يمكن وصف سوق العاملات المنزليات غير النظاميات في السعودية بأنها أشبه بـ«البورصة» التي تقفز أسعارها ما بين فترة وأخرى، خاصة مع قرب شهر رمضان المبارك، الذي يمثل موسما ذهبيا لسماسرة الخادمات الهاربات من كفلائهن، اللاتي قفزت أجورهن لنحو 5000 ريال شهريا، مع استغلال وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدا «تويتر»، في التسويق الإلكتروني لهذه العمالة غير النظامية، تحت شعار «تتوفر حالا»، وذلك كبديل لانتظار مكاتب الاستقدام التي تأخذ شهورا طويلة لحين توفير العاملة المنزلية.
أمام ذلك، حاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع بعض الأرقام التي تتناقلها رسائل برامج التواصل الاجتماعي، حيث تجيب سيدة سمت نفسها «أم تركي» من الدمام، موضحة أن لديها عدة عاملات منزليات من إحدى الجنسيات الأفريقية، مبدية استعدادها لتوفير إحداهن في أقرب وقت، نظير راتب شهري يصل إلى 5000 ريال خلال شهر رمضان، هذا إلى جانب عمولتها المقدرة بـ200 ريال، حسب قولها.
وتبدو حالة الارتياح مصاحبة للسيدات اللاتي يتاجرن علنا بالخادمات غير النظاميات، أو الخادمات الهاربات اللاتي يسوقن لأنفسهن، كما هو حال «فريدة» التي انتشر رقمها في رسائل برنامج «واتس آب» الإلكتروني، وهي من إحدى الجنسيات الأفريقية، وعند الاتصال بها أبدت تعاليا في السؤال عن عدد أفراد الأسرة ومساحة البيت، ثم اشترطت 3500 ريال راتبا شهريا، بالإضافة إلى إجازة أسبوعية وتوفير وسيلة لنقلها بصورة دائمة، وهو ما يشير إلى كونها واثقة بأنها ستجد من يلبي هذه الشروط.
وعملا بقاعدة «من يده في النار ليس كمن يده في الماء»، ترى لمياء أحمد، وهي معلمة سعودية، أنها مضطرة إلى الاستجابة لابتزاز الخادمات غير النظاميات، قائلة: «لدي أسرة وأبناء، وكل فرد منهم له مطالب، إلى جانب شؤون الطبخ وتنظيف البيت، وهذا يزيد من حاجتنا للخادمة، خاصة في رمضان الذي تكثر خلاله الالتزامات الأسرية، مما دفعني لتأجير خادمة هاربة وإعطائها راتبا فلكيا وتنفيذ شروطها كافة».
يأتي ذلك في حين يفصح تقرير لمجلس الغرف السعودية عن أن حجم إنفاق الأسر السعودية على العاملات المنزليات يبلغ نحو 21 مليار ريال سنويا، إذ يصل عدد العاملين في المنازل بالسعودية إلى قرابة مليون خادم وخادمة، بمن فيهم الخادمات المنزليات وعمال الطبخ والسائقون، وكل من يعمل في الخدمة المنزلية، وهو ما ينبئ عن كون العمالة المنزلية أصبحت تمثل حاجة لهذه الأسر أكثر من كونها مجرد ترف.
من جهته، يرى الدكتور سعود الضحيان، وهو أستاذ مشارك في قسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود في الرياض، أن المتاجرة بالخادمات غير النظاميات تعد «ظاهرة»، متابعا بالقول: «تنجم هذه الظاهرة عن وجود بعض الأسر التي تستغل هروب العاملات المنزليات من أسر أخرى خلال شهر رمضان، وهؤلاء العاملات عندما يجدن أسرا تدفع لهن مبالغ باهظة قد تصل إلى 5000 ريال؛ فإن ذلك يدفعهن إلى الهرب للعمل في هذه البيوت.. وهذا هو السبب الأول لنشوء هذه الظاهرة».
ويتابع الضحيان حديثه لـ«الشرق الأوسط» حول الأسباب الأخرى لذلك، قائلا: «الضغط الهائل الذي يحدث في رمضان لدى الأسر السعودية يشعرنا بأننا نأكل لأول مرة! حيث إن الضغط على المطبخ كبير جدا ومستمر لفترات طويلة، خلال الفطور والسحور وما بينهما، مما يجعل العاملات المنزليات يتعرضن لضغط عمل كبير، وهذا ناتج عن مفهوم رمضان لدى الأكثرية في كونه شهرا للأكل ومتابعة المحطات الفضائية.. من ثم، فهذه الضغوط التي تواجه العاملة البسيطة تجعلها تفكر كثيرا في الهرب وترك البيت».
ويوضح الضحيان أن بعض الأسر تعامل العاملة المنزلية كأنها تملكتها، قائلا: «يجب أن يجري تحديد ساعات العمل وتحديد فترة الراحة الأسبوعية، وأن يكون هناك إنصاف للعاملة المنزلية»، ويتابع بالقول: «غالبا، نجد جميع أفراد الأسرة لا يشاركون في العمل المنزلي، على اعتبار أن وجود العاملة المنزلية يكفي، وهذا تصرف غير سليم، خاصة أن الأسر السعودية تتصف بكثرة العدد، وكل فرد فيها له طلبات معينة، من ثم تكثر الطلبات ومن عدة أشخاص على فرد واحد ممثلا بالعاملة المنزلية».
تجدر الإشارة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت مصدرا لتسويق العاملة المنزلية المخالفة، حيث رصدت «الشرق الأوسط» عدة إعلانات غير نظامية لهذا الغرض، إلى جانب دخول مكاتب الخدمات العامة في هذا المجال بصورة لافتة أخيرا، في استغلال حاجة الأسر السعودية للعاملات المنزليات خلال شهر رمضان المبارك، في حين حذرت وزارة العمل أخيرا من الانسياق وراء إعلانات مكاتب الخدمات العامة التي تدّعي ممارسة نشاط التوسط في الاستقدام وتروج لكياناتها بتقديم مثل هذه الخدمات، ودعت هذه المكاتب إلى تصحيح أوضاعها والعمل وفق ما رخص لها من قبل جهات الاختصاص، تجنبا للعقوبات التي تصل إلى عشرة آلاف ريال عن كل مخالفة.
وأكدت الوزارة أنه لا يسمح بمزاولة نشاط التوسط في الاستقدام إلا للمرخص لهم وفق لائحة شركات الاستقدام وتقديم الخدمات العمالية، حيث يمكن لجميع العملاء التوجه إلى مكاتب شركات الاستقدام مباشرة، ومن يمارس التوسط في الاستقدام، سواء من مكاتب الخدمات العامة أو من غيرها، يعد مخالفا للأنظمة ويؤدي إلى عدم حفظ الحقوق للأطراف المتعاملة في هذا المجال، ويجري التنسيق بصفة مستمرة مع وزارة التجارة والصناعة بصفتها المشرفة على مكاتب الخدمات العامة.
«تويتر»: منصة جديدة لتسويق «الخادمات» وبورصة الأجور تقفز إلى 5000 ريال
سماسرة العاملات غير النظاميات يلجأون للتسويق الإلكتروني بكثافة قبل رمضان
«تويتر»: منصة جديدة لتسويق «الخادمات» وبورصة الأجور تقفز إلى 5000 ريال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة