وقفت سيدة خمسينية شقراء بعينين زرقاوين، تتأمل عن قرب من خلف نظاراتها الناعمة، لوحة من الفن الإيحائي لرسام سوري. سألتها عن رأيها باللوحة التي تتمعن بها، وباللوحات الأخرى المعروضة داخل مبنى قديم وسط برلين. ابتسمت بلطف، وهزت كتفها وهي تقول: «لا أدري. هي مختلفة».
أبعد قليلاً، في غرفة أخرى من المبنى الذي تستخدمه منظمة «أولمي 35» الثقافية الألمانية كمركز لها، وقفت سيدة ثلاثينية صهباء بثياب أنيقة، مع صديقها وبرفقتهما مرشدة من المعرض. كانوا ينظرون إلى كتب باللغة العربية معروضة في هذه الغرفة، والمرشدة تحدثهم عنها. رفعت السيدة كتاباً من على الطاولة أمامها وراحت تقلبه بين يديها، تحاول أن تميز الأعلى من الأسفل والبداية من النهاية. لحظات مرت قبل أن يتدخل صديقها، ليريها الطريقة الصحيحة لحمل كتاب مكتوب باللغة العربية. ضحكوا ثلاثتهم وأكملوا جولتهم.
في غرفة ثالثة كان العشرات، معظمهم من الألمان، يجلسون ينظرون إلى لوحة بعد الأخرى تعرض أمامهم للبيع في المزاد العلني. اللوحة الأولى التي عرضت كانت من الفن الإيحائي، لم تلق الكثير من الطلب. وبيعت بـ350 يورو. تبعتها ثلاثة أخرى للرسامة نفسها بيعت بأسعار شبيهة. دقائق مرت وعلا الصراخ والتصفيق بعد مطرقة السيدة التي تدير المزاد. لوحة جميلة تظهر منزلاً قديماً من الحجر بيعت بـ1300 يورو.
تلخص هذه المشاهد الثلاثة أجواء معرض «أزهار اللوز من بعيد» الذي افتتح في برلين لمدة أسبوعين، ويستحضر الفن والتراث السوري إلى قلب منطقة شارلوتنبيرغ، التي تعد واحدة من أرقى مناطق العاصمة الألمانية.
المعرض جاء نتيجة تعاون بين المنظمة الثقافية الألمانية وأخرى سورية، هي منظمة «مدى»، بهدف مساعدة الفنانين السوريين «لكي يبيعوا لوحاتهم والعيش من فنهم»، كما يقول هاردي شميت من منظمة «أولي 35». ولكنه يتحدث أيضاً عن هدف آخر بالأهمية نفسها، ويقول: «نريد أيضاً أن نساعد سكان برلين على التأقلم مع فن سوريا لأننا لا نراه غالباً في ألمانيا».
وكانت اللوحات التي تم جلبها من سوريا بطرق مختلفة، دون أن يحضر أصحابها، لا تحمل بالضرورة دلالات على أنها قادمة من سوريا. يقول صافي علاء الدين من منظمة «مدى» للتنمية الثقافية والفكرية، الذي نسق لإحضار هذه الرسومات، إن اللوحات تمثل مدارس مختلفة من الفن، وإن كل فنان اختار أن يعبر عن الحرب والثورة وسوريا بطريقته الخاصة. ويقول: «في الوقت الذي هناك حرب في سوريا لدينا نافذة للشمس. نحن لا نرى فقط القتل والحرب، الفنان لا يريد أن يرسم دائماً الدمار والحرب. هو يرى أموراً أخرى يريد إيصالها مثل السلام والفرح».
بالنسبة للكثيرين من رواد هذا المعرض، كانت هذه اللوحات «مختلفة». يقول شميت إن «الجماليات والألوان مختلفة في الفن الألماني الحديث عن الفن السوري، لذلك فإن الكثير من هذه اللوحات بحاجة إلى الشرح. ولكنها تظهر الكثير عن السوريين وعما يعيشونه ويعانون، وهذا يترجم بفن محدد جداً».
وفي الواقع، بالنسبة لبعض رواد المعرض، فإن القصة خلف اللوحات مؤثرة بقدر اللوحات نفسها. وهو ما تعبر عنه سيدة من الحاضرين بقولها إن «الطريقة التي تم فيها جلب اللوحات تحرك المشاعر».
ويروي علاء الدين أن اللوحات تم شحنها بظروف صعبة من سوريا عبر لبنان ودول أخرى، لتصل إلى ألمانيا «حيث تم تأطيرها بأشكال وأحجام مختلفة ليتم عرضها». ويضيف أنه كان من المستحيل أن يحضر الفنانون بأنفسهم «لأن الأمر معقد وصعب، وهم داخل سوريا في مناطق مختلفة».
كان من الواضح أن الكثير من الحاضرين لا يألفون الفن السوري، ولكن اهتمامهم به كان واضحاً. بعضهم أراد أن «يعرف أكثر» عن البلد الذي قدم منه اللاجئون السوريون لأنهم تعرفوا على سوريين وصلوا إلى برلين. آخرون أرادوا أن يساعدوا الفنانين في الداخل السوري بشراء لوحاتهم. وغيرهم جاء فقط لمجرد الحشرية والاطلاع على «ثقافة جديدة ومختلفة».
لوحات ورسومات سورية في قلب العاصمة الألمانية
لوحات ورسومات سورية في قلب العاصمة الألمانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة