شيّع عددٌ كبير من الفنانين والمثقفين المصريين، الناقد السينمائي الدكتور علي أبو شادي، أمس، أحد أهم النقاد السينمائيين في مصر والعالم العربي الذي توفي الجمعة الماضي عن عمر ناهز 72 سنة.
وعلى الرغم من تولي أبو شادي منصب رئيس إدارة الرقابة على المصنفات الفنية مرتين (1996 و1999)، وكذلك في الفترة (2004 : 2009)، فإنه عُرف بمواقفه الرافضة لتقييد حرية الإبداع. وقال أبو شادي، في أحد تصريحاته الصحافية: «أنا مع إلغاء الرقابة، وأدعو لكسر أي قيد على أي مبدع وفنان حقيقي وأطرح أن تكون الرقابة على السينما تحديداً شعبية يكون للجمهور الكلمة الأولى والأخيرة فيها»، وأضاف أن «الرقابة أمر قانوني، وهي ليست ضد حرية الإبداع»، وفي حوار آخر قال إن «الرقابة أمر قانوني، لكنّ لها سقفاً، والرقيب يخضع لضغوط السلطة السياسية، وأيضاً للضغوط الشعبية»، مشيراً إلى أن الحل لحماية الإبداع هو «إعادة هيكلة التعليم والثقافة، للتخلص من أزمة قصور الوعي لدى المجتمع».
وتحدث وزير الثقافة المصري الأسبق، فاروق حسني إلى «الشرق الأوسط»، عن أبو شادي ووصفه بأنّه «كان صديقاً ومثقفاً كبيراً ومن أكبر نقاد السينما، وتولى مناصب عدة في الفترة التي توليت فيها الوزارة، ولا يمكن أن يحتلها إلا بدرايته وقدرته على العمل»، واصفاً أبو شادي بأنّه «صاحب أخلاق رائعة، وهادئ في التعامل»، وأضاف: «الفترة التي تولّى فيها الرقابة على المصنفات الفنية شهدت انفتاحاً كبيراً في الفنون».
وكان لأبو شادي مواقف قوية تنتصر لحرية الإبداع، وتسببت في أزمات عدة كان أشهرها إصدار رواية «وليمة لأعشاب البحر» للكاتب السوري حيدر حيدر التي طبعتها الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2001 التي كان يرأسها حينها أبو شادي، وتسببت في أزمة كبيرة في الشارع المصري، حتى «كُفّر أبو شادي وأهدر دمه من جانب الجماعات الإسلامية»، وكانت تلك الرواية هي سبب صدور قرار بإقالته من رئاسة هيئة قصور الثقافة، استجابة لضغوط نواب جماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت.
واستكمل حسني تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، عن تلك الفترة المرتبطة بعزل أبو شادي من منصبه: «لم أكن أريد أن أعطي فرصة للمتأسلمين، وبعد أزمة الرواية طلبت من جميع المسؤولين عن النشر التزام الحذر، لكن صدرت الروايات الثلاث وحدثت أزمة كبيرة، فقرّرت تنحيته»، مشيراً إلى أن «قيادة بهذه الكفاءة لم يكن من الممكن أن تبقى خارج الوزارة، لذلك قررت تعيينه أميناً عاماً للمجلس الأعلى للثقافة».
أبو شادي من مواليد محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1946، تخرج من كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1966، جذبته السينما فانضم إلى عضوية جماعة السينما عام 1971، وجمعية نقاد السينما المصريين عام 1972، وحصل على دبلوم الدراسات العليا من المعهد العالي للنقد الفني عام 1975.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الدكتور أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الأسبق، إن «أبو شادي مثقف كبير وناقد سينمائي عظيم وظاهرة إنسانية فريدة، فمحبة الناس له كبيرة»، مشيراً إلى أنه «على المستوى الشخصي اعتاد أن يكون في استقباله في أماكن كثيرة منذ أن كان رئيساً للمركز القومي لثقافة الطفل، واليوم انتظره للمرة الأخيرة وكان في استقبال جثمانه». وأضاف أنّ «المثقفين تضامنوا معه عندما استدعي للنيابة بسبب رواية (وليمة لأعشاب البحر)، وأذكر أنّني قابلته وقلت له ذلك، فرد علي ممازحاً: العقوبة في جرائم النشر فردية، وسنسجن جميعاً»، مشيراً إلى أن «أبو شادي كان مدافعاً عن حرية التعبير، ويحسب له أنّه لم تحدث أي مشكلات في الفترة التي تولّى فيها منصب رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية».
وتولى أبو شادي عدة مناصب؛ منها أمين اللجنة العليا للمهرجانات من 2001 إلى 2008، وعمل رئيساً لمجلس إدارة الهيئة العليا لقصور الثقافة من 1999 حتى 2001، كما شغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة عام 2007، ورئيس المركز القومي للسينما من 2001 إلى 2008، ورئيس المهرجان القومي للسينما المصرية من 1998 وحتى 2010، ورئيس مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام القصيرة والتسجيلية من عام 2002 وحتى 2010، وعضو مجلس إدارة غرفة صناعة السينما في الفترة من 2006 إلى 2009، ورئيس المهرجان القومي للسينما 1998 إلى 2010، وأشرف على إنتاج 100 فيلم تسجيلي وروائي قصير.
وكتب الناقد الراحل مقالات عدّة دفاعاً عن حرية التعبير وكان أشهرها دفاعه عن فيلم «البريء»، للمخرج عاطف الطيب، إذ كتب مقالاً بعنوان «3 وزراء يغتالون فيلماً»، اعتراضاً على حذف مشهد النهاية من الفيلم، وله عدد من المؤلفات التي أثرت المكتبة السينمائية في مصر والعالم العربي، من بينها «السينما التسجيلية في السبعينات»، و«كمال الشناوي... شمس لا تغيب»، و«الفن بين العمامة والدولة»، و«كلاسيكيات السينما المصرية».
ووصف الدكتور خالد عبد الجليل، مستشار وزير الثقافة لشؤون السينما ورئيس المركز القومي للسينما، وفاة أبو شادي بأنّها «خسارة كبيرة للوسط الفني».
وكتب الدكتور عماد أبو غازي، وزير الثقافة الأسبق، على صفحته على «فيسبوك»، ناعياً: «كان مليان بالحيوية والعطاء... يدقق في العمل بإخلاصه المعهود... عرفته من 40 سنة... باعتباره صديقاً لوالدي، ثم أستاذاً لي، تعلمت من كتابته ومن العمل تحت رئاسته ومعه... فقدك خسارة كبيرة لكل من عرفوك. وخسارة لحركة النقد والتأريخ للسينما. وخسارة للثقافة المصرية».
مصر تودّع علي أبو شادي... الرقيب الذي دافع عن حرية الإبداع
أقيل من رئاسة «قصور الثقافة» بعد إصدار رواية «وليمة لأعشاب البحر» المثيرة للجدل
مصر تودّع علي أبو شادي... الرقيب الذي دافع عن حرية الإبداع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة