> يمكن أن نعتبر عرض ماريا غراتسيا كيوري، مصممة دار «ديور» في الأسبوع الماضي احتفالاً بيوم المرأة العالمي.
فمن غير الممكن أن يمر هذا اليوم مرور الكرام بالنسبة لها ومن دون أن تقدم فيه التحية لبنات جنسها. فالموضة بالنسبة لها هي الوجه الخارجي الذي تعبر به المرأة عما يعتمل بداخلها. لهذا يمكن القول إن عرضها في الأسبوع الماضي كان تحية لها واحتفاء بيومها العالمي. ما أثبتته المصممة منذ دخولها الدار الفرنسية العريقة كأول مصممة فنية لها، أنها تلعب في ميدان أنثوي محض. ومنذ أول عرض لها أعطت الإشارة بأنها ستقود ثورة نسوية بأسلحتها، وهو ما ظهر في تصاميم ديناميكية وقوية، وفيما بعد في «تي - شيرتات» كتبت عليها شعارات مثل «We should All Be Feminists وغيرها. وقد يذهب البعض إلى القول إنها سبقت حملة «#MeToo و#timesup» وتتعاطف معها في الوقت ذاته.
في عرضها لخريف وشتاء 2018 و2019، عادت بها إلى ستينات القرن الماضي، الحقبة التي شهدت تحرر المرأة ودخولها مجالات العمل وما شابه من أمور. وحتى لا تتوه وتُضيع فكرتها ركزت على 1968 العام الذي زُرعت فيه بذرة الثورة الشبابية. في متحف «لو رودان» تغطت الجدران من الأرض إلى السقف بصور مأخوذة من هذه الفترة وأغلفة مجلات قديمة تحتفل بالمرأة ونضالها من أجل الحصول على بعض حقوقها. وتقول ماريا غراتسيا إن تركيزها على الجانب الشبابي في الحركة يعود إلى زيارة قامت بها إلى معرض أقيم في المتحف الوطني للفن المعاصر في مسقط رأسها روما، وكان يدور حول 1968. عندما عادت إلى باريس توجهت مباشرة إلى قسم الأرشيف تبحث في تاريخ الدار، وتحديدا كيف تفاعل مصممها آنذاك مارك بوهان مع تحولات هذه الفترة. خلال بحثها شدتها صورة يعود تاريخها إلى 12 سبتمبر (أيلول) من عام 1966 لمجموعة من الفتيات يتظاهرن أمام محلات «ديور» وهن يحملن لافتات كتب عليها «تنورات قصيرة إلى الأبد». كن يُعبرن عن رفضهن لأسلوب الدار التي كان يعتمد على التنورات الطويلة والمستديرة. تفاجأت أن مارك بوهان لم يقاوم موجة التغيير بل تجاوب معها بإطلاق خط «ميس ديور» للأزياء الجاهزة، ولأول مرة، حتى يلبي ذوق زبونات شابات. كان هذا كافيا لكي يؤكد لكيوري أن الموضة كانت ولا تزال ترمومترا للكثير من الأحداث والتغيرات الاجتماعية وبأنها تنصت دائما للمرأة وهو ما يحصل حاليا. إلى جانب التاريخ، كانت هناك لفتة واضحة في العرض إلى ديانا فريلاند، التي ترأست مجلة «فوغ» النسخة الأميركية، وعايشت هذه الحقبة وسجلتها في العديد من الصور، سواء من خلال أغلفة المجلة أو مقولات. بالنسبة لفريلاند، كانت الستينات الفترة التي أخذت فيها العارضات «مكانتهن الصحيحة وأصبحن يُعرفن بأسمائهن» بعد أن كن مجرد وجوه على شماعات. فريلاند هي التي ابتكرت أيضا عبارة «زلزال الشباب» Youthquake في عام 1968 لتصبح لصيقة بالحركة الشبابية، التي تبنتها ماريا غراتسيا بعد خمسين عاما على إطلاقها. ما قامت به المصممة أنها أخذت الخيط وأعادت إحياء مفهوم حقبة انقلبت فيها قواعد الأزياء رأسا على عقب. «لقد تغيرت فيها الأجسام والأذواق والسلوكيات بشكل غير طريقتنا في ارتداء الملابس والتعامل معها إلى الأبد» حسب تصريحها. قبلها كانت الأزياء تخضع للمساءلة والقيود الاجتماعية، لكنها خلال هذه الثورة أعادت ابتكار نفسها مستعملة التنورة القصيرة والفساتين التي تخاصم الخصر كسلاح للتمرد على المتعارف عليه.
المشكلة أن التاريخ يعيد نفسه، بدليل أنه رغم توالي السنوات والعقود ها هي المرأة تجد نفسها تعاني من المشاكل نفسها التي كانت تعاني منها جدتها في بداية القرن العشرين من تهميش وتحرش جنسي وعدم تقاضي الأجور التي يتقاضاها الرجل نفسها وما شابه. قيود أخرى جديدة تسللت إلى حياتها وتكاد، إلى حد ما، تُلغي ما تحارب المرأة من أجله منذ عام 1800 إلى اليوم، ما أنجزته وما طالبت به ولم يتحقق في زمنها.
عندما قدمت ماريا غراتسيا كيوري في العام الماضي «التي - شيرت» الذي كتبت عليه شعار We should All Be Feminists لم يكن الأمر تحريضا بقدر ما كان دعابة تجارية جست بها النبض، وحققت المطلوب على كل الصعيد التجاري. وهذا ما تنوي تكملته في مسيرتها لخريف وشتاء 2018 - 2019. فقد كثفت الجرعة باقتراح 64 قطعة تحتفي بالمرأة المستقلة والقوية. امرأة تتحدى النمطية حتى في الأزياء، حيث لم يكن في التشكيلة أسلوب واحد. الفكرة التي انطلقت منها أن توفر للمرأة كل الخيارات حسب ما يناسب شخصيتها وميولها. فـ«فن التحرر» بحسب المصممة أن يختار «المرء صورته الخاصة بنفسه وكما يراها ويريدها». والنتيجة كانت مجموعات متنوعة من التنورات الاسكوتلندية بأطوال مختلفة وخامات جديدة، وسترات رجالية ومعاطف قصيرة، إضافة إلى الكنزات المطرزة والفساتين التي تم تقصيرها عن قصد، إشارة إلى موضة ظهرت في الستينات ولا تزال تتجدد في كل موسم. وهذا يعني أن فساتين السهرة الفخمة والأحذية ذات الكعوب الرفيعة اختفت لتحل محلها فساتين مطبوعة بالورود، أيضا ارتبطت بمفهوم تحرر المرأة وقوتها في تلك الحقبة، والأحذية ذات الكعوب العريضة لتسهل حركتها.
من كل قطعة أرسلتها في الأسبوع الماضي كانت تتراءى صورة جديدة وقديمة في الوقت ذاته. فما نجحت فيه ماريا غراتسيا كيوري أنها لم تقدم ثورة بالمعنى الجديد، لكنها ذكرتنا بأن الموضة لها القدرة على التأثير في المجتمع، وبأنها يمكن أن تكون دافعا للتغيير في أي زمن وأي مكان.
ماريا غراتسيا كيوري لم تتخل عن ثورتها الناعمة
أفكار وقضايا نسوية تتزامن مع يوم المرأة العالمي
ماريا غراتسيا كيوري لم تتخل عن ثورتها الناعمة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة