كيف تنوي الصين تغذية 1.4 مليار إنسان ذي «شهية متنامية»؟

توظيف العلوم والتقنية لتعزيز المصادر الغذائية المتواضعة

TT

كيف تنوي الصين تغذية 1.4 مليار إنسان ذي «شهية متنامية»؟

تتعامل الصين حالياً مع لغز محيّر: كيف لها أن تلبّي الحاجات الغذائية لخمس سكان العالم بأقلّ من عشر مزارعها، وتتأقلم في الوقت نفسه مع الأذواق المتغيرة؟
قبل 30 عاماً، كان ربع سكّان البلاد يعيشون في المدن. ولكن بحلول عام 2016، ارتفعت نسبة هؤلاء السكان إلى 57 في المائة يعيشون في صينٍ أغنى وأكثر تقدّماً على الصعيد التقني، مع نمط غذائي ينحاز تدريجياً إلى الغرب. إذ بات الصينيون يتناولون ثلاثة أضعاف اللحوم التي كانوا يتناولونها عام 1990، وتضاعف استهلاكهم للحليب ومنتجات الألبان أربع مرات بين عامي 1995 و2010 في صفوف سكان المدن، وما يقارب ست مرّات بين سكّان الأرياف. كما أصبحت الصين اليوم تشتري كميات أكبر من الأطعمة المصنعة، ارتفعت إلى ما يقارب الثلثين من عام 2008 حتى عام 2016.
ومع تنامي أعداد الصينيين الذين يفضّلون الطعام الغربي، تسارع الصين إلى تطوير أنواع من المزارع المتطورة، إضافة إلى تعزيز المزارع الصغيرة فيها.
مصادر متواضعة
ولأن مصادر الصين الزراعية متواضعة جداً، يحتّم تمويل هذا الاتجاه الغذائي الجديد عليها أن تتجه إلى الخارج، ويدفع الحكومة إلى تشجيع ومساعدة الشركات الصينية على الاستحواذ على مزارع وشركات غذائية في الولايات المتحدة وأوكرانيا، وتنزانيا، والتشيلي. ولكن الصين معروفة بتحقيقها اكتفاء ذاتياً في محاصيل الحبوب كردّ ثابت في مواجهة العزلة الاقتصادية، وما يترتب عليها من آثار داخل البلاد أيضاً. قال الرئيس الصيني شي جي بينغ عام 2013 خلال مناقشة السياسة الغذائية مع مسؤولين ريفيين: «يجب على وعاء الأرز الصيني أن يحتوي على الإنتاج الصيني بالمرتبة الأولى».
يثير هذا الأمر سؤالاً محيّراً بعض الشيء: كيف ستتأثر الزراعة لدى الصينيين أثناء محاولتهم سدّ احتياجاتهم الغذائية والتحوّل نحو الطعام الأميركي في آن معاً؟
قد يبدو التفاوت بين الغذاء الزراعي والطلب في الصين معضلة لا يمكن تجاوزها، خاصة وأن هناك 334 مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة، 37 مليون منها ملوّثة أو مستثناة بهدف الاستصلاح، مقابل 1.4 مليار شخص يجب تلبية حاجاتهم الغذائية. ولكن المزارع الكبرى التي تموّل الغذاء الغربي يستحيل تقليدها هنا. ويعود جزء من هذه الاستحالة إلى وجود غالبية الأراضي الزراعية في الصين في الجبال أو الصحراء، بالإضافة إلى كون الأراضي الزراعية موزّعة على نحو 200 مليون مزرعة.
تعتبر الطبيعة الصغيرة والمجزأة للمزارع الصينية عامل الاختلاف الأول بينها وبين المزارع الغربية، مما يجعلها غير مناسبة للوسائل المستخدمة في كثير من الدول الصناعية لإنتاج الغذاء. يقول هوانج جيكون، خبير متخصص في الاقتصاد الغذائي في جامعة بكين إنّه في حال كانت الصين تسعى لمواكبة الأذواق الغذائية المتغيّرة فيها بالاعتماد على المحاصيل المحلّية، هناك بعض التغييرات التي يجب أن تقوم بها. يرى الخبير أنه على الحكومة تحديث وسائل الريّ، وتوسيع انتشار التقنية والميكنة. ولكنّه يشدّد على أن أهمّ عنصر في تلبية حاجات الصينيين الغذائية من الإنتاج المحلّي يستوجب توسيع المزارع الصغيرة في البلاد.
مزارع صغيرة
قد يبدو الحلّ بسيطاً، إلا أن الخبراء الصينيين حذّروا في حديث لمجلة «ناشيونال جيوغرافيكس»، من أن التوسع ليس دائماً الخيار الأفضل. إذ تقدّم محاصيل الصين الأساسية من ذرة وأرز وقمح أفضل أنواع الإنتاج ولكن بكميات متواضعة في الفدان الواحد. ورجّحت دراسة أن أفضل الأراضي للزراعة هي التي تتراوح مساحتها بين خمسة و17 فداناً. إذ يقول فريد غيل، باحث في الاقتصاد في وزارة الزراعة الأميركية إنّ المزرعة الصغيرة المساحة تعني أن المزارع سيمضي وقته في التعشيب والعمل المكثّف، مما سينعكس على الإنتاج في كلّ فدان، فيكون غالباً أكبر من إنتاج فدان استخدمت فيه آلات كبيرة. ولكن خطّة الصين لا تهدف إلى دمج المزارع الصغيرة لتؤسس أخرى على طراز تلك الموجودة في كنساس، لأن هذا الأمر شبه مستحيل، فضلاً عن أنه سيؤدي إلى انتشار الاضطرابات الاجتماعية الناتجة عن اقتلاع ملايين المزارعين من أراضيهم. ولكن الفكرة الواضحة حتى اليوم على الأقلّ، تقتضي جمع الحقول المتجاورة وتحويلها إلى مزارع بحجم مرأب كبير جدا للسيارات.
مخاوف غذائية
يمكننا أبداً أن نبالغ في الحديث عن أهمية الأمن الغذائي بالنسبة للمستهلكين الصينيين في ظلّ فضيحة رصد مستويات قاتلة من الميلامين في تركيبات حليب الأطفال وفضائح معالجة الحبوب بأسمدة ممنوعة، واللحوم المغشوشة. فقد وجدت دراسة أجرتها مؤسسة «ماكينزي وكومباني» عام 2016 أن نحو ثلاثة أرباع المستهلكين الصينيين يشعرون بالقلق من الضرر الذي قد يسببه الطعام الذي يتناولونه لصحتهم. يقول سكوت روزيل، خبير في شؤون الريف الصيني في جامعة ستانفورد إن العدد الكبير من المزارع الصغيرة يصعّب عملية إدارة النظام الغذائي الصيني فيما يتعلّق بالسلامة الغذائية. إلا عملية تصنيع منتجات الألبان ولحوم المذابح ستسهّل في المقابل عملية الملاحقة والمحاسبة على مستوى النوعية.
يرى كثير من الصينيين الريفيين أن المشاريع الزراعية لتكوين مزارع كبيرة سيفٌ ذو حدّين، تماماً كما هي في أي مكان آخر من العالم. يمكن لمزارع الحيوانات الكبيرة أن توفّر للصينيين منفذاً للهروب من معاناة الحياة الزراعية، ولكنها في المقابل ستساهم في ظهور مخاطر صحية وبيئية كبيرة. فقد وجد مسح رسمي للتلوّث أجرته الحكومة الصينية عام 2010 أن الزراعة هي أكبر ملوثات المياه، وأنها تفوق الصناعة ضرراً.
مزارع بتقنيات متطورة
من شانغهاي عبر هانزو، وعلى أطراف مساحات واسعة من السهول الطينية، تبني شركة تايلاندية لتصنيع العلف الحيواني مزرعة كبيرة. وكبديل لفسخ عقد إيجار مدته 20 عاماً، تعمل شركة «كاروين بوكفاند» أو مجموعة «سي.بي» على تحويل 6425 فدانا من المساحات الطينية الواسعة خارج مدينة «سيكسي» للعمل في إنتاج الغذاء.
هذا ما يبدو عليه مستقبل الزراعة في الصين: مؤسسة انتقالية تنفق المليارات على شركات زراعية غذائية ضخمة تضمّ حقولاً ومزارع ومصانع ومكاتب مؤسسية، وحتى منازل للموظفين تتراوح بين شقق عادية وفيلات بواجهات بحرية. غطّت حقول الأرز الصيف الماضي 3600 فدان، 115 منها تمّت زراعتها عضوياً وتخزينها، مع أحواض السلطعون (السرطان) الذي يسوق لغايات غذائية. كما توجد منازل زجاجية، وحقول للبروكولي، وطائرات دون طيار لرش المواد الكيميائية، ومصنع صغير سيتطور مستقبلاً ليصبح ثلاثة أضعاف حجمه الآن. كما تتوقع مجموعة «سي.بي» أن تحصد كميات كافية من روث الدجاج سنوياً لإنتاج 22 ألف طنّ من السماد العضوي.
وبنت الشركة المذكورة العام الماضي مزرعة عمودية، ومربع سكني يتضمن برجاً طوله ثلاثين قدماً مع رفوف دوارة من أحواض النباتات، شبيهة بدولاب الهواء الدوار، كانت تحمل الملفوف الصيني، والثوم. وتتيح هذه البيئة القابلة للتحكّم استخدام السماد في أماكن محدّدة، مما ينفي الحاجة إلى المبيدات الحشرية، وينتج أربعة أضعاف المحصول في حقل بالمساحة نفسها.
وهذا الأمر واعدُ لا شكّ في بلد يحتوي على القليل من المزارع، وخصوصا تلك التي يساهم فيها المزارعون في زيادة التلوّث الناتج عن استخدامهم ثلاثة أضعاف الأسمدة المطلوبة. كما سيساهم هذا المشروع في التزام مجموعة «سي.بي» بالأهداف التي أعلنتها الحكومة عام 2015 للحدّ من استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية بحلول عام 2020.
هذا المركز هو بمثابة تمرين كبير الحجم على تطبيق المنطق الصناعي في مجال الغذاء.
أما فيما يتعلق بالبيض، فسيساهم هذا المشروع في زراعة الحبوب المطلوبة لتغذية الطيور، والدجاج، تمهيداً لذبحها واستخدامها أو بيعها لاحقاً. وتجدر الإشارة إلى أن «سي.بي» تمتلك متاجر خاصة بتسويق منتجاتها. يمكن القول أخيراً إن تأثير هذه الرؤية سيكون كبيراً إن سارت الأمور على ما يرام.



لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني
TT

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

صمم نظام ذكاء اصطناعي جديد توربين رياح لأول مرة في التاريخ، وفقاً لمطوره.

نظام ذكاء هندسي ثوري

وأعلنت شركة «EvoPhase» البريطانية أن الذكاء الاصطناعي الخاص بها تخلى عن جميع القواعد الراسخة في هندسة مثل هذه الأجهزة. وبناءً على اختباراتها، فإن اختراعها أكثر كفاءة بسبع مرات من التصميمات الحالية.

تتكون «شفرة برمنغهام» The Birmingham Blade -كما تسمي الشركة التوربين- من ست أذرع موازية للأرض متصلة بمحور عمودي مركزي. وتحتوي كل ذراع على شفرة رأسية، وسطح به موجتان تغيران زاوية هجومهما عبر ارتفاعها وطولها.

لعمل مع سرعات رياح منخفضة

يتم تحسين توربينات الرياح التقليدية لسرعات رياح تبلغ نحو 33 قدماً في الثانية. في المقابل، تم تصميم «الشفرة» لسرعات الرياح المتوسطة المنخفضة النموذجية للمناطق الحضرية مثل برمنغهام، والتي تبلغ نحو 12 قدماً في الثانية. هذا يزيد قليلاً عن ثمانية أميال (13كلم تقريباً) في الساعة.

وتم تحسين التصميم للعمل بين المباني الشاهقة التي تنتج أنماط اضطراب تؤثر على فاعلية تصميمات التوربينات الحضرية الأخرى. وإذا ثبت أن هذا صحيح، فقد يفتح التصميم الباب أمام إنتاج كهرباء غير محدود في المباني المكتبية والسكنية بتكلفة تكاد تكون معدومة.

