متحف النسيج المصري... زمن الأجداد على أقمشة الكتان

معروضاته أقدمها إبداعات النساجين الفراعنة قبل أكثر من 6000 سنة

مجسم للنول القديم («الشرق الأوسط») - أدوات مستخدمة في صناعة النسيج («الشرق الأوسط»)
مجسم للنول القديم («الشرق الأوسط») - أدوات مستخدمة في صناعة النسيج («الشرق الأوسط»)
TT

متحف النسيج المصري... زمن الأجداد على أقمشة الكتان

مجسم للنول القديم («الشرق الأوسط») - أدوات مستخدمة في صناعة النسيج («الشرق الأوسط»)
مجسم للنول القديم («الشرق الأوسط») - أدوات مستخدمة في صناعة النسيج («الشرق الأوسط»)

لدى المرور في شارع المعز لدين الله الفاطمي تجتذبك لوحة إعلانية مثبتة على جدار مبنى «متحف النسيج المصري» الأثري المهيب، وقد ينتابك الفضول لتدخل وتتعرف ما بداخله من مقتنيات.
منذ أيام زرت المتحف بصحبة مديره الدكتور أشرف أبو اليزيد؛ وتجولت في أروقته وقاعاته التي تضمّ عدداً هائلاً من المقتنيات الأثرية من النسيج المصري عبر العصور الفرعونية والقبطية والطولونية والمملوكية والعثمانية فضلاً عن عصر محمد علي مؤسس مصر الحديثة.
عند مدخل المتحف استقبلني أحد أمنائه، وهو مسمى وظيفي لخبرائه ومرشديه الذين يصطحبون الضيوف والزّوار ويتابعونهم بالشرح التفصيلي لما يشاهدونه من تحف وقطع أثرية.
اقتادني الرجل إلى المصعد، ثم توقف قائلاً: «في الأعلى ستجد من يعاونوك على إنجاز مهمتك». تحرّك المصعد الذي كان أحد عناصر التطوير التي لحقت بالمكان بعد ترميمه في عام 2000، في عهد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، ضمن مشروع تطوير شارع المعز والقاهرة التاريخية. وحين توقف، لم يكن هناك سوى طابق واحد فقط، به سبع قاعات، أمّا الطابق الأرضي فلا يضم سوى أربعة أخرى، إنّه وقت التعرف بالعزف المتواصل على عبقرية خيوط النساج المصري في مجال تفرد فيه منذ أربعة آلاف سنة قبل الميلاد.
المبنى الذي بناه والي مصر محمد علي باشا في شارع المعز لدين الله الفاطمي سبيلا ومدرسة صدقة على روح ولده إسماعيل عام 1828، تشير لوحته القديمة التي ما تزال على الجدار إلى ذلك، منسوبة إلى الشارع الذي كان قبل تسمية المعز يعرف باسم شارع النحاسين. المتحف بقاعاته العلوية يعرض منتجات نسيجية لفترات من حياة مصر في العصور الإسلامية المختلفة، ويطلّ على مسجد السلطان قلاوون، وقد تقرر استغلاله في ذلك بعد ترميمه وإعادة بناء بعض حوائط المدرسة التي تهدمت بسبب الإهمال.
في مكتب الدكتور أشرف أبو اليزيد جلست لنصف ساعة، استعرض الرجل خلالها حالات الكتان المصري بين أنامل النساجين الفراعنة وإبداعاتهم قبل أكثر من 4000 سنة قبل الميلاد، بدءا من الملابس وأغطية الرأس التي سبقت عصور الموضة الحديثة، وأوصى المصري القديم بوضعها في مقبرته إيمانا منه بالبعث والحياة بعد الموت، وحتى المفروشات التي تزينت بها الحوائط والأرضيات مروراً بالملاءات وليانات الأسرة والوسائد والمناشف والفوط وحتى حفاضات الأطفال التي تشير إلى أنّ المصريين لم يتركوا شيئا للعالم يخص حياة الإنسان ليكتشفه قبلهم، حتى المغاسل العمومية عرفوها، وهناك أحجار معروضة ضمن المقتنيات في الطابق الأول، تقوم بدور «إيصال» مبين عليه قائمة بعدد القطع التي سلّمها الشخص لصاحب المغسلة وشكلها، حتى إذا جاء يتسلمها بعد غسلها كان يستند بذلك لتلك الوثيقة.
أخبرني الدكتور أبو اليزيد أنّ الخزان الكبير الذي كان يمتلئ بالمياه لسقاية الناس مدفون تحت قاعات عرض المختارات من المنسوجات الخاصة في مصر الفرعونية، ولأنّه لم يعد له وجود على السطح تقوم الأنوال المعروضة وقطع النسيج والملابس الفرعونية وغيرها بدور إرواء أرواح الزائرين بدلا من أبدانهم، وهو الأهم حالياً في ظل ما يتعرض له الإنسان المصري من عوامل تؤثر على انتمائه لروحه وتاريخه وطبقاته الحضارية التي تشكل عماد وجوده وتميزه.
يأتي متحف النسيج المصري باعتباره ثاني مبنى تاريخي يُستغل في عرض المقتنيات بعد جاير أندرسون المعروف ببيت الكراتلية، لكنّه يتميز حسب الدكتور أبو اليزيد باعتباره ثالث متحف متخصص لعرض المنسوجات في العالم وأكثرها أهمية لما يضم من معروضات، فضلا عن كونها مقتنيات مصرية تنتسب إلى أول حضارة عرفت النسيج في العالم، وكان لها اختياراتها في نوع معين منه وهو الكتان دونما غيره. نعم عرف المصريون القطن، لكنّهم لم يفضلوه، كما أنّهم رفضوا ارتداء الصوف، ونزعوا عنه القداسة واعتبروه مدنسا. لقد عرف المصريون الملابس كاملة بما فيها مئزر توت عنخ أمون الموجود ضمن معروضات الطابق الأرضي ويشبه الملابس الداخلية، هناك أيضا زي كامل لرجل دين تعرضه القاعة الثانية المخصصة للنسيج الجنائزي إلى جانب لفافات كتان تحيط بهيكل أعد على شكل مومياء.
عاش المصريون هذا التطوّر في الوقت الذي كانت البشرية تتدثر بالجلد وفراء الحيوانات، كما أدركوا جيدا، والكلام لأبو اليزيد، أن المنسوجات تتكون من خيوط رأسية وأخرى أفقية، وأنّ السنتيمتر المربع لكي يكون النسيج منتظماً وقوياً لا بد أن يحتوي على 160 خطا رأسياً و120 أفقياً، وقد حدث هذا قبل الميلاد بـ4000 عام، كما أنّ تفضيلهم للكتان يعني وعيهم بكونه أفضل صحياً لجسم الإنسان من القطن والصوف. وقد وصلوا لتقنيات تعرف في صناعة النسيج بالبليسيه وتجعل القماش يحتوي على كشكشات منمنمة لا تزول أبدا حتى بعد غسله، وقد نفذ ذلك العامل المصري، فكان بعد ما ينتهي من قطعة النسيج يعرضها لبخار شديد ساخن، ويثني بعد ذلك جزئياتها ثم يغطيها بحجر، لتأخذ الشكل المراد، وهناك ضمن المعروضات في قاعة النسيج الجنائزي فستان مصمم بهذه التقنية، وهو لسيدة متوفاة أخذته معها ضمن متاعها الذي يضم 12 قطعة بالغة الجمال والذوق.
وتضم القاعة نفسها بعض وثائق تعود للأسرة الأولى 3200 قبل الميلاد، ضمن ما يسمى لوحات حلوان، كتب فيها أحد المتوفين أنّ متاعه الجنائزي يتضمن 10 قطع كتان فاخر ومثلها متوسط وأخرى من النوع الخشن، وهو ما يراه أبو اليزيد دليلا على أن المصريين صنعوا أقمشة الكتان بدرجات تتناسب والحالة المادية لكل شخص، كما أنّهم صنعوا قفازات طويلة تنتسب لعصر الأسرة القديمة «2686 - 2181 قبل الميلاد»، غاية في الروعة تضعها المرأة لتغطية ساعديها كنوع من الإكسسوارات النسائية ترتديها في المناسبات التي تُدعى إليها، وهي تشبه ما كان يرتديه الكاهن في الاحتفالات الدينية، وتتميز الأخرى بألوان زاهية ما زالت محتفظة ببريقها حتى الآن.
في الجولات المجدولة التي ينظمها المتحف على رأس كل ساعة، كان هناك كثير من الأطفال يشاهدون مقتنياته، راح يتابعهم هاني سعيد أحد المرشدين الذي كان يشاركني جولتي، ويختص بمنسوجات مصر عبر تاريخها الإسلامي. وراح يشرح لهم بعض مقتنيات العصر المملوكي ومعنى الإشارات والرتب التي كان عليها العاملون في قصور سلاطينه. وكان بعضها يشير إلى وظيفة الساقي والخيالة فضلا عن ملابس كاملة لأحد المقربين من أصحاب الوظائف العليا.
دور سعيد يتلخّص في متابعة الضيوف والرواد وتقديم المعلومات الكافية عن كل قطعة من المقتنيات النسجية التي نفذها المصريون في تلك الفترة من تاريخهم، وقد أشار إلى أنّ المصريين كانوا في مراحل انتقالهم من فترة لأخرى يصطحبون رموزهم القديمة ويدخلونها في أزياء ومفروشات المرحلة التالية، كما كانوا يسعون لتطويع رموز المرحلة الجديدة فيما ينفذون من إبداعات نسجية، وكانوا يدخلون كل مرحلة مسلحين بماضيهم، وهو ما يظهر في علامة «العنخ» التي رسمها النساج المصري على المفروشات وما ينفذ من منسوجات، كما يظهر ذلك واضحا في استعانتهم بالأشكال التجريدية والزهور والمثلثات عند صناعة السجاد للأرضيات والحوائط، وكان النسيج يكتب عليه باللغة القبطية والعربية جنبا إلى جنب، وظل ذلك حتى العصر الفاطمي. وهناك مفرش كامل كان يغطي باب التوبة في الكعبة المشرفة فضلا عن 4 قطع من كسوة الكعبة.
ولفت أبو اليزيد إلى أنّ هناك كثيرا من القطع النسجية المصنوعة بما يعرف حالياً بالجوبلان والتابستري، وهو نفسه قماش «القباطي» الذي عرفه المصريون في الدولة الحديثة، حيث كان المصري القديم يرسم زخارف نسجية فوق قطع القماش بعد أن يرفعها من النول، وتوجد ضمن مقتنيات المتحف قطعة من عصر الملك تحتمس الثالث تشير إلى ذلك.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.