في أحد زوايا شارع قصر العيني المتسعة بوسط القاهرة الخديوية، افترش شيخ مصري الرصيف لبيع هواتف غير ذكية، بعدما ضمها إلى قائمة التحف والأنتيكات التي كرّس حياته منذ عقود لبيعها. وعلى الرّغم من عفويته فإن العم محمد الذي يتجاوز عمره 70 سنة، لديه وجهة نظر في هذه الخطوة، إذ يرى أنّ الهواتف القديمة تحوّلت بالفعل إلى أنتيكات وتحف تؤرخ لبدايات الهواتف المحمولة وتاريخها، ويعتقد أيضاً أنّه في غضون سنوات قليلة سترتفع أسعار الأجيال القديمة من الهواتف، وربما في وقت ما توضع في متاحف لتاريخ الاتصالات.
يستيقظ في الصباح الباكر، يحمل حقيبة التحف والأنتيكات من منزله المتواضع بحي منشأة ناصر الشعبي (شرق القاهرة) متوجهاً إلى وسطها، ليبدأ في وضع بضاعته على رصيف شارع قصر النيل، في نفس المكان الذي اعتاد الجلوس فيه منذ أكثر من 10 سنوات. يضع القطع الجديدة التي حصل عليها حديثا في المقدمة، بينما يوزّع الباقي بطريقة منظمة، حيث يجب أن تكون القطع ذات الحجم الكبير في الخلف حتى يتمكن المارة من رؤية القطع الصغيرة. ينادي من وقت لآخر على بضاعته مداعباً الزبائن «تحف... أنتيكات... تاريخ... لمن يفهم».
يقول العم محمد لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت عرض الهواتف المحمولة القديمة كتحف وأنتيكات منذ عدة أشهر... ذات مرة كنت أجلس أمام بضاعتي فطلب مني أحد زبائني الدائمين أن أحضر له جهاز تليفون أرضي قديم ذو قرص دائري، لأنه لم يعد موجوداً بكثرة حالياً، ويُباع كأنتيكات، فوعدته بإحضاره، وعقب انصرافه بدأت أفكر في أنّ الهواتف المحمولة القديمة ستتحول أيضا إلى أنتيكات وتحف بعد أن راجت الهواتف الذكية». ويتابع: «قرّرت أن أعرض الهواتف القديمة باعتبارها أنتيكات، خاصة الجيل الأول منها. وفي البداية كان الزبائن يسألونني ما إذا كانت هذه الهواتف تعمل، فأجيبهم بنعم، ويمكن استخدامها أيضاً، لكنّني أعرضها كمقتنيات قديمة، فأثّرت وجهة نظري في كثيرين منهم، لدرجة أنّ بعضهم كان يطلب مني ماركات محددة، وهي غالبا قديمة جداً من الجيل الأول، وأعتقد أنه بعد سنوات قليلة سترتفع أسعارها وقد توضع في متاحف لتاريخ الاتصالات».
يعود اهتمام الرجل السبعيني بالأنتيكات إلى أيام الشباب، لكنّه لم يعتبرها مهنة إلّا عقب إصابته في حادث خلال عمله كفني في التشطيبات المعمارية منذ نحو 20 سنة، أدّى إلى بتر أحد أصابع قدمه. يعرف العم محمد القيمة التاريخية لبضاعته ويتعامل معها بتقدير وحذر، فيخصص صندوقا صغيرا لقطع العملات المعدنية التاريخية، بينما يضع العملات الورقية في غلاف بلاستيك لحمايتها، وتضم مقتنياته الكثير من القطع التي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من مائتي عام، ما بين أقلام الحبر القديمة والطوابع التذكارية، وأجهزة الراديو البدائية، والساعات القديمة.
السنوات التي قضاها في موقعه وسط القاهرة، جعلته معروفاً لدى السكان وحراس البنايات وأصحاب وعمال المتاجر، والكثير من الموظفين في الشركات بالمنطقة، فخلال جلوسه يرد باهتمام كبير على التحيات التي يتلقاها من الجيران والمارة. هذه الشهرة أضفت على علاقته بجيرانه قدراً كبيراً من الود الذي بدا واضحاً في أكواب الشاي ووجبات الطعام التي يرسلها له الجيران بشكل دائم، وهو ما جعله أيضا يتعود على ترك بعض القطع من بضاعته، خصوصاً كبيرة الحجم لدى جيرانه من حراس البنايات (البوابين).
يرى العم محمد أنّ وسط القاهرة ليست مكانا للعمل فقط، لكنّها بيته الثاني، ويضيف: «أقضي في هذا المكان معظم النهار وجزءا كبيرا من الليل، لذلك أعتبره بيتي الثاني، وتجمعني علاقة مودة كبيرة بكل الجيران، ولدي زبائن دائمين كثيرين يحضرون لرؤية القطع الجديدة، وبعض العرب والأجانب يعرفونني ويأتون لشراء بعض القطع كلما زاروا مصر».
وعلى الرّغم من أنّ السّياح العرب والأجانب أكثر اهتماما بالتحف والأنتيكات، فإن الكثير من المصريين يحرصون على اقتناء بعض القطع القديمة فتحولوا إلى زبائن دائمين.
عبد الله فتحي، موظف في إحدى الشركات الخاصة بوسط القاهرة، يقول: «أنا زبون دائم منذ أكثر من 7 سنوات عند العم محمد، ولدي اهتمام خاص بالعملات التذكارية والتاريخية، لكنّني أيضاً أشتري الكثير من القطع الأخرى التي تعجبني، وأحرص دائما على المرور كل بضعة أيام عقب انتهاء عملي، لرؤية أي قطع جديدة، وأحيانا أطلب من العم محمد قطعا محدّدة فيحضرها لي».
مسنّ مصري يدخل الهواتف غير الذكية إلى قائمة الأنتيكات
يعتقد أنّها ستوضع يوماً ما في متاحف الاتصالات
مسنّ مصري يدخل الهواتف غير الذكية إلى قائمة الأنتيكات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة