تعددت أشكال وأنواع الجرائم المستحدثة الأمنية والفكرية، منذ أن بدأت ظاهرة الإرهاب بالسعودية، في 12 مايو (أيار) 2003، عندما انفجرت ثلاثة مجمعات سكنية في وقت واحد، في شرق العاصمة الرياض، ونفذ الحادث 12 انتحاريا، ونتج عنه مقتل 35، ونحو مائتي جريح، واستلزم الأمر وجود محاكم شرعية متخصصة، خصوصا أن هناك عددا من الشباب تعرضوا للتغرير بالفكر التكفيري، وذلك بدعم المحاكم القضائية بمزيد من القوة والمقدرة، على فهم ومعرفة الجرائم ودراسة أبعادها، وإصدار العقوبات المناسبة ضد مرتكبيها.
وأوضحت دراسة لمرحلة الماجستير بعنوان «المحكمة الجزائية المتخصصة»، أن إنشاء المحاكم المتخصصة جاء لمواكبة المتغيرات والتطورات التي تشهدها السعودية، في جمع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، للمساهمة في تخفيف العبء على القضاة، وسرعة البت في القضايا، وإنهاء الخصومات. وقال الباحث نايف الغامدي، الذي ناقش الدراسة في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية أخيرا، إن نتائج الدراسة تدعم شرعية المحكمة الجزائية المتخصصة في قضايا أمن الدولة والإرهاب في السعودية، وتؤكد أن المحكمة التزمت بحفظ حقوق المتهمين، وتحقق مبادئ العدالة القضائية، وإنشاء إدارة للدراسات القضائية داخل مقر المحكمة.
يُذكر أن المحكمة الجزائية المتخصصة أنشئت بالطرق الإدارية المعروفة، بعد صدور قرار من المجلس الأعلى للقضاء، ثم صدور الأمر الملكي، لتعجيل النظر في القضايا التي تردها، ومن ثم أعطيت عموم الاختصاص في النظر، لئلا يطول أمر عرض معاملات السجناء على محاكم عدة.
وأشار الغامدي إلى أن المحكمة الجزائية المتخصصة تعمل بمبدأ القاضي الفرد، ومبدأ الدوائر القضائية، والتزمت في النظام القضائي السعودي بحفظ حقوق المتهمين، وتحقيق مبادئ العدالة القضائية، وضمنها «علنية الجلسات، واستقلال المحكمة، وقابلية أحكامها للاستئناف والطعن، وإعطاء المتهم المهلة الكافية لإعداد جوابه والرد على لائحة الدعوى، وحق الدفاع عن نفسه وتوكيل محام»، مؤكدا أن المحكمة لم تفرض عليها أو على قضاتها عقوبات معينة، من أي سلطة أو جهة أخرى في البلاد.
ولفت الباحث صاحب الدراسة إلى أن إنشاء إدارة تحت مسمى «إدارة الدراسات القضائية والأنظمة» داخل المحكمة، ودعمها بالمستشارين الشرعيين، وذوي الاختصاص والخبرة في مجال الأنظمة والقانون، يصبح رافدا في تطوير عمل المحكمة، على أن تتولى جمع الأنظمة والقواعد الشرعية، ونتائج الدراسات والبحوث القضائية وتبوبيها وفهرستها ليسهل الرجوع إليها داخل المحكمة. وأضاف أن «الإدارة المقترحة في عمل الدراسات القضائية داخل المحكمة تشرف على جمع الأحكام والقرارات الصادرة عن المحكمة، وإعداد ومتابعة الدراسات العلمية والإدارية التي تساعد على تنظيم وتطوير العمل داخل المحكمة».
وأوصت الدراسة بإضافة جرائم «انتحال الشخصيات الدبلوماسية، وجرائم تزوير الأختام، وجرائم خطف المسؤولين» إلى اختصاص المحكمة، حتى في حال لم تكن مرتبطة بجرائم أخرى، في حين أهابت بجميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الاستفادة من تجربة المحكمة الجزائية المتخصصة، نظرا لتميزها، ووفائها بجميع الضمانات الشرعية والنظامية، وحفظ حقوق المتهمين في قضايا الإرهاب وجرائم أمن الدولة.
وبشأن اطلاع الباحث على القضايا المنظورة والأحكام الصادرة في المحكمة، قال الغامدي إن غالبية المتهمين ممن تنظر قضاياهم أمام المحكمة، كان سبب اعتناقهم الفكر والسلوك التكفيري ناتجا عن الجهل والعاطفة غير المنضبطة إما لصغر السن، وحداثة العهد بالاستقامة، أو قلة التأهيل العلمي لدى غالبيتهم، ولم يؤخذ مشورة هيئة كبار العلماء.
ولفتت الدراسة إلى أن قبول قضاة المحكمة الجزائية المتخصصة واعتماد تصديق المحاكم الأخرى على أقوال واعترافات المتهمين، دليل على نزاهة القضاء السعودي واستقلاليته، وأن المحاكم بمختلف درجاتها تمثل منظومة عدلية متكاملة ومترابطة، كما أنه لا وجود للقضاء الاستثنائي أو الخاص بينها. وذكر أن عقد المحكمة لجلساتها بطريقة مجدولة وفي مواعيدها المتتالية المتقاربة دليل على التزامها بمواعيد الجلسات، والحرص على إنهاء الدعاوى في أقصر مدة، ورفض المماطلة أو التأخير، على الرغم من تقاعس بعض المدعى عليهم، وتخلفهم عن حضور الجلسات.
وأبان الباحث أن المحكمة الجزائية المتخصصة تمتثل لمبدأ علنية الجلسات واهتمامها الفائق به على الرغم من الخصوصية، وأنها تتيح الفرصة لممثلي جمعية حقوق الإنسان، ووسائل الإعلام، ووكلائهم من المحامين وذوي المتهمين لحضور جلسات المحاكمة، والاستماع إلى مداولات الجلسات ومنطوق الأحكام، لافتا إلى أن المحكمة عملت على مراعاة الضمانات الشرعية والنظامية للمتهمين، وحفظ حقوقهم في الدفاع عن أنفسهم، ويشمل ذلك إبلاغ المدعى عليهم قبلها بوقف كاف بوقت الحضور، كما يسمع القاضي دعوى المدعي العام في تعذر حضور المتهم المكلف ثم ترصد في ضبط القضية.
وذكر الغامدي أن أهمية المحكمة تكمن في ثلاث نقاط رئيسة هي «حساسية القضايا التي تنظرها وارتباطها بالجماعات الحزبية المؤثرة في الأمن السياسي للبلاد، وحماية الأمن الفكري، وتخفيف العبء على المحاكم العامة وسرعة البت في القضايا».
«الجهل» و«العاطفة» و«حداثة الاستقامة» سبب اعتناق الفكر التكفيري
أكاديمي: «الجزائية المتخصصة» لم تفرض على قضاتها عقوبات من أي سلطة بالبلاد
«الجهل» و«العاطفة» و«حداثة الاستقامة» سبب اعتناق الفكر التكفيري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة