وجه دائري، دائم الابتسامة، ألفه المشاهدون في الدراما والسينما على مدار أكثر من 4 عقود، مع أنه لم يكن يوماً من نجوم الصف الأول، أو بطلاً أوحد لعمل فني. بينما أدواره المتنوعة لا تزال محفورة في أذهان الجمهور العربي، وبعض أقواله وعباراته الطريفة لا تزال سارية المفعول في الشوارع والحارات حتى الآن. عاش الفنان المصري محمد متولي، في هدوء تام، ورحل عن عالمنا في أجواء حزن الوسط الفني المصري، بعدما غيّبه الموت، مساء أول من أمس، عن عمر يناهز 73 عاماً، تاركاً عشرات الأعمال الدرامية، والسينمائية والمسرحية، التي يعد بعضها من علامات الدراما والسينما المصرية.
الفنان الراحل... «خوليو» كان صديقاً وفيّاً ومخلصاً في فيلم «سلام يا صاحبي»، و«حجازي» المتسلق والشرير في مسلسل «الشهد والدموع»، والحاج بسيوني، أو «بِسّه» الذي كان يعيش وسط منطقته وأصدقائه دون ضمير أو صدق في «ليالي الحلمية»، و«بطاطا» المحامي الطريف والساذج في مسلسل «أرابيسك»، بينما كان محامياً داهية في «الراية البيضاء»، و«الحاج إسماعيل»، شديد الانفعال، في فيلم «مطب صناعي».
ونعى الفنان الراحل، عدد كبير من الفنانين المصريين والنقابات والجمعيات الفنية، الذين وصفوه بصاحب «القلب الطيب، والوجه البشوش»، كما حرص مجموعة كبيرة من نجوم الفن على المشاركة في صلاة الجنازة، التي أُقيمَت بمسجد السيدة نفيسة، وكان في مقدمة الفنانين محمود حميدة، وفاروق الفيشاوي، وكمال أبو رية، ومنير مكرم، وإيهاب فهمي عضو مجلس إدارة نقابة المهن التمثيلية، وأشرف زكي نقيب الفنانين.
في السياق نفسه، جددت وفاة الفنان محمد متولي، الذي وافته المنية إثر تعرضه لأزمة قلبية مفاجئة، أثناء وجوده في منزله، أحزان وانتقادات قطاع كبير من الفنانين والمثقفين المصريين، لتجاهل تكريم الفنانين الكبار أثناء حياتهم، مع الشروع في ذلك عقب وفاتهم. الفنان المصري الكبير محمود ياسين، قال: «تكريم الفنان في حياته أفضل هدية يمكن أن يتلقاها المبدع على الإطلاق». وأضاف في حديث تلفزيوني سابق، قائلاً: «كثير من المهرجانات الفنية في مصر بدأت تنتبه إلى هذه الحقيقة، وتُقدم على تكريم الفنانين في حياتهم، وليس بعد رحيلهم، كما كانوا يفعلون في السابق». ولفت إلى أن «كل فنان يحتاج إلى أن يلمس من يقدره ويثمن عمله، وهذا يتأتي من الجوائز والتكريم من جانب المهرجانات».
من جانبها، قالت الناقدة الفنية، ماجدة خير الله، لـ«الشرق الأوسط»: «الجمعيات والنقابات السينمائية، والمهرجانات الفنية، جهات منوط بها تكريم الفنانين، الذين أثروا الحياة الفنية وكان لهم دور ووزن في مجال السينما أو الدراما في مصر، وليس الدولة».
وأوضحت أن «مهرجانات سينمائية دولية في مصر، قد كرمت عدداً كبيراً من الفنانين المصريين في حياتهم في السنوات القليلة الماضية، مثل مهرجان شرم الشيخ السينمائي، ومهرجان القاهرة السينمائي، ومهرجان الجونة». ولفتت إلى أن «مهرجان الأوسكار، أكبر حدث فني عالمي، يقوم بتكريم كل الفنانين المتوفين على مدار العام، من خلال نشر صورهم ولقطات من أدوارهم الفنية، كما يمتد التكريم كذلك إلى العاملين بالمهن السينمائية غير التمثيل مثل المونتاج والديكور، والتصوير».
وأضافت خير الله: «الفنان الراحل متولي، لم يحظَ بتكريم يليق به في بداية مشواره الفني، أو حتى قبيل نهاية حياته الممتدة». لكنها ترى أن تكريم الفنان الحقيقي يكون نابعاً من الجمهور، وليس من مؤسسات وجهات تمنح دروعاً، وكؤوساً معدنية للفنانين، لا يتذكرها أحد مع مرور الوقت، وتظل حبيسة الأدراج بعد وفاته، عكس الأدوار الفنية، التي يؤديها الفنان على مدار حياته وتبقى محفورة في الذاكرة طويلاً.
التحق الفنان الراحل، المولود عام 1945 في مدينة شبين الكوم، بمحافظة المنوفية، (شمال القاهرة)، بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، قبل التحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرج فيه مطلع السبعينات وبدأ مسيرته الفنية، بالمشاركة في فيلم «خلي بالك من زوزو» عام 1972، ليشارك بعدها في عشرات الأعمال ما بين السينما والمسرح والتلفزيون.
حملت بدايات متولي موهبة فنية، تم تكريسها في بعض «الاسكتشات» المدرسية، في المرحلة الإعدادية، قبل أن تتوهج في المرحلة الثانوية بمدرسة السعيدية الثانوية، بالجيزة المشهورة باسم «مدرسة الوزراء والعظماء»، وحصد متولي خلال تلك المرحلة ثلاث جوائز ذهبية في التمثيل المسرحي، حصل عليها لأدواره في مسرحية «موتى بلا قبور» لجان بول سارتر، وإخراج عبد الفتاح السباعي، و«العادلون» لألبير كامي وإخراج أحمد علام، وثالثها مسرحية «الأب» لأوجست ستراندبرج.
وخلال دراسته الجامعية، حاول الفنان الراحل أن يوازن ما بين موهبته التمثيلية ودراسته الجامعية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، فقرر الالتحاق بمعهد التمثيل لاستثمار قدراته الفنية.
إلى ذلك، اعتبر متولي نفسه محظوظاً، حيث قال في أحد اللقاءات التلفزيونية التي ظهر بها قبل وفاته: «وجدتُ من يأخذ بيدي في بدايتي، وأذكر الفنان الراحل حمدي غيث، والعملاق محمود مرسي في مسلسلات (أبو العلا البشري)، و(أبو العلا 90)، و(المحروسة 85)».
ولفت إلى «أنهما كانا يشجعانه على أداء أدوار متميزة، بعد نجاحه في لفت أنظارهما إليه من خلال الجمل الكوميدية التي كان يلقيها على مسامعهم أثناء أيام التصوير».
وعن عمله مع الزعيم عادل إمام، قال محمد متولي، إنه يعتبر دوره في فيلم «سلام يا صاحبي» من أفضل الأدوار التي قدمها في حياته الفنية، مضيفاً: «دور (خوليو) في (سلام يا صاحبي)، ترك بصمة كبيرة عند المشاهدين لأن الفيلم حقق أعلى نسبة إيرادات في ذلك الوقت».
يُشار إلى أن نصيب الفنان الراحل محمد متولي من الأعمال الفنية، يتخطى حاجز 200 عمل، سواء في السينما أو التلفزيون والمسرح والإذاعة، ومن أبرز أعمال متولي، كان مشاركته في فوازير «نيللي» وشخصية «أبو العلا»، في فيلم «استغاثة من العالم الآخر»، «وخوليو» في سلام يا صاحبي، و«بِسة» في ليالي الحلمية، و«مصطفى بطاطا» في «أرابيسك»، و«الصول شرابي» في مسلسل «المال والبنون»، و«الحاج إسماعيل»، في فيلم «مطب صناعي»، وكان آخر ظهور له على الشاشة الفضية، في مسلسل «سابع جار»، الذي يجري عرضه حالية على شاشة إحدى القنوات الفضائية المصرية.
«محامي أرابيسك» يرفع «الراية البيضاء»
رحيل محمد متولي يجدد الانتقادات لتجاهل تكريم الفنانين
«محامي أرابيسك» يرفع «الراية البيضاء»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة