فقدت الساحة السينمائية التونسية والعربية المخرج الطيب الوحيشي عن عمر ناهز 70 سنة بعد مسيرة إبداعية حافلة أثرى من خلالها خزينة السينما العربية بعدد هام من الأفلام السينمائية التي تحمل هموم المجتمع التونسي ومن ثم بقية المجتمعات الإنسانية.
يعتبر المخرج التونسي الراحل الطيب الوحيشي، من بين المخرجين الأوائل الذين تحصلوا في تونس على أول «تانيت ذهبي»، وكان ذلك في أيام قرطاج السينمائية لسنة 1972، من خلال فيلمه «قريتي، قرية بين القرى»، وهو خريج معهد السينما في باريس عاش سنوات كثيرة في دبي، وقد ترك وراءه إرثاً سينمائياً هائلاً يتعدّى حدود العشرة أفلام طويلة وهي تتميز بتناولها الاجتماعي أو الإنثروبولوجي للمجتمع التونسي وقد تأثر في ذلك باختصاص الإنثروبولوجيا حيث حصل على شهادة الدكتوراه.
اقترنت تجربة الوحيشي الإبداعية بالمغامرة وتحدي الإنسان لإمكاناته الذاتية وقد راهن في أعماله السينمائية على خلق ذائقة مغايرة للسائد بعيداً عن التوظيف الفلكلوري لعادات المجتمع التونسي وتقاليده. وتعدّ أعماله السينمائية سواء الوثائقية منها أو القصيرة أو الروائية، وفق المتابعين لمسيرته الإبداعية، «وثائق تشهد على مساهمته المميزة في النهوض بصناعة السينما في تونس والوطن العربي ككل».
طوال مسيرته الفنية، حصل الوحيشي على تتويجات دولية كثيرة، من بينها جائزة لجنة التحكيم الخاصة بالجزائر، عن فيلم «غوري… جزيرة الجد»، وجوائز أخرى في مهرجانات ميلانو (إيطاليا)، وواغادوغو (بوركينا فاسو)، وباري (إيطاليا)، مونتريال (كندا)، جوهانسبورغ (جنوب أفريقيا)، وروتردام (هولندا)، إضافة إلى تكريمه سنة 2014 في مهرجان الإسكندرية السينمائي عن فيلم «طفل الشمس».
ويعد فيلم «ظل الأرض» أحد كلاسيكيات السينما التونسية وقد توّج في أسبوع النقاد بمهرجان «كان الفرنسي» سنة 1989. وفيلم «ظل الأرض»، لا يختلف كثيراً من حيث المضمون مع فيلم «وقائع سنوات الجمر» الذي أخرجه الجزائري لخضر حامينة، فهو يتحدث كذلك عن مجموعة من سكان الجنوب التونسي الصحراوي (مسقط رأسه) التي تتصارع مع الطبيعة، ويعاني أفراد القبيلة الصغيرة التي نتعرف تباعاً عليهم من شظف العيش، غير أن القبيلة تقف أمام الأحداث الطبيعية (موت الماشية ومقتل أحد المهاجرين إلى فرنسا)، لتعبر عن هويتها وشخصيتها وتبقى صامدة أمام كل المحن.
وعن فن السينما، قال الوحيشي في أحد الحوارات الصحافية: «في السينما نستطيع مواصلة الحلم، ومواصلة المطالبة بالحرية، والجميل أنّها تجمع بين كل الأشياء التي حرمنا منها». وعن رؤيته للإخراج السينمائي، كان قد أفاد بأنّ «السينما، قبل أن تكون فناً، هي نوع من المغامرة أو المجازفة». مضيفاً أنّه كان يتمنّى أن يكون رسّاماً أو موسيقياً، فوجد أنّ السينما تعطيه فرصة كي تتناغم كل هذه العناصر مع بعضها بعضا، لأنه كان يؤمن بموسيقى الصورة.
ومن الأعمال السينمائية التي أخرجها الوحيشي إضافة إلى «ظل الأرض»، نذكر «الطريق المتقاطع» (1970)، و«مجنون ليلى» (1989)، و«عرس القمر» (1998)، و«رقصة الريح» (2002) و«ليلة أفريقية»، و«الخمّاس»، و«قرطاج»، و«طفل الشمس» سنة 2014، وآخرها «همس الماء».
رحيل الطيب الوحيشي مخرج «في ظل الأرض» و«مجنون ليلى»
راهن في أعماله على ذائقة مغايرة للسائد في المجتمع التونسي

المخرج الوحيشي في بداية مسيرته الفنية
رحيل الطيب الوحيشي مخرج «في ظل الأرض» و«مجنون ليلى»

المخرج الوحيشي في بداية مسيرته الفنية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة