دخل تمثال للرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، الذي توفي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على خط التجاذبات السياسية بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، على خلفية نزاعهما على مدينة كركوك الغنية بالنفط.
وأزالت السلطات التمثال بعد نصبه في قلعة المدينة التي تضم «التكية الطالبانية» التي تعاقب على إداراتها أجداد الرئيس الراحل لنحو ثلاثة قرون. وبررت القرار بـ«عدم الحصول على موافقات مسبقة»، وهو ما رفضه مسؤولون في «الاتحاد الوطني الكردستاني» الذي أسسه طالباني.
وكان قائد العمليات الخاصة في جهاز مكافحة الإرهاب اللواء الركن معن السعدي، الذي يتولى قيادة عملية فرض القانون في كركوك، قال في تصريحات صحافية: إن «نصب التمثال جرى من دون موافقات رسمية، ومن دون علم مقر قيادة فرض القانون، وأيضاً من دون علم المراجع العليا في بغداد وموافقتها. كما لم يكن لمقر الاتحاد الوطني الكردستاني في كركوك علم به، وإنما كان تصرفاً شخصياً من قبل عقيد في قيادة شرطة كركوك بالتنسيق مع أحد المقاولين».
وشدد السعدي على أن طالباني «رئيس سابق للعراق، ورمز من رموز البلاد وقدم الكثير والجميع يعلم إنجازاته، وهو شخصية مرموقة ومحبوبة من قِبل جميع العراقيين على حد سواء بمختلف قومياتهم ودياناتهم». لكنه اعتبر أن «المكان الذي وضع فيه التمثال هو مكان لا يليق بشخص ورمز من رموز العراق، ومن يرد أن ينصب نصباً تذكارياً لرئيس للجمهورية، يجب أن يكون ذلك بموافقات رسمية وباحتفالية رسمية يحضرها كل السياسيين وقادة عسكريون، وممثلون من جميع الجهات، وممثل من الحكومة الاتحادية، من أجل أن يكون افتتاح هذا النصب التذكاري لائقاً برمز من رموز العراق». غير أن عضو لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان العراقي عن «الاتحاد الوطني الكردستاني» شوان داودي قال لـ«الشرق الأوسط»: إن «التبريرات التي قدمتها الجهات الرسمية بشأن عدم الموافقة على نصب التمثال لا تمثل إلا الجزء الظاهر من الحكاية، بينما الأمر لا علاقة له بموافقات من دونها، وإنما يتعلق بكيفية تعامل بغداد مع قضية كركوك».وأضاف: إن «القصة من حيث الظاهر تبدو مقنعة، سواء لجهة عدم التنسيق أو احتمال عدم موافقة اليونيسكو على نصب التمثال؛ كونه نصب في قلعة كركوك التاريخية، وهي مكان تراثي، لكن الجانب المخفي أن بغداد التي تقول إنها تريد فرض القانون في كركوك هي في الحقيقة تعتبر أنها حررت كركوك من النفوذ الكردي، وإلا فإن الخروقات الآن في كركوك أضعاف ما كانت».
واعتبر داودي أن «قرار رفع التمثال جاء بأمر من مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي تحت حجة أن المكان أثري واليونيسكو تعترض وعدم الحصول على موافقات، لكننا كنا نتمنى أن يتم التعامل مع الموضوع بأسلوب آخر يليق بما قدمه طالباني للعراق بصرف النظر عن الحيثيات المرتبطة بالأمر». ورأى أن ما حصل «يمثل إهانة للمكون الكردي، بحيث اضطررنا إلى نقل التمثال إلى مقر المكتب السياسي للاتحاد الوطني بحثاً عن صيغة مناسبة للتعامل معه في المستقبل».
لكن نائب رئيس مركز تنظيمات «الاتحاد الوطني الكردستاني» في كركوك، رواند ملا محمود، قال لـ«الشرق الأوسط» استبعد وجود أسباب سياسية وراء الموضوع، وعزا رفع التمثال إلى «قضية تنسيق كانت تنبغي مراعاتها بين كل الأطراف».
وأوضح أن «التمثال كان بمبادرة من أحد المقاولين من محبي الرئيس الراحل، وأراد أن ينصب التمثال في قلعة كركوك بالتنسيق مع أحد ضباط الشرطة كي يكون مفاجأة لنا من دون أن يعرف أن الأمر يحتاج إلى موافقات وتنسيق مسبق». وأضاف: إن «قوة أمنية رفعت التمثال من مكانه بعد حصول هذه الملابسات، ووضعناه الآن في مقر المكتب السياسي بانتظار الطريقة المناسبة للتعامل معه في المستقبل».
ورأى السياسي الكردي المخضرم عضو مجلس الحكم السابق محمود عثمان، وهو أحد أصدقاء طالباني، أن الواقعة «دليل على فقدان الأكراد أي نفوذ بعد اليوم في كركوك... بصرف النظر عن الملابسات التي أحاطت بقصة التمثال». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «للمسألة بعداً آخر، وهو البعد العراقي، فكل شيء في العراق اليوم مضطرب. وبالتالي، كل شيء يمكن أن يخضع للمنافسات والمناكفات السياسية، حتى لو كان تمثالاً».
تمثال لطالباني يبحث عن مكان في كركوك
تمثال لطالباني يبحث عن مكان في كركوك
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة