اختتم «معرض دلهي للفنون 2018» فعالياته أخيراً في العاصمة الهندية بعد أن شهد تألق فنانات قدمن للمشاركة من مختلف أنحاء العالم. وتميز هذا الحدث الكبير الذي احتضنته دلهي في نسخته العاشرة، بالروعة والإبهار وكمية المعروضات الفنية التي جاء بعضها من الهند ومن الدول المجاورة ومن مختلف أنحاء العالم، وللمرة الأولى شارك فيه ثلاث فنانات من البحرين، كما شاركت فنانة المالتميديا البنغلاديشية طيبة بيغوم ليبي، المعروفة بأعمالها المعبرة التي تعكس القضايا النسائية وحقوق المرأة، من خلال المنحوتات والنماذج المعدنية، بأعمال استخدمت فيها شفرات الحلاقة في عمل فني عن الحجاب حمل اسم «كشف الأنوثة» الذي ترك انطباعاً قوياً.
وفي تعليقها عن طبيعة أعمالها، قالت ليبي: «ترتكز أعمالي على صنع مجسمات ومنحوتات؛ لأن هذا الاتجاه هو الأقرب إلى حياتي الخاصة».
وأشار خبراء الفن إلى أنه على الرغم من هيمنة الرجال على مجال الفنون في الهند، فقد بدأت الفنانات ببيع أعمالهن بأسعار منافسة. ومن بين الفنانات المشاركات كانت بهراتي خير، المعروفة باستخدامها الـ«بندي»، وهي النقطة الحمراء اللامعة التي تضعها الهنديات على جباههن، وهي العلامة التي تتكرر في الكثير من أعمالها. وقد بيع أحد أعمالها في معرض العام الماضي بسعر تعدى 15 ألف دولار، ليكون بذلك أغلى عمل فني هندي نسائي بيع خلال عام 2017.
في السياق ذاته، أشادت فيروز كوجرال، الفنانة المغرمة بجمع الأعمال الفنية، بتنامي الاهتمام بالنقد الفني للفنانات، مشيرة إلى أن «المعرض يعكس تطور أعمالهن». وعلى الرغم من قلة الأسماء اللامعة بين الفنانات في الهند، فقد تمكنّ من التألق والانتشار عالمياً، وبات بعضهن يترأس المتاحف والمعارض الفنية الكبرى، وظهر بينهن المغرمات بجمع التحف الفنية واقتنائها، وكذلك تمثيل دار المزادات العالمية.
جاء المعرض في نسخته العاشرة العام الحالي بما تضمنه من لوحات وصور فوتوغرافية تجريبية، وأعمال تعبيرية تجريبية ومشروعات ووسائط مختلطة ليرفع سقف المعروضات بمعرض دلهي الفني لآفاق أرحب. فقد ضمن المعرض العام الحالي 78 صالة عرض من 18 دولة، ليجمع بذلك معروضات، وفنانين، وهيئات خاصة وجمعيات خيرية، ومجموعات فنية، ومؤسسات وطنية، ناهيك عن المنتديات الثقافية والمهرجانات الفنية المتنوعة التي جاءت من مختلف بلدان العالم لتلتقي كلها تحت سقف واحد.
ونجح الحدث الفني الرائع في اجتذاب الزوار المهتمين بالفنون، مثل القائمين على المتاحف والمعارض والفنانين، وجامعي المقتنيات الفنية، والصحافيين وأصحاب صالات العرض، وكذلك النقاد ومحبو الفنون. تتباين نوعيات الزوار ما بين مشترين حضروا لاقتناء ما يروق لهم من معروضات، في حين ينظر آخرون إلى الحدث باعتباره صالة عرض يحضرون إليها للاستمتاع بالمشاهدة وقضاء يوم خارج البيت. وأفاد كثير من العارضين بأنهم حقّقوا مبيعات مرتفعة، ومنهم على سبيل المثال، سلسلة معارض «ديفيد زويرنر» في نيويورك ولندن التي تشارك في المعرض للمرة الأولى. وشهد الحدث حضور معارض ذات أسماء براقة، مثل معرض «بلين ساوثرن» في لندن وبرلين، و«صابرينا أرماني» في مدريد، و«أيكون غالاري» في نيويورك.
الفن العربي
من البحرين شاركت الفنانة البحرينية لولوا الخليفة بلوحتين حملتا اسم «انشقاق»، وتتميّز لوحاتها بالجرأة والألوان النابضة بالحياة. وقد سبق لها عرض أعمالها في لندن، ونيويورك، وميامي، وعمان، ونيودلهي، ومومباي، وغيرها من الأماكن. وتعدّ لولوا الخليفة فنانة عصامية علّمت نفسها بنفسها بعد أن انتقلت من مجال الأدب إلى الفنون. وعن بداياتها تقول: «طلبت مني ابنتي ذات مرة أن أرسم لها شرفة. وبالفعل رسمت وأحببت التجربة؛ إذ شعرت بعدها أنّ الرّسم يخرجني من أعماق الحزن، ولم أعد أنظر إلى الخلف بعد ذلك». واستطردت قائلة: «عندما أشعر بأن مشاعري باتت مستهلكة، أحاول أن أخرج ذلك في عمل الكنافا، لكن عندما أقوم بكل ذلك أشعر بأن الفوضى قد عمّت غرفتي، حيث تتناثر فُرش الرسم هنا وهناك. وعندما أنظر إلى الفوضى أشعر بالسكينة».
في حين شاركت الفنانة البحرينية بلقيس فخرو، التي تتمحور أعمالها حول معنى «الانتماء» وذكريات المكان. فقد أعطى استخدامها اللّون الأحادي في لوحاتها بعداً جعلها قريبة الشبه بما نراه في الحلم، إضافة إلى إحساس الغموض. أما الفنانة البحرينية مايسة، فتتميّز لوحاتها بالأناقة والسمو، وهما السمتان الطاغيتان على غالبية أعمالها التي تعكس خبراتها السابقة ككاتبة وفنانة في وسائط إعلامية مختلطة. في هذا الصدد، قالت بلقيس فخرو: إن «الفن موسيقى مرئية»، حيث تعيد أعمالها الحياة إلى المشاعر التي تكتشفها في موسيقى موتزارت وسترافنسكي.
تستوحي بلقيس إحساس البساطة والصفاء الذي يطغى على أعمالها من أحد فنانيها المفضلين وهو ليوناردو دافنشي، الذي قال ذات مرة: إن «البساطة هي قمة الرقي». ولمواجهة الانطباع السلبي عن المرأة العربية، عمدت غالبية الأعمال المعروضة إلى دحض هذا الفكر. وفي هذا الصدد قال مدير المعرض: «الفنانات البحرينيات لبقات، وقد تلقين تعليماً رفيعاً، ولهن آراء سياسية قوية، ناهيك عن الشخصية القوية؛ وهو ما انعكس على أعمالهن».
ومعروف عن الفنانة البحرينية ميساء عشقها لفن الكنافا وعلم الحساب، وتستطيع أن تلحظ ذلك في أسلوبها الذي يتميز بالرقة والجرأة في الوقت نفسه. وهي أيضاً كاتبة وفنانة وسائط إعلامية، ويظهر عملها المعروض تأثرها بروايتها المفضلة «الساعة الخامسة والعشرون» للكاتب ديفيد بينوف. تدور أحداث الرواية عن رجل ألقي به في السجن ظلماً، وتسلط سطورها الضوء على حياته وعزلته العقلية والجسدية وفقدانه هويته. وتعكس لوحتها صفحات تلك الرواية ومعنى السطور التي استهوتها بعد أن وضعت تحتها خطاً أزرق. تتضمن لوحتها كذلك بعض الصور الظلية لسيناريوهات تحدث داخل الزنزانة يطغى عليها اللون البني والأسود والأبيض لتحاكي ألوان السجن الكئيبة.
أفكار هيمنت على المعرض
شاركت الفنانة الهندية الشابة سادبيتا داس بنحو مائتي منحوتة على هيئة أشخاص يتدلون من السقف لترمز إلى المعاناة الجسدية والنفسية للاجئين وإلى إحساسهم بالضياع. استغرق العمل الذي حمل عنوان «التحليق في اللامكان» نحو شهرين كي يكتمل. وقالت داس، إن عملها لا يصور إحساس الهوية والانتماء للمشردين فحسب، بل يصور الألم والمعاناة اليومية التي يعيشونها، وهذا ما نراه في العالم العربي الذي شهد فرار الملايين من أبنائه، مضيفة: «هم يعيشون حياتهم وسط كل هذا الألم».
وقد احتفل معرض الهند الفني بمشاركة أعمال الرسامة المجرية الهندية البوهيمية أمريتا شير غيل التي اشتهرت باسم فريدة كحلو، والتي تعدّ أحد أشهر الفنانات الهنديات في العصر الحديث، والتي توفيت عام 1941 عن عمر 28 سنة. ويستطيع الزائر مشاهدة عدد من الصور الفوتوغرافية النادرة لها التي التقطها والدها. وتُعتبر أعمالها الأغلى سعراً بين أعمال الرسامات الهنديات وهي المفضلة لجامعي اللوحات القيمة.
الإقبال على الفن النسائي
كان من المشجع خلال العقد الماضي ملاحظة ارتفاع شعبية الفن النسائي في المعارض الفنية والمتاحف والمجموعات الفنية المعروضة بمختلف أنحاء العالم.
أفاد أرفين فاجيموهان، مؤسس معرض «أرتري أنديا» الفني، بأن السنوات الثلاث الماضية شهدت زيادة الإقبال على الفن النسائي الذي انعكس على زيادة مبيعات أعمالهن، وقد بدأ هذا الاهتمام عام 2009، وتجلى في الأعمال المهمة للفنانات وتضاعفت أعداد المشترين الذين ابتاعوا أعمالهن بدرجة كبيرة».
نستطيع القول، إن الفنانات الهنديات نجحن في أن يصنعن أسماء كبيرة من خلال مجموعة متنوعة من الموضوعات العامة التي تناولنها. من ضمن الأمثلة البارزة كانت لوحة «شرقي هو غربك» التي عرضت خلال «بينالي فينيس» الدولي عام 2015، حيث يعدّ الحدث أحد أبرز الفعاليات الفنية في العالم، والتي نادراً ما تشارك فيها شبه القارة الهندية. وشهد المعرض حالة من التعاون الفني بين الفنانة الهندية شيلبا غوبتا وفنان باكستاني ليعكسا من خلاله العلاقة المعقدة بين البلدين الجارين.
وفي تصريح خلال المعرض، صرحت الفنانة الهندية المقيمة في مدينة مومباي، برندا ميلر، المديرة السابقة لمعرض «كالا غودا» الفني ذائع الصيت، قائلة: «لا أعتقد أن مشتري الأعمال الفنية يهتمون كثيراً بجنس الفنان، فهم يشترون ما يروق لهم وما يعجبهم. ولذلك؛ أتعجب من قلّة عدد الفنانات مقارنة بالفنانين، لكن هذا هو الحال في جميع المجالات». وتؤيد الفنانة المعروفة ريكا راو، ابنة الفنان الشهير كي كي هيبر، هذا الرأي، حيث تقول: «المشتري المستنير يبحث عن المحتوى ذي المعنى والذي يمسّ وتراً حساساً في داخله. فحب الإنسان ونفوره من العمل الفني هو ما يحدد استجابته».