«إل سيلو»... المطعم الكولومبي الذي قدم السلم قبل المذاق

حوّل الجنود السابقين ورجال العصابات وقطاع الطرق إلى طهاة وندل

المنتجات منتقاة بعناية فائقة
المنتجات منتقاة بعناية فائقة
TT

«إل سيلو»... المطعم الكولومبي الذي قدم السلم قبل المذاق

المنتجات منتقاة بعناية فائقة
المنتجات منتقاة بعناية فائقة

حذرني الشيف جوان مانويل برينتوس من أن الدخان سيتصاعد من الآيس كريم الذي سيقوم بإعداده أثناء إجراء اللقاء الصحافي الذي بين أيديكم الآن. آيس كريم مدخن؟ أثارت الفكرة في رأسي ذلك النوع من الأسئلة التي لا إجابة لها، ولم أستطع حتى تخيل صورة ما يقوم بإعداده. وبعد ذلك بدقائق معدودة، تصاعد الدخان من الآيس كريم بالفعل وقام الشيف بنفخه أمامي. كان الآيس كريم رمادي اللون، ومذاقه على ما يبدو خليط من الفانيلا، والبرتقال، والليمون واللافندر.
ويعتبر الآيس كريم المدخن أحد أشهر ما يقدمه مطعم «إل سيلو» El Cielo (الجنة)، الواقع في مدينة Medellin في كولومبيا، الذي لا يقدم الطعام بمعناه التقليدي، بل يعرض خبرات جديدة، بحسب تعبير مالكه وكبير طهاته. لمطعم «إل سيلو» ثلاثة مقرات، اثنان بمدينتي بوغوتا وميدلين الكولومبيتين، والثالث في ولاية ميامي الأميركية. وأفاد مالك المطعم بأن جميع المقادير عضوية ومن إنتاج دولتها؛ مما يعطي المنتج تفرداً.
وتشمل الخبرات التي يقدمها «إل سيلو» الرائحة المميزة للطعام وكذلك الديكور الذي يضفيه على كل طبق بإضافة الزهور الملونة لتحفز الشهية. والمثير أنك بمقدورك غسل يديك بالشوكولاته أو «استنشاق سحابة القهوة وكأنك تجلس في محمصة للبن في الصباح». هنا في هذا المكان تقوم الحواس الخمس بدور رئيسي؛ ولذلك فإن هذه الطرق الجديدة في التعامل مع الطعام تعد جزءاً من القائمة، وهي الأكثر طلباً من الزبائن.
مالك ومدير المطعم، الذي لم يتعد عمره 34 عاماً والمولود في كولومبيا، لا يكف عن إعطاء التعليمات وتذوق الطعام ليضمن حسن الرقابة على جودة الصلصات والمقبلات والأسماك والخضراوات، وكذلك ألوان الأطعمة واللحوم التي يقبل عليها زبائنه، وبخاصة في المساء بمدينة ميامي الأميركية. وأكد بيرونتس أن أطباقه تعد «تمريناً للحواس وخبرة من شأنها إيقاظ الشعور وحتى العواطف».
وبعد ما انتهى من إعداد الآيس كريم المدخن، شرع الشيف في إعداد المقبلات وفقاعات العسل وجوز الهند اللذيذة التي تقدم مع الأناناس بعد أن يجري إعدادها بعناية لتقدم في طبق زجاجي مليء بالفقاعات البيضاء.
ويصر الشيف على أن قائمة طعامه لا تركز على الطعام الكولومبي، مشيراً إلى أنه كثيراً ما يسافر للخارج ويعتمد في وصفاته على التجربة، ويبتكر الأطباق من خلال «تكرار التجارب» إلى أن يصل إلى المذاق الأفضل.
بعد ذلك ظهرت أمامنا شجرة صغيرة في المطعم. ورغم أنها تبدو شجرة صغيرة، لكنها في الحقيقة كانت طبقاً آخر يحمل اسم «شجرة الحياة» المستوحاة من غابات الأمازون الكولومبية. الشجرة، أو بالأحرى الطبق، لم تكن سوى نوع من الكعك المصنوع من نبات المنبيهوت الذي يتصف جزعها بصلابته الشديدة، لكن مذاق الكعكة أكثر من رائع.
في الحقيقة، لمطعم «إل سيلو» نشاط مختلف يتمثل في دعم مؤسسة تحمل نفس اسمه تعمل على مساعدة ضحايا الصراع المسلح الذي عانت منه كولومبيا لأكثر من نصف قرن. وفي هذه الأيام، وبعد تدريب طويل وعلاج مر لحث الناس على التسامح والعفو والتصالح، نجح مطعم «إل سيلو» في جمع فرقاء الماضي من جنود الجيش الكولومبي ورجال العصابات وحرب الشوارع وأعضاء الجماعات شبه العسكرية السابقين للعمل تحت سقف واحد. وقد تلقى نحو 600 من هؤلاء الرجال والسيدات تدريبات على مهارات الطهي الأساسية على مدار سنوات من خلال «مؤسسة إل سيلو» بغرض إتاحة الفرص أمامهم للانخراط في الحياة المدنية وإعالة أسرهم، وقد انخرط 12 شخصاً من هؤلاء في المطعم في الوقت الحالي.
وبيّن برينتوس أن تلك التجربة شكلت مثالاً حياً للتصالح لجميع الكولومبيين بعد أن ألقوا بمشاعر الكراهية والحقد خلف ظهورهم، مشيراً إلى أنه «من واجب جميع الكولومبيين العمل من أجل بلادهم والمساعدة في تغيرها بشكل إيجابي، وها نحن نسير في هذا الاتجاه من خلال المطبخ»، بحسب برينتوس.
مؤثرة تلك القصص الواقعية التي عرضت تجارب أشخاص عاشوا زمن الصراع في كولومبيا وقرروا التسامح، وجميعها قصص قابلة للاستنساخ. لكننا اضطررنا إلى تغيير أسماء من أجرينا معهم لقاءات لإخفاء هوياتهم الحقيقية ولضمان سلامتهم. ويتفق الجميع على أن العمل جنباً إلى جنب مع العدو كان أولى خطوات العلاج؛ ولذلك فهم يرون المستقبل بعين الأمل.
وقالت أستريد (30 عاماً)، العضو السابق في جماعة «فارك» اليسارية التي امتهنت حرب الشوارع وتعمل حالياً مساعِدة بالمطبخ: إن «التسامح هو ما جلب لي السلام والسكينة، وهو ما ساعدني على الخروج من نفق الأمل الذي ما كان عليّ أن أدخله من الأساس». ويعمل الطاهي روبين، الذي كان جندياً في الجيش وأصيب في انفجار لغم، حالياً على إرشاد الزبائن على محتوى قائمة الطعام التي قد يكون بعضها غريباً عليهم. ويوصي روبين قائلاً: «ما رأيك في طبق معكرونة مقلية مع حليب جوز الهند. هو طبق نباتي ويمكن إضافة مأكولات بحرية والسلمون أو سمك الروبيان إلى جواره لمن يحبون البروتين الحيواني».
وتوصي دولسي ماري، التي كانت يوماً ما عضواً في عصابات الشوارع، بطبقها المفضل «الجمبري المقرمش مع أرز جوز الهند والصلصة الحارة والعسل وصلصة سرسراشا الحارة». استطردت ماري: «قررت أن أتسامح في اللحظة التي تركت فيها الجماعة المسلحة. وقررت أن أغير حياتي بالكامل؛ لأن التسامح يمنحني الحرية».
وأفاد إديسون الذي كان عضواً في جماعة شبه عسكرية: «الآن أشعر بأنه لم يعد عليّ أن أفكر في الضغينة أو الانتقام. أصبحت أفكر فقط في عائلتي، وفي أن أجتهد في عملي بهذه الشركة الرائعة». ولم ينس إديسون أن يوصينا بتناول طبق «السلمون مع صلصة موخو».
وأفاد الشيف برينتوس بأنه منذ المرة الأولى التي سمع فيها عن حقيقة الصراع من خلال الأطراف التي تورطت فيه شعر بتأثر شديد بعد أن شعر بالحب والقدرة على العفو والتسامح التي يتحلى بها كل من عمل في «إل سيلو»، ذلك المطعم الذي لم يقتصر على إعداد الطعام فحسب، بل إعداد بشر غير عاديين أيضاً.


مقالات ذات صلة

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

مذاقات «عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف البريطاني هيستون بلومنتال (الشرق الأوسط)

9 نصائح من الشيف هيستون بلومنتال لوجبة الكريسماس المثالية

تعد الخضراوات غير المطبوخة بشكل جيد والديك الرومي المحروق من أكثر كوارث عيد الميلاد المحتملة للطهاة في وقت يقومون فيه بتحضير الوجبة الأكثر أهمية في العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.