الجزائر: بوتفليقة يدعم حكومته في صراعها مع النقابات المضربة

طالب المسؤولين بإخراج الاقتصاد من التبعية للنفط وتنويع مصادر الدخل

TT

الجزائر: بوتفليقة يدعم حكومته في صراعها مع النقابات المضربة

دعا الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، أمس، آلاف الأطباء وأساتذة التعليم المضربين منذ شهور، ضمناً، إلى التوقف عن الاحتجاج، بحجة أن البلاد «تمر بمرحلة حاسمة للغاية من التنمية الوطنية». وهي المرة الأولى التي يتدخل فيها الرئيس بوتفليقة في هذه الأزمة الاجتماعية التي تثير قلق قطاع واسع من الجزائريين، والتي تتعامل معها حكومته بغلظة شديدة.
ونشرت وكالة الأنباء الحكومية، أمس، رسالة لبوتفليقة، موجهة إلى العمال بمناسبة مرور 47 سنة على تاريخ تأميم المحروقات (24 فبراير | شباط 1971)، جاء فيها: «أهيب بالعمال أن يسهروا على أن يقترن دفاعهم المشروع واليقظ عن حقوقهم بحرصهم الفعال والمتواصل على أداء واجباتهم، والتزاماتهم في هذه المرحلة الحاسمة للغاية من التنمية الوطنية».
ويفهم من هذا المقطع بالرسالة أن بوتفليقة يطالب المضربين الأطباء وأساتذة التعليم، الذين يصنعون الحدث حالياً، بالتوقف عن الإضراب الذي يعتبر حقاً يكفله الدستور، وأن يوجهوا اهتمامهم للعمل كقيمة منتجة للثروة. وبدأت وزارة التعليم منذ يومين فصل مئات المضربين، بحجة أن القضاء حكم بـ«عدم شرعية» الحركة الاحتجاجية، ورفضت وزارة العمل زيارة وفد عن «مكتب العمل الدولي»، كان مقرراً أن يلتقي غداً (الاثنين) «النقابات المستقلة» التي تشن الإضراب. وعلى نقيض هذه النقابات، يقف «الاتحاد العام للعمال الجزائريين»، الموالي للحكومة، ضد الإضراب.
وقال بوتفليقة إن اقتصاد الجزائر «يواجه رهانات حاسمة. فالأزمة الاقتصادية التي هزت أسس الاقتصاد العالمي، وما تولد عنها من تداعيات متعددة الأبعاد، تستوقفنا لنُحكم تحديد السبل والوسائل لكي تتأتى طفرة اقتصادنا»، مضيفاً أن اضطراب الأسواق النفطية وتداعياته على التوازنات الكبرى لاقتصادنا «يقتضي أن نخرج اقتصادنا من التبعية لإيرادات النفط، ونتوجه إلى تنويع مصادر مداخلينا، من خلال استدرار الثروة».
يشار إلى أن موضوع «تنويع الاقتصاد» يجري الحديث عنه منذ 15 سنة على الأقل، غير أن التبعية للمحروقات زادت، وبدل أن يكون تحسن أسعار النفط خلال فترة 2000 - 2013 محفزاً على إيجاد بدائل لريع المحروقات، حدث العكس.
وأوضح الرئيس، في رسالته، أن البلاد «مدعوة إلى التكيف مع التحولات، من خلال الارتقاء باقتصادنا ومؤسساتنا وجامعاتنا إلى معايير الامتياز والتنافسية العالمية، والبقاء في الوقت ذاته على منهجنا، من حيث السياسة الاجتماعية والتضامن الوطني. وإننا لقادرون على ذلك لأننا نملك المطلوب من المؤهلات والطموح»، مشيراً إلى أنه أمر الحكومة بإدراج بعث الاقتصاد الجزائري صوب هذا المنحى، بحيث يعبئ القوى الحية للبلاد، ويعتمد على طاقة الشباب، حسب تعبيره.
واللافت أن بوتفليقة يذكّر في كل رسائله (توقف عن مخاطبة الجزائريين بشكل مباشر منذ مايو | أيار 2012)، ومنذ استفحال أزمة النفط، حكومته بإعداد خطط للتغلب على الأزمة، وكأنما يريد أن يبلغ الجزائريين أن العيب في حكوماته المتعاقبة وليس في سياساته، حسب بعض المراقبين.
ودعا بوتفليقة «الشباب ألا ينظر من الآن فصاعداً إلى مستقبله من زاوية تقلبات أسعار النفط. وبالتالي، ينبغي لنا أن نستخلص ما يجب من العبر، ونعيد النظر في الاختلالات الهيكلية لاقتصادنا التي كانت سبباً في شدة تأذينا من الأزمة التي اعترت الأسواق النفطية منذ سنة 2014».
وأضاف بوتفليقة موضحاً: «لا يجوز للجزائر أن تكتفي بدور المصدر للنفط، بل يجب عليها أن تُعمل عبقريتها الوطنية لكي تفرض نفسها كفاعل اقتصادي ناجع وتنافسي. وبذلك سنقلص من هشاشتنا أمام التقلبات الطارئة للأسواق النفطية، ونجعل من الثروة المتمثلة في المحروقات أداة حقيقية لتنمية بلادنا. إنني أعلم أن عاملاتنا وعمالنا يكدون من أجل ذلك بنشاط وإصرار، ولذا أؤكد لهم أنني أشد أزرهم بكل قواي، وأثق فيما يبذلونه من جهود بإخلاص وروح وطنية عالية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».