بين أسوأ ما شهدته إيران، فضلاً عن أحداث الزلزال والسيول وسقوط طائرة وغرق حاملة نفط.
لكن خامنئي أشار إلى قضايا إيجابية أيضا، ومنها مشاركة واسعة في الانتخابات الإيرانية بلغت 40 مليونا، على حد تعبيره.
من جانب آخر، تطرق خامنئي إلى التحديات الخارجية التي تواجه إيران، ومن دون أن يذكر تفاصيل، قال إن إيران واجهت تهديدات إقليمية خلال العام الماضي، مضيفا أن «التهديدات تحولت إلى فرص في حين كان الهدف هو إلحاق ضرر بإيران».
وبعد خامنئي بأقل من دقيقة، بث التلفزيون الإيراني خطاب الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي كسر الأعراف الإيرانية، وسجل أمس أول رقم قياسي باسمه منذ 1979 عندما فضل التوجه إلى مناطق متضررة من الزلزال في محافظة كرمانشاه لمخاطبة الإيرانيين في بداية رأس السنة، وخاطب روحاني مواطنيه من ساحة مفتوحة وبينهم.
ويبدو أن خطوة روحاني جاءت رداً على انتقادات وجهت إليه خلال الأشهر الماضية حول تجاهل أوضاع المناطق المتضررة من الزلزال.
وهي المرة الثانية التي يتوجه فيها روحاني إلى المناطق المتضررة من الزلزال منذ تعرضه لسؤال محرج في حوار تلفزيوني من محاوريه في القناة الأولى الخاضعة لصلاحيات المرشد الإيراني في فبراير (شباط) الماضي.
في المقابل، رد الرئيس الإيراني حسن روحاني بسرعة على الشعار الذي أطلقه خامنئي وضمن ترحيبه بالشعار مد روحاني يده إلى المستثمرين والشباب الإيراني للنهوض بالاقتصاد، مشددا على أن حكومته «ستواصل محاربة الفقر»، كما أعرب عن عزمه على «هزيمة تنين البطالة».
ودافع روحاني عن سياساته الإقليمية، وزعم أن «جنود إيران ودبلوماسييها» إلى جانب الشعب العراقي والسوري واللبناني «تسببوا في أمن المنطقة».
وأشاد روحاني بالانتخابات الرئاسية التي فاز بموجبها بفترة رئاسية ثانية في مايو (أيار) 2017، وطعن بطريقة ناعمة خصومه في الانتخابات، وقال إن «الحاقدين أرادوا خلاف ذلك، كما أرادوا تكريس الخلافات والانقسامات، وفوز مجموعة على مجموعة أخرى».
وأصر روحاني على تمسكه بشعاراته في الانتخابات الرئاسية، وقال إن حكومته «ملتزمة بوصول المعلومات إلى الإيرانيين» مضيفا: «إننا نريد (انترنت) سهلا ورخيصا وفي الوقت نفسه أخلاقيا ومعنويا».
كما تطرق روحاني إلى الاحتجاجات الشعبية بحذر، وقال إنه «عندما رأى الناس اضطرابات في الشارع والتي من الممكن أن تُعرض أمن المجتمع إلى الخطر. قالوا بصوت واحد إن النقد والاحتجاجات حق الناس لكن الشعب الإيراني لا يطيق انتهاك القانون والعنف»، وزعم أن «الأعداء فكروا أن يستخدموا ذريعة (الاحتجاجات) لكسر الإيرانيين لكن وحدة الشعب الإيراني أثارت إعجاب جميع الأعداء».
قبل كبار المسؤولين الإيرانيين كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب وجه رسالة إلى الإيرانيين بمناسبة «عيد النوروز»، وقال إن الشعب الإيراني يواجه تحدياً جديداً في تاريخه: «قادة يخدمون (مصالحهم) بدلاً من خدمة الشعب»، بحسب بيان للبيت الأبيض.
وكتب: «قبل 25 قرناً طلب داريوس الأول (ملك كبير في مملكة فارس) من الله حماية إيران من 3 مخاطر هي الجيوش المعادية والجفاف والكذب. واليوم يجسد الحرس الثوري هذه المخاطر الثلاثة».
ومنذ توليه السلطة في يناير 2017، ما انفك ترمب يشدد موقفه من إيران، منددا بالاتفاق النووي الذي أبرمته مع القوى الكبرى وأيضا ببرنامجها الصاروخي وسياسة طهران الإقليمية.
وأثارت تهنئة ترمب غضب الإيرانيين، ورد وزير الخارجية محمد جواد ظريف عبر حسابه «تويتر»، معتبرا أقواله «شتائم سخيفة»، مضيفا أن الإيرانيين «بحضارتهم التي تعود لآلاف السنين، يملك الإيرانيون ما يكفي من العمق التاريخي لتجاهل الشتائم السخيفة لزعيم رجعي، يمكن تلخيص فهمه للتاريخ والسياسة والدبلوماسية في 280 كلمة»، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.
ووصف ترمب الحرس الثوري الإيراني، بأنه «جيش معاد يقمع الشعب الإيراني ويسرق منه لتمويل الإرهاب في الخارج»، مشيراً إلى أنه أنفق أكثر من 16 مليار دولار لمساندة النظام السوري ودعم المتطرفين والإرهابيين في سوريا والعراق واليمن بحسب «رويترز».



إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

إلى جانب الأهداف المتعددة، بما في ذلك الإقليمية والداخلية، التي حققتها الهجمات الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية للجيش السوري، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوة كبيرة نحو التحضير لهجوم واسع على إيران. فالحلم الذي راوده منذ 13 عاماً بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني أصبح، من وجهة نظره، أمراً واقعاً. ولديه شريك مهم يشجعه على ذلك، وهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

كان نتنياهو، ومن خلفه الجيش والمخابرات، مقتنعين بأن توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني هو مشروع ضخم يفوق بكثير قدرات إسرائيل.

لذلك، حاول نتنياهو خلال الحرب جرّ أقدام الولايات المتحدة للقيام بالمهمة، لكنه فشل. فالرئيس جو بايدن ظل متمسكاً بموقفه مؤيداً للحوار الدبلوماسي مع طهران. غير أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) غيّر القناعات. فقد كانت نتائج الهجوم قاسية على القدرات الدفاعية الإيرانية، وإيران أول من يعلم بذلك لكنها تفضل الصمت. وإذا أضفنا إلى ذلك أن خطة طهران لتطويق إسرائيل بأذرع عسكرية فتاكة تلقت ضربة قوية، حيث تم تدمير 60 إلى 70 في المائة من قدرات «حماس» العسكرية في غزة والضفة الغربية، وتدمير نصف قوة «حزب الله» على الأقل، فإنها قلّمت أظافر «الحرس الثوري» الإيراني.

طائرة مقاتلة إسرائيلية في مكان غير محدد في صورة نشرها الجيش في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أتيحت لإسرائيل فرصة مفاجئة ونادرة لضرب الجيش السوري، فاستغلتها دون تردد. وفي غضون أيام قليلة، دمرت سلاح الجو السوري وقواعده، وكذلك سلاح البحرية وموانئه، إلى جانب معظم الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ. وكل ذلك دون أن تتعرض لإطلاق رصاصة واحدة، ليخرج الجيش الإسرائيلي من الهجوم بلا أي إصابة.

كما هو معروف، نفذ الجيش الإسرائيلي هذه العملية ليؤكد مكانته كأقوى جيش في المنطقة، ولإظهار أنه يرد على المساس به بمقاييس ضخمة غير مسبوقة في الحروب. كما كانت رداً على الانتقادات الداخلية في إسرائيل، خصوصاً بعد نقاط ضعفه التي ظهرت في 7 أكتوبر 2023 وخلال الحرب.

بالنسبة لنتنياهو، كانت العملية وسيلة لإثبات قوته السياسية لخصومه الذين يرونه «قائداً فاسداً ومحتالاً»، ولإظهار أنه يدير حرباً تحقق مكاسب هائلة. ومع سهولة انهيار نظام الأسد وتحطيم الجيش السوري، أصبحت هذه العملية تحقق مكسباً استراتيجياً لم تتوقعه أي مخابرات في العالم، ولم تتخيله أعتى الساحرات، حيث مهدت الطريق أمام نتنياهو للضربة التالية: إيران.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اليوم، تناقلت جميع وسائل الإعلام العبرية تصريحات صريحة لمسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليَّيْن، يؤكدون فيها أن «الهدف المقبل للجيش الإسرائيلي هو توجيه ضربة لإيران». وذكر هؤلاء المسؤولون أن العمليات العسكرية الجارية في سوريا تهدف إلى «تنظيف الطريق، جواً وبراً»؛ لتمهيد الطريق لضربة مباشرة ضد إيران. كما أشار البعض إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يدرس توجيه ضربة قاصمة للحوثيين في اليمن كجزء من هذه الاستعدادات.

بالطبع، يعتقد الخبراء أن ضرب إيران «ليس بالمهمة السهلة. فهي لا تزال دولة قوية، تخصص موارد هائلة لتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع عقيدة لا تعترف بالهزيمة أو الخسارة».

بالنسبة لإيران، حسابات الربح والخسارة ليست محورية؛ إذ تحتفل بالنصر دون هوادة مهما كان الثمن الذي تدفعه باهظاً، خصوصاً عندما يكون الآخرون هم من يتحملون التكلفة.

وفي إسرائيل، كما في دوائر سياسية عديدة في الولايات المتحدة والغرب، يزداد الاقتناع بأن القيادة الإيرانية تدرك التحديات والأخطار المتراكمة ضدها. ويُعتقد على نطاق واسع أنها قد ترى الحل الوحيد أمامها يكمن في تسريع تطوير قدراتها النووية العسكرية، وصولاً إلى إنتاج قنبلتها الذرية الأولى.

صورة جوية تظهر سفناً للبحرية السورية استهدفتها غارة إسرائيلية في ميناء اللاذقية الثلاثاء (أ.ف.ب)

هذا الواقع يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط دفاعاً عن نفسها، بل أيضاً نيابة عن دول الغرب وحماية لمصالحها المشتركة. تدعم دول الغرب هذا التوجه. وقد بدأت إسرائيل بطرح هذا الملف منذ عدة أشهر أمام حلفائها، لكنها تطرحه الآن بقوة أكبر بعد انهيار نظام الأسد وتدمير قدرات الجيش السوري.

رغم إعجاب الغرب بالقدرات الإسرائيلية وإشادته بجيشها، الذي استطاع قلب الموازين وتحقيق مكاسب عسكرية بعد إخفاقه المهين أمام هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حيث يُتوقع أن تصبح هذه المكاسب مادة دراسية في الكليات الحربية، فإن هناك تساؤلات ملؤها الشكوك: هل هذه الحسابات الإسرائيلية واقعية ودقيقة؟ أم أنها تعتمد بشكل كبير على الغرور والغطرسة أكثر من التحليل المهني والتخطيط الاستراتيجي؟

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

وماذا سيكون موقف إسرائيل إذا تبين أن القيادة الإيرانية بدأت بالفعل الاستعداد للتحول إلى دولة نووية منذ التهديدات الأولى لها، وقد تُفاجئ العالم اليوم بإعلان تجربة نووية ناجحة، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية عام 2007؟

وفي الداخل الإسرائيلي، تُطرح تساؤلات صعبة؛ أبرزها: «هل نخوض مغامرة كهذه، نخدم فيها الغرب وكل خصوم إيران في المنطقة، بينما ندفع نحن الثمن كاملاً؟».