يقول ليونارد نيكوسان، كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة، في بيان صحافي: «كان استخدام الذكاء الاصطناعي ضرورياً للتحرر من التحيزات طويلة الأمد التي أثرت على تصميمات التوربينات خلال القرن الماضي. سمح لنا الذكاء الاصطناعي باستكشاف إمكانيات التصميم خارج نطاق التجارب البشرية التقليدية».

وفقاً لنيكوسان، تمكن المصممون من «توليد واختبار وتحسين أكثر من 2000 تصميم لتوربينات الرياح في غضون أسابيع قليلة، ما أدى إلى تسريع عملية التطوير لدينا بشكل كبير وتحقيق ما كان يستغرق سنوات وملايين الجنيهات من خلال الطرق التقليدية».

سحر «التصميم التطوري»

«التصميم التطوري الموجه بالذكاء الاصطناعي» هو منهجية تقوم على نفس فكرة الانتقاء الطبيعي. تبدأ العملية بتوليد آلاف المتغيرات التصميمية التي يتم تقييمها وفقاً لوظيفة «البقاء للأفضل»، والتي تحدد مدى نجاح كل متغير في تلبية أهداف المشروع. ويختار الذكاء الاصطناعي أفضل البدائل لاستخدامها أساساً لتكرارات جديدة، وإعادة الجمع بين الميزات وتنويعها لتطوير إصدارات محسنة.

تتكرر هذه الخطوات حتى يصل الذكاء الاصطناعي إلى حل يحقق تحسين جميع العلامات المهمة مثل الكفاءة الديناميكية الهوائية، والاستقرار الهيكلي، والوزن، أو الاكتناز.

تقول الشركة إن عمليتها تتجنب التحيزات البشرية الموجودة في الهندسة التقليدية. بطبيعتها، تكون الهندسة التقليدية محدودة بالأفكار والمعرفة السابقة.

من ناحية أخرى، يستكشف الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الاحتمالات دون القيود في العقل البشري. عندما تجمع بين جيل الذكاء الاصطناعي والتكرار التطوري، يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج مبتكرة تتحدى غالباً الفطرة السليمة ولكنها لا تزال تعمل.

إن نهج التصميم التطوري هذا ليس جديداً تماماً، إذ استخدمت صناعة الطيران والفضاء برامج بهذه القدرات لسنوات. ومثلاً استخدمت شركة «إيرباص»، بالتعاون مع شركة «أوتوديسك»، عملية مماثلة لتصميم حاجز مقصورة خفيف الوزن للغاية لطائراتها من طراز A320وظهرت النتيجة مستوحاة من هياكل العظام الطبيعية، ما أدى إلى انخفاض الوزن بنسبة 45 في المائة مقارنة بالهياكل المماثلة المصممة بالطرق التقليدية.

كما طبقت شركة «جنرال إلكتريك» الخوارزميات التطورية في إعادة تصميم حامل محرك نفاث جديد، مما أدى إلى انخفاض وزن القطعة بنسبة 80 في المائة. وتستخدم وكالة «ناسا» أيضاً هذه التقنية منذ سنوات، ففي عام 2006 استخدمت الوكالة خوارزمية تطورية لتصميم «هوائي متطور».

نجاح توربين «برمنغهام بليد»

لقد طبق فريق المصممين بقيادة الدكتور كيت ويندوز - يول من جامعة برمنغهام هذه العملية التطورية لحل مشكلة تكافح العديد من تصميمات التوربينات لمعالجتها: كيفية العمل بكفاءة في البيئات الحضرية، حيث تكون الرياح أبطأ وأكثر اضطراباً بسبب المباني.

ويقول نيكوسان: «كنا بحاجة إلى توربين يمكنه التقاط سرعات الرياح المنخفضة نسبياً في برمنغهام مع إدارة الاضطرابات الناجمة عن المباني المحيطة. وكان لا بد أن يكون التصميم أيضاً مضغوطاً وخفيف الوزن ليناسب التركيبات على الأسطح».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»