«حزب الله» يتراجع في ريف دمشق والمعارضة تستنزف مقاتليه بمعارك «كر وفر» في القلمون

معارضون أرجعوا تعثره العسكري إلى انتشاره الجغرافي وفقدانه زمام المبادرة

ناشط سوري يرصد تحركات جيش النظام ومسلحي حزب الله
ناشط سوري يرصد تحركات جيش النظام ومسلحي حزب الله
TT

«حزب الله» يتراجع في ريف دمشق والمعارضة تستنزف مقاتليه بمعارك «كر وفر» في القلمون

ناشط سوري يرصد تحركات جيش النظام ومسلحي حزب الله
ناشط سوري يرصد تحركات جيش النظام ومسلحي حزب الله

لوحظ أخيرا تراجع زخم «حزب الله» اللبناني العسكري في ريف دمشق، خاصة خلال الشهرين الماضيين؛ إذ لم يسجل أي تقدم ميداني منذ سيطرته، إلى جانب القوات الحكومية السورية، على بلدة معلولا في القلمون، بريف دمشق الشمالي، إلى جانب تكبده خسائر بشرية كبيرة في صفوفه، أهمها في أرياف بلدة رنكوس في القلمون قبل أيام.
وتشير وقائع ميدانية إلى تعثر «حزب الله» عسكريا منذ وصوله إلى تخوم مدينة دمشق، ومدخل الغوطة الشرقية للعاصمة السورية، حيث يقاتل الحزب بكامل زخمه العسكري، من غير أن يحقق أي تقدم على جبهتي المليحة وجوبر المحاذيتين للعاصمة السورية من جهة الشرق، بحسب ناشطين سوريين. ويرجع معارضون سوريون يقاتلون في صفوف الجيش السوري الحر ذلك إلى أن «عناصر (حزب الله) يقاتلون في منطقة غريبة، يتفوق فيها المعارضون بالجغرافيا»، فضلا عن «طبيعة المنطقة المدنية، مما يوقع مقاتلي الحزب في كمائن ويضعهم تحت مرمى القناصات، الأمر الذي يحول دون تقدمهم».
وتحاول القوات الحكومية السورية، مدعومة بمقاتلي «حزب الله» اللبناني، التقدم على محور جوبر الواقع شمال العاصمة السورية، ومحور المليحة الواقع شرق العاصمة، منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، من غير أن يحرز المقاتلون أي تقدم على الجبهتين. ويقول ناشطون لـ«الشرق الأوسط» إن قوات المعارضة «صدت ما يزيد على 35 هجوما خلال شهرين، منعت خلالها مقاتلي (حزب الله) والنظام السوري من التقدم، مما دفع بسلاح الجو النظامي لتكثيف غاراته في محاولة لكشف بعض الأحياء عبر التقليل من الأبنية القائمة».
واستخدمت المعارضة استراتيجية الاعتماد على الأنفاق، وتحويل مجاري الصرف الصحي الضخمة في جوبر، (وهي شبه معطلة بحكم نزوح عدد كبير من المدنيين)، إلى قواعد لانطلاق العمليات العسكرية ضد القوات الحكومية المهاجمة، والقوات المؤازرة لها. ويقول مصدر عسكري ميداني في الغوطة الشرقية لـ«الشرق الأوسط» إن الطبيعة المدنية للمنطقة «منحتنا تفوقا عسكريا، بحيث تستخدم الأبنية كمرابض للقناصات، كما نستخدم الشوارع الضيقة نقاطا لإطلاق العمليات العسكرية وصد القوات المهاجمة»، فضلا عن استخدام «الأنفاق ممرات سهلة لإطلاق عمليات خلف خطوط القوات المهاجمة، وتفخيخ الممرات الإجبارية التي يجب على القوات المهاجمة سلوكها». ويضيف: «مهما حاول سلاح الجو تدمير الأبنية، فإنه لا يستطيع التقدم، كون مواقعنا محمية ومتقدمة في سائر أنحاء الغوطة الشرقية».
وتعمل قوات المعارضة وفق استراتيجية حرب العصابات، وفق ما تؤكد المصادر، قائلة إن «عملياتنا تحاكي استراتيجية الكر والفر للحد من الخسائر». وغالبا ما تتحدث صفحات المعارضة عن عمليات يطلقها المعارضون في الداخل، كان آخرها بث صور لقائد «جيش الإسلام» زهران علوش، إلى جانب قائد «جند دمشق»، وهما يشرفان على تفجير ثلاثة أنفاق حفرت أسفل ثلاثة أبنية في حي جوبر، على بعد 600 متر من ساحة العباسيين في قلب العاصمة السورية.
ويرجع معارضون تعثر «حزب الله» الميداني، إلى سببين رئيسين؛ الأول يتمثل في احتفاظ قوات المعارضة المحاصرة بزمام المبادرة، وتحضرها للدفاع عن معقلها في الغوطة الشرقية لدمشق. والثاني مرتبط بـ«حزب الله»، الذي «أنهكته المساحة الجغرافية الشاسعة التي ينتشر فيها، من تخوم حمص إلى سائر مدن وبلدات القلمون، مما يحول دون القدرة على حشد مقاتليه في مكان واحد»، علما بأن الغوطة الشرقية «لا تتيح له قدرة التحرك بحكم الجغرافيا، كما تمنعه من استخدام أسلحة كان استخدمها في مناطق جردية مثل القلمون».
وبحسب معارضين سوريين، عرفت استراتيجية «حزب الله» العسكرية في الحرب بالقلمون، بالاعتماد على كثافة النيران، مما سهل سيطرة مقاتليه على بلدة قارة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتلاها دير عطية والنبك، قبل أن يجدد الهجوم على بلدات أخرى مثل يبرود وفليطا ورنكوس في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين. لكن السيطرة على هذه المناطق دفعت بالمقاتلين المعارضين إلى التوجه نحو الجرود، وتنظيم صفوفهم وإطلاق هجمات مرتدة على حواجز «حزب الله» والقوات الحكومية، كان آخرها الجمعة الماضي. وأفاد ناشطون بأن «حزب الله» خسر تسعة من مقاتليه دفعة واحدة.
وينتشر مقاتلو «حزب الله»، بحسب مصادر المعارضة، في ريف حمص وعلى تخوم المدينة بوسط البلاد، ويسيطرون على كل حدود لبنان الشرقية من الناحية السورية، وتحديدا في منطقة القلمون الواقعة شمال دمشق، كما ينتشرون بأعداد قليلة جنوب العاصمة، في حين باتت الغوطة الشرقية من جهة دمشق وجهتهم العسكرية في هذا الوقت لأنها معقل المعارضين.



مخابز خيرية في صنعاء تتعرض لحملة تعسف حوثية

يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
TT

مخابز خيرية في صنعاء تتعرض لحملة تعسف حوثية

يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)

استهلت جماعة الحوثيين شهر رمضان بتنفيذ حملات تعسف ضد أفران الخبز الخيرية بالعاصمة المختطفة صنعاء، وذلك في سياق إعاقتها المتكررة للأعمال الإنسانية والخيرية الرامية للتخفيف من حدة معاناة اليمنيين بالمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وتحدثت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن بدء مشرفين حوثيين برفقة مسلحين يتبعون ما تسمى «هيئة الزكاة الحوثية» تنفيذ حملات دهم بحق مخابز خيرية تتبع مبادرات تطوعية ومؤسسات خيرية ورجال أعمال في مديريات متفرقة بصنعاء، لإرغام العاملين فيها على دفع إتاوات، أو تعرضها للإغلاق والمصادرة.

وأكدت المصادر أن الحملة المباغتة استهدفت في أول يوم من انطلاقها 14 مخبزاً خيرياً في أحياء بيت معياد وبير عبيد والجرداء والقلفان والسنينة ومذبح بمديريتي السبعين ومعين بصنعاء، وأسفرت عن إغلاق 4 مخابز منها لرفضها دفع إتاوات، بينما فرضت على البقية دفع مبالغ مالية يتم توريدها إلى حسابات ما تسمى «هيئة الزكاة».

اتساع رقعة الجوع يجبر آلاف اليمنيين للاعتماد على المبادرات الإنسانية (أ.ف.ب)

وأثار الاستهداف الحوثي موجة غضب واسعة في أوساط السكان والناشطين في صنعاء، الذين أبدوا استنكارهم الشديد لقيام الجماعة بابتزاز المخابز الخيرية، رغم أنها مُخصصة للعمل التطوعي والخيري، وإشباع جوع مئات الأسر المتعففة.

استهداف للفقراء

واشتكى عاملون في مخابز خيرية طاولها استهداف الحوثيين في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، من تكثيف حملات التعسف ضد المخابز التي يعملون فيها، وأكدوا أن الحملة التي شنتها الجماعة أجبرتهم على دفع إتاوات، بينما هددت أخرى بالإغلاق حال عدم الاستجابة لأوامرها.

واتهم العاملون الجماعة الحوثية بأنها تهدف من خلال حملات التعسف لتضييق الخناق على فاعلي الخير والمؤسسات والمبادرات التطوعية الإنسانية والخيرية بغية منعهم من تقديم أي دعم للفقراء الذين تعج بهم المدن كافة التي تحت قبضتها.

امرأة في صنعاء تبحث في برميل القمامة عن علب البلاستيك لجمعها وبيعها (الشرق الأوسط)

ويزعم الانقلابيون الحوثيون أن حملتهم تستهدف الأفران التي تقوم بتوزيع الخبز خلال رمضان للفقراء بطريقة تصفها الجماعة بـ«المخالفة»، ودون الحصول على الإذن المسبق من «هيئة الزكاة»، والمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية التابع لها، والمخول بالتحكم في المساعدات.

وبينما حذرت مصادر إغاثية من مغبة استمرار الاستهداف الحوثي للمخابز الخيرية لما له من تأثير مباشر على حياة ومعيشة مئات الأسر الفقيرة، اشتكت عائلات فقيرة في صنعاء من حرمانها من الحصول على الخبز نتيجة حملات التعسف الأخيرة بحق الأفران.

وتؤكد المصادر الإغاثية أن التعسف الحوثي يستهدف الفقراء والمحتاجين في عموم مناطق سيطرة الجماعة من خلال مواصلة انتهاج سياسات الإفقار والتجويع المتعمدة، والسعي إلى اختلاق مبررات تهدف إلى حرمانهم من الحصول على أي معونات غذائية أو نقدية.

نقص الغذاء

ويتزامن هذا الاستهداف الانقلابي مع تحذيرات دولية حديثة من نقص الغذاء في اليمن حتى منتصف العام الحالي.

وفي تقرير حديث لها، نبَّهت «شبكة الإنذار المبكر من المجاعة» إلى أن ملايين اليمنيين سيعانون من عجز حقيقي في استهلاك الغذاء حتى منتصف العام الحالي على الأقل، حيث تستمرُّ الصدمات الاقتصادية الكلية، الناجمة عن الصراع المستمر في البلاد، في تقييد وصول الأسر بشدة إلى الغذاء.

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

ولفتت الشبكة المعنية بمراقبة أوضاع الأمن الغذائي في العالم والتحذير من المجاعة إلى أن مجموعة من المناطق تحت سيطرة الحوثيين لا تزال تواجه نتائج الطوارئ، وهي «المرحلة 4» من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أي على بُعد مرحلة واحدة من المجاعة.

واعتاد الانقلابيون الحوثيون منذ سنوات أعقبت الانقلاب والحرب، على استخدام مختلف الأساليب والطرق لتضييق الخناق على الجمعيات والمبادرات المجتمعية الإنسانية والخيرية، بغية حرمان اليمنيين من الحصول على أي مساعدات قد تبقيهم على قيد الحياة.