دعا سياسيون وسينمائيون في مصر، إلى تكريس «السينما الأخلاقية»، في مواجهة «أفلام البلطجة والعشوائيات»، لإعادة الوضع السينمائي المصري إلى سابق عهده، وطالبوا بدعم الأعمال الفنية الجيدة للغرض نفسه، بدعوى تحسين أخلاقيات المجتمع.
في البداية، قال المخرج المصري، داود عبد السيد، لـ«الشرق الأوسط»: «الفن الأخلاقي هو الفن الجيد، وحصر ارتباطه بأي نوع من الدعاية السياسية أو الأخلاقية خطأ كبير، لأنّ هذه ليست وظيفته، فالهدف الأساسي منه هو نقل الخبرات الحياتية ووصف الأحاسيس والمشاعر من دون توجيه، بحيث يعيش المشاهد مع الشخصيات، ويعرف مآلاتها، وكأنّه يراها أمامه». لافتا: «لذلك لا يصحّ وصف الشخصيات الجيدة في سياق سينمائي معين بأنّها الأفضل أخلاقيا، وغيرها غير أخلاقي»، حسب رؤية عبد السيد: «لأنّ كلا منها يؤدي عمله في إطار سيناريو مرتبط بطبيعة دوره».
وأوضح عبد السيد قائلا: «الأمر نسبي ومرتبط بالقيم الإنسانية والمجتمعية والدينية التي يضعها الشخص لنفسه، ووضع قيود أخلاقية يمنع الفن من التجول بحرية داخل المجتمع، ويحوله إلى شيء سطحي وهامشي، حتى فكرة الجزاء الأخلاقي والنهايات السعيدة في الأعمال السينمائية ليست في محلها، لأنّها تضع العمل في إطار نمطي غير إبداعي».
ويحكي عبد السيد أنّه خلال فترة الثمانينات والتسعينات، كانت هناك توصيات بتجاهل إظهار القمامة في الأعمال السينمائية، حتى في سياقها، بغرض إظهار الشوارع في إطار معين، وهذا خطأ، فالأولى تنظيف هذه الشوارع وليس المطالبة بتنظيف السينما، فإذا كان الشارع يعاني فوضى مرورية فستظهر هذه الفوضى بالضرورة، أمّا إذا كان منظماً فسيرى المشاهد هذا التنظيم من دون رقابة سابقة».
«منع مشاهد البلطجة والابتذال والشتائم لن ينهي وحده الأزمة، بل يجب معالجة المشكلة من منبعها، فمشكلات الفقر والجهل وغيرها هي ما تصنع لهذا النوع من السينما جمهورا ومريدين، أمّا التربية الثقافية والتعليمية والفكرية الجيدة فهي القادرة على صرف المشاهد عن هذه الأعمال»، وهو ما يراه المخرج الكبير الذي يؤكّد أنّ عدم التركيز على المشكلات الأساسية للمجتمع وغياب التنوع، قد يصرف البعض إلى القوالب التجارية ووسائل الجذب المبتذلة والمستهلكة.
في 12 يوليو (تموز) 2016، اتخذت الحكومة المصرية قرارات عدّة، للنهوض بصناعة السينما، من بينها رفع الدعم الموجه لها بمقدار 30 مليون جنيه، ليصل إلى 50 مليون جنيه سنويا. وخلال اجتماع رئيس الحكومة شريف إسماعيل مع القائمين على صناعة السينما، شدّد على اهتمام الدولة بهذه الصناعة المهمة، وحرصها على دعم الثقافة والفنون، لافتاً إلى أنّ صناعة السينما تمثّل أحد أهم روافد قوة مصر الناعمة التي تساهم في تكوين الوعي الثقافي للشخصية المصرية.
إلى ذلك، تقول الناقدة السينمائية ماجدة موريس، لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات، تعهد القائمون على السينما في مصر بدعم الأفلام التاريخية والطموحة التي تتناول القضايا القومية، لكنّ هذا لم يحدث، فكثيرون يريدون تنفيذ أعمال فنية مختلفة، لكنّ المنتج في النهاية يبحث عن الكسب المادي في المرتبة الأولى، وبالتالي يراهن على الأفلام التي لها جمهور يبحث عن (الفتوة) و(البلطجي) وما إلى ذلك، أمّا من يبحث عن أفلام لها مردودات أخرى، فلا يجد منتجين متشجعين لها.
في وقت سابق، كان البعض يردّد مصطلح «السينما النظيفة»، لكنّ هذا أمر لا يصح أيضاً، من وجهة نظر الناقدة ماجدة موريس التي ترى أنّ تقييم الأفلام بالسلب أو الإيجاب يجب أن يكون فنيا فقط، من دون أي اعتبارات أخرى، فالبعض يقدم أعماله بأسلوب مهني، والبعض الآخر يقدم النموذج التجاري الذي قد يكون متدنيا في بعض الأحيان، وقد لا يكون.
مصطلح السينما «الأخلاقية أو النظيفة»، ليس جديداً، بل ظهر مع أواخر فترة التسعينات، أو قبل ذلك بقليل، لمواجهة انتشار أفلام المقاولات حينها، خصوصاً مع عودة الأسر المصرية إلى دور العرض مجدداً، ما ولّد رغبة للقائمين على هذه الصناعة لتقديم أعمال تناسب جميع المتفرجين، وتخلو من كثرة مشاهد العنف والتعري، وهو ما ظهر في أفلام هذه الفترة، ومنها «صعيدي في الجامعة الأميركية» و«آيس كريم في جليم»، وغيرها.
تضيف موريس أن ثقافة جمهور المشاهدين ليست واحدة، وبالتالي هذه الأفلام تعرف متفرجيها، وهو ما يدفع بعض صناع السينما إلى التوجه إليهم، وهذه مشكلة المنتج لأنّه المتحكم في رأس مال العمل، وهي أيضا مشكلة الدولة بدعم الأفلام الجيدة التي لا يجد أصحابها منتجين لتمويلها.
الأزمة الأخرى التي تعاني منها الصناعة الحالية، حسب ما ترى الناقدة الفنية، أنّ عدداّ كبيراّ من دور السينما تعرض للإغلاق أو يحتاج للصيانة والترميم، خاصة في القاهرة والإسكندرية، بإضافة إلى سينمات قصور الثقافة في المحافظات الأخرى أيضا، فأغلب سينمات منطقة مصر الجديدة لا يعمل حاليا، وسينما فاتن حمامة في منطقة المنيل معروضة للبيع، وبالتالي أصبحت سينمات المولات غالبا هي الخيار المتاح أمام راغبي المشاهدة.
وتركز موريس على أن مواجهة هذه الإشكالية تتطلب تقديم فرص جادة للسينمائيين من جميع الأجيال الذين يملكون مشروعات هادفة ولا يجدون ممولا لها، مع توفر الإرادة للحفاظ على تراث ودور السينما التاريخية وصيانتها، لتقديم الأعمال الهادفة عبر شاشاتها.
من جانبه، قال المنتج محمد السبكي الذي يتعرض لانتقادات متكررة بسبب الأفلام التجارية التي ينتجها: «أي فيلم يخرج للنور، لا بد أن يقدم رسالة في سطرين للجمهور»، وهذه هي السينما الأخلاقية، من وجهة نظره، موضحاً أن «تناول أوضاع العشوائيات من ضمن الأخلاقيات أيضا، فهو يرصد أوضاع هذه الطبقة وهمومها»، حسب تعبيره. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»مطالبات بتكريس السينما الأخلاقية، لا يمكن تطبيقها بقانون أو توجيهات، «بل يجب أن تكون خاضعة لضمائر القائمين على العمل فقط». لكنّه في الوقت ذاته يؤكد ضرورة اهتمام السينما بتثقيف جمهورها وتوعيته، والتقليل من الابتذال، لتحقيق الغرض الأساسي منها، خاصة أن السوق الآن مفتوح لكل من يرغب في الدخول إليه.
يشار إلى أنّه قد ظهر أول عرض سينمائي مصري في يناير (كانون الثاني) عام 1896 في مدينة الإسكندرية، بعد أيام قليلة، من ظهور أول عرض سينمائي تجاري في العالم بباريس، في ديسمبر (كانون الأول) 1895.
سينمائيون مصريون يطالبون بتعزيز «حرية الإبداع» لمواجهة أفلام «العشوائيات»
عبد السيد لـ«الشرق الأوسط»: «يجب تقديم دعم مالي للأعمال الجيدة»
سينمائيون مصريون يطالبون بتعزيز «حرية الإبداع» لمواجهة أفلام «العشوائيات»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة