استقبلت، أمس، إسبانيا ملكها الجديد، وازدانت مدريد بالزهور والأعلام الإسبانية في أجواء مختلفة تماما عن المظاهرات المطالبة بنظام جمهوري، التي أعقبت في الثاني من يونيو (حزيران) إعلان خوان كارلوس تنازله عن العرش، والأصوات التي دعت البرلمان إلى تنظيم استفتاء حول مستقبل الملكية. وتسلم الملك الشاب (46 عاما) الوشاح الملكي من والده الملك خوان كارلوس في قصر زارزويلا، في الوقت الذي استعد فيه للتوجه إلى الكونغرس الإسباني، حيث جرت مراسم أداء اليمين. وتأمل العائلة الملكية أن يكون عهد الملك فيليبي السادس إيذانا ببدء حقبة جديدة تزيد من شعبيتها، في ظل المشاكل التي تعصف بها.
وقال فيليبي في أول خطاب له أمام البرلمان: «نريد إسبانيا تعيد ثقة جميع المواطنين في مؤسساتها، وحيث يشعر كل فرد بانتمائه حقا إلى هذه الأمة»، مؤكدا «إيمانه بوحدة إسبانيا» حيال تصاعد النزعة الانفصالية في كتالونيا، ووعد بملكية «نزيهة وشفافة»، بعد الفضائح التي لطخت الأسرة المالكة. وكان أخطر هذه الفضائح خضوع كريستينا شقيقة فيليبي لتحقيق في قضية احتيال ضريبي وتبييض أموال. وأكد فيليبي أنه سيحكم بـ«نزاهة وشفافية»، وقال وسط التصفيق وهتافات «تحيا إسبانيا» و«ليحيا الملك»: «أقسم بأن أؤدي واجبي كاملا، وأن أحترم الدستور والقوانين، وأحترم حقوق المواطنين ومناطق الحكم الذاتي».
كما أشاد بوالده وبدوره في «مصالحة الإسبان»، بعد ديكتاتورية فرانكو. وأضاف: «إن حكما استثنائيا أصبح اليوم جزءا من تاريخنا مع إرث استثنائي».
ومنذ الصباح، حلقت مروحية حول المدينة التي أغلقت شوارعها أمام حركة السير، وسط انتشار سبعة آلاف شرطي.
وقال كارلوس ميندوزا أحد الباعة (48 عاما) أمام متجره «إنها نهاية حقبة. علينا أن نبدأ من جديد مع جيل من الشباب، كما كل شيء في الحياة وكرة القدم».
وعلى فيليبي الذي لم تتأثر شعبيته خلافا لوالده، تلبية تطلعات كثيرة سيجد على الأرجح صعوبة في تحقيقها.
وقالت كوت فيلار الصحافية في «الموندو»: «اليوم ينتظر الإسبان الكثير منه؛ أن يجد حلا لكتالونيا، والبطالة، وأن يجدد المؤسسات».
وأضافت: «إنها رياح تجدد. لكن احتمال حصول خيبة أمل كبير».
وبعد مراسم التنصيب، استقل الملك فيليبي عربة «رولزرويس» مكشوفة مع زوجته الملكة لتيثيا أورتيث (41 عاما)، وهي صحافية سابقة وحفيدة سائق سيارة أجرة. وسار الركب يحيط به الحراس على ظهور الخيول في شارع زُيّنت جوانبه بأزهار حمراء وصفراء، وهما لونا علم إسبانيا.
وعلى طول الطريق الذي سلكه الركب اصطف آلاف من المهنئين، وبينهم سياح، وهم يلوحون بالإعلام، ويهتفون: «يحيا الملك».
وزُينت مئات الحافلات في مدريد بأعلام إسبانيا، كما أعطى القصر مائة ألف علم للمهنئين للتلويح بها لدى مرور الملك إلى حفل استقبال يُقام في القصر الملكي.
وشددت السلطات إجراءات الأمن في وسط مدريد، وحلقت طائرات الهليكوبتر على ارتفاع منخفض، في حين قامت الشرطة بعمليات تفتيش من منزل إلى منزل على طول الطريق الذي سلكه الملك، حيث انتشر نحو سبعة آلاف شرطي و120 من القناصة في الشوارع.
وقالت ألبا (20 عاما) التي كانت تقف مع والدتها وشقيقتها وسط الجموع كي تحظى بنظرة خاطفة للملك: «الملك الجديد سيشارك بشخصيته وأفكاره، ويأمل كثير من الناس أن يحدث تغيير في إسبانيا. أنا شخصيا يحدوني أمل بتحقيق وحدة أعظم (في البلاد)».
ولم تتسم مراسم التنصيب التي أقيمت في مجلس النواب بكثير من مظاهر الأبهة مقارنة بمراسم التنصيب الملكية في بلدان أخرى، بل هي أقرب لعملية قانونية حضرها مشرعون وساسة كبار وبعض أفراد العائلة المالكة. ولم توجه الدعوة لأي زعيم أجنبي.
ويقول مسؤولون في القصر الملكي إن الحدث يتوافق مع حالة التقشف التي تعيشها البلاد، حيث يعاني واحد من كل أربعة عمال إسبان من البطالة، رغم تعافي الاقتصاد بشكل مبدئي.
وقال القصر الملكي إن خوان كارلوس والد فيليبي لم يحضر مراسم التنصيب حتى تتركز الأضواء بالكامل على الملك الجديد.
ولن يحضر الملك السابق وزوجته الملكة صوفيا أيضا حفل الاستقبال، الذي يقام بعد الظهر في القصر الملكي مع ألفي مدعو من جميع طبقات المجتمع.
وكانت شعبية خوان كارلوس قد تلقت ضربة قوية بعدما ذهب إلى رحلة سرية لصيد الأفيال في ذروة الأزمة المالية التي عصفت بإسبانيا، عام 2012.
وأظهر استطلاع حديث للرأي أجراه مركز متروسكوبيا لحساب صحيفة «الباييس» أنه رغم أن قرار تخلي خوان كارلوس عن العرش لابنه دعم شعبية الأسرة الملكية، إلا أن ثلثي المواطنين يؤيدون الآن فكرة إجراء استفتاء على ما إذا كانت إسبانيا ستظل ملكية دستورية.
وقال أنطونيو مولينا (60 عاما) أحد الباعة قرب القصر الملكي: «إنه ملك جيد تحضر بشكل جيد، لكن مهمته ليست سهلة. إسبانيا بلد يواجه مشاكل».
وأول ملف ساخن سيتعين عليه معالجته هو النزعة الانفصالية في كتالونيا، قبل أشهر من استفتاء لتقرير المصير، قرر القوميون تنظيمه في نوفمبر (تشرين الثاني).
كما على الملك الجديد التعامل مع آثار الفضيحة التي لطخت القصر الملكي، مع اتهام شقيقته كريستينا بالتهرب الضريبي.
* لتيثيا أورتيث أول امرأة من عامة الشعب تتوج ملكة للبلاد
* أصبحت لتيثيا أورتيث، وهي مطلقة وصحافية سابقة، أول امرأة من عامة الشعب تُتوّج ملكة على إسبانيا، أمس (الخميس)، بعدما أدى زوجها فيليبي السادس اليمين عاهلا جديدا لإسبانيا.
ومع وجود تناقض كبير بين سيرتها الذاتية والخلفية الملكية لزوجها، يرى كثيرون أن مذيعة التلفزيون السابقة البالغة من العمر 41 عاما هي التي ستأخذ بيد العائلة الملكية إلى بر الأمان بسبب جذورها المتواضعة، وكونها تنتمي للطبقة المتوسطة.
وارتبطت أورتيث، وهي ابنة لصحافي وممرضة وحفيدة سائق سيارة أجرة، بولي عهد إسبانيا سرا، قبل إعلان خطبتهما في نوفمبر (تشرين الثاني) 2003. والتقى فيليبي وأورتيث خلال حفل عشاء أقامه صديق مشترك لهما يعمل صحافيا.
ولدت أورتيث في مدينة أوفيدو الواقعة شمال إسبانيا عام 1972 وعملت صحافية في صحيفة «لا نويفا إسبانا» أي «إسبانيا الجديدة» وصحيفة «إيه بي سي» الإسبانية، بالإضافة إلى وكالة أنباء «ايفي» الإسبانية، قبل أن تعمل في تلفزيون «بلومبرغ» وقناة «سي إن إن زائد» الإسبانية والتلفزيون الحكومي الإسباني.
* تغيير في عملات معدنية وطوابع بريدية بعد اعتلاء الملك الجديد عرش إسبانيا
* تقرر استبدال عملات وطوابع بريدية وصور ملكية بأنحاء إسبانيا، بعدما تنازل الملك خوان كارلوس عن العرش، وتولى ابنه فيليبي العرش ملكا جديدا للبلاد.
ومن المرجح أن تبقى العملتان المعدنيتان الإسبانيتان من فئتي يورو ويوروين حاملتين لصورة خوان كارلوس حتى عام 2015. حيث يجري تبديلهما تدريجيا بعملات تحمل صورة فيليبي.
وكانت عملات البيزيتا التي تحمل صورة فرانشيسكو فرانكو قد استمرت بالمثل متداولة لأعوام بعد وفاة الديكتاتور الراحل عام 1975.
وربما تمر فترة طويلة أيضا قبل أن تصدر للعامة طوابع بريدية عليها صور الملك فيليبي السادس.
وتحتاج كل صورة شخصية لخوان كارلوس معلقة في المدارس أو الجامعات أو المكاتب أو السفارات أو المحاكم أو الثكنات العسكرية والمنشآت الأخرى في أنحاء إسبانيا، لتغييرها ووضع صور للملك الجديد فيليبي مكانها.
وتستغرق عملية اختيار الصور بعض الوقت، حيث ينبغي أن تقدم العائلة الملكية صورا مختلفة، على حسب المكان التي توضع فيه.
وتظهر الصور التي توضع في المدارس الملك بملابس مدنية، فيما يظهر في صور البلاط الملكي بالرداء الملكي، ويظهر في صور المنشآت العسكرية بالزي العسكري.
ومن ناحية أخرى، تسأل المؤسسات الإسبانية المسماة على غرار «الملك خوان كارلوس» أو «أمير أستوريا» نفسها حول ما إذا كان يتعين أن تغير اسمها.