كشفت مصادر عسكرية ليبية عن ارتفاع عدد الأعضاء النظاميين في الجيش الوطني الليبي الذي يقوده اللواء خليفة حفتر، إلى نحو 70 ألف جندي وضابط، رغم الشروط الصارمة للانخراط في هذا الجيش الذي يفتقر للموارد المالية، من بينهم نحو 40 ألفا من المجندين الجدد الذين قامت قوات حفتر بتدريبهم تدريبات عسكرية قاسية في الأشهر الأخيرة، والباقون من أفراد ومنتسبي وزارة الدفاع السابقين.
وقالت المصادر العسكرية التي يعمل بعضها في قيادة قطاع حراسة المنشآت النفطية في وسط وشرق البلاد، وأخرى على صلة بغرفة عمليات حفتر في منطقة الأبيار قرب بنغازي، لـ«الشرق الأوسط»، إن القوات التي تشن منذ نحو شهرين «عملية الكرامة» ضد المتشددين، لا تتلقى أي رواتب من الدولة، على عكس الألوف من عناصر الكتائب والميليشيات، التي أكدت المصادر نفسها أن عناصرها تحصل على رواتب تبلغ في المتوسط نحو 2000 دينار ليبي (نحو 1500 دولار، الدولار يساوي نحو 1.2 دينار) من الحكومة والمؤتمر الوطني (البرلمان)، إضافة إلى حوافز مالية كل ثلاثة أشهر على الأقل تصل في المتوسط إلى نحو 13000 دينار، بينما يتقاضى «القادة» في الكتائب والميليشيات مبالغ أكبر من ذلك بكثير.
ويقول العقيد حسين، الذي يؤيد عملية الكرامة، دون أن ينضم إليها، لحاجته للراتب الذي يتقاضاه من الحكومة، إن جيش حفتر، الذي تشكل للمرة الأولى، من نحو ألفي عنصر في المنفى ضمن جبهة سياسية لمعارضة القذافي، في ثمانينات القرن الماضي، يختلف عن الجيش التابع لوزارة الدفاع الليبية الحالية، والتي تعد إحدى وزارات الحكومة.
ويضيف أنه لا يوجد تحت إمرة وزارة الدفاع الرسمية جيش بالمعنى الحرفي للكلمة، وتعتمد كل من وزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش الرسمي، بشكل واسع، على الكتائب والميليشيات المسلحة لحماية المنشآت العامة والمباني التابعة للدولة وتأمين المدن والحدود ومقر البرلمان الذي يهيمن عليه إسلاميون متشددون وموالون للكتائب والميليشيات.
وحين عاد حفتر من المنفى مع تفجر الثورة المسلحة ضد القذافي في 2011. حاول إحياء الجيش الوطني الليبي مع القائد العسكري الذي انشق عن نظام القذافي وقتها، اللواء عبد الفتاح يونس، إلا أن قادة لجماعات يشتبه في أنها من الجهاديين الإسلاميين، أنهوا سريعا فكرة إنشاء جيش يحل محل جيش القذافي، وذلك باغتيال اللواء يونس، وتهميش حفتر في قيادة العلميات ضد قوات النظام السابق، وفقا لرواية العقيد محمود الذي يعمل مع حفتر، وينتمي لقبيلة العبيدي، وهي قبيلة كبيرة في شرق ليبيا ينتمي إليها اللواء يونس. ويقول محمود إنه: «بعد ذلك، جرى إبعاد حفتر عن أي مواقع عسكرية رسمية في النظام الجديد» الذي خلف القذافي منذ خريف 2011.
وأضافت المصادر أنه رغم الإقصاء والتهميش الذي تعرض له حفتر من جانب قيادات الإسلاميين التي سيطرت على المشهد السياسي والعسكري والأمني، من خلال الكتائب والميليشيات، فإنه احتفظ بعلاقات قوية مع قيادات الجيش الليبي النظامي السابق، بمن فيهم القيادات التي انشقت في 2011 وشاركت في قتال قوات القذافي، إضافة إلى علاقاته القبلية والجهوية المعتبرة، مشيرة إلى أنه يتلقى دعما ماليا من وجهاء ورجال أعمال ليبيين يرفضون هيمنة الإسلاميين المتشددين على الحكم.
ويتقاضى العاملون العسكريون وشبه النظاميين في عدة مواقع رسمية، مثل حراسة المنشآت النفطية، رواتب من الدولة، رغم توقف جانب كبير من العمل في أجزاء من هذا القطاع، بسبب الاضطرابات الأمنية، خاصة بعد سيطرة جماعات مسلحة، منذ أشهر، على المصافي وموانئ التصدير في وسط وشرق البلاد، من بينها جماعات توالي حفتر، في الشرق، وأخرى تضغط على الحكومة للحصول على نصيب أكبر من الثروة، في الوسط.
وأمام المشهد المضطرب الذي دخلت فيه ليبيا، ومع تنامي نفوذ الإسلاميين، ووقوفهم وراء قانون العزل السياسي، وتعرض العشرات من قادة الجيش والأمن السابقين للاغتيالات، ورفضهم فض دورة البرلمان في موعد انتهاء مدة عمله قانونا، بدأ حفتر في عقد لقاءات مع الكثير من الأطراف في العاصمة طرابلس لإيجاد صيغة للخروج بليبيا من نظام دولة الميليشيات والفوضى إلى الدولة الموحدة، واستمر ذلك حتى الشهور الأولى من هذا العام، وفقا للمصادر نفسها.
لكن الحكام الجدد، وفقا للعقيد حسين، تعاملوا مع حفتر على أساس أنه يدعو لانقلاب عسكري، وأصدروا أمرا بتوقيفه وتوقيف من كان يحضر الاجتماعات معه، ما دفعه إلى التحصن مع مساعديه في منطقة الأبيار العسكرية القريبة من بنغازي. وتقع منطقة الأبيار وسط معسكرات ومدارج للطيران ودشم ومناطق تسيطر عليها الآن قوات الجيش الوطني.
وتمكن حفتر من بسط يده على الغالبية العظمى من المعسكرات الأخرى أيضا، خاصة في المنطقة الشرقية، التي كانت تابعة للجيش الليبي في عهد القذافي، بما فيها من مبان وبقايا للعتاد العسكري، وشكل فرقا تتبع نظاما عسكريا صارما في التدريب والانضباط العسكري، انخرط فيه ألوف المتطوعين. ويشارك في حملة التطوع في الجيش الوطني عسكريون وذوو عسكريين وضعتهم الميليشيات على قوائم الاغتيالات.
وقالت المصادر إن من يشتبه في انتمائهم للكتائب والميليشيات المتشددة قتلوا ما لا يقل عن 147 من ضباط الجيش الليبي السابق في بنغازي وبعض المدن الأخرى، خلال العامين الأخيرين، وأن من بين أسباب هذه الاغتيالات التي جرت إما بالسيارات المفخخة أو بإطلاق الرصاص مباشرة على الضحية، الحيلولة دون عودتهم للعمل مرة أخرى، خاصة بعد الضغط الشعبي على الحكومة والمؤتمر الوطني لضم عناصر الكتائب والميليشيات إلى الجيش المفترض أنه سيتبع وزارة الدفاع الرسمية.
وأوضحت المصادر العسكرية التي زارت على مدار الشهرين الأخيرين مواقع وتجمعات للجيش الوطني، أن حفتر وضع أسسا يجري التعامل وفقا عليها: «تليق بجيش محترف» وتلقى «قبولا وترحيبا ودعما» من قيادات ليبية شعبية بينهم رجال أعمال، ومن هذه الأسس «ترك الانتماءات القبلية والسياسية للجنود والضباط خارج المعسكرات»، و«الإيمان بأن الجيش الوطني لا يسعى لتولي السلطة، ولكنه يسعى فقط لحماية الشعب والأمن القومي للدولة الليبية».