في الوقت الذي تحاول فيه منظمة اليونيسكو وجهات عالمية كثيرة إعادة الاعتبار إلى إحياء الموصل، مركز محافظة نينوى، بعد الدمار واسع النطاق الذي خلفه احتلال تنظيم داعش لها لنحو ثلاث سنوات 2014 – 2017، فإن النفوذ الحزبي في بعض مناطق المحافظة، ولا سيما سهلها الذي ضم أقليات مسيحية وإيزيدية وشبكية، حوّلها إلى ساحة صراع بالنيابة بين أحزاب وفصائل مسلحة عربية وكردية.
وكانت المديرة العامة لليونيسكو أودري أزولاي، أعلنت أمس، إطلاق مبادرة تهدف إلى إعادة إحياء مدينة الموصل وتنسيق الجهود الدولية في هذا الصدد؛ وذلك بمناسبة انتهاء المؤتمر الدولي لإعادة إعمار وتنمية العراق الذي عقد في مدينة الكويت في الفترة بين 12 - 14 فبراير (شباط) الحالي. وقالت أزولاي في بيان: إن هذه المبادرة تهدف إلى تعزيز روح التعايش السلمي وقيام مجتمع شامل للجميع من خلال المشاركة في إعادة إحياء العراق على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، إضافة إلى المساهمة في التنمية المستدامة وتحقيق المصالحة بين المجتمعات المحلية من خلال صون التراث الثقافي وتعزيزه.
ويحذر عضو البرلمان عن محافظة نينوى، أحمد الجبوري، في حديث لـ«الشرق الأوسط» من أن من شأن صراع النفوذ المفتوح في سهل نينوى، لو استمر، أن «يعيد (داعش) وسواه من القوى المتطرفة مرة أخرى ما لم يتم فرض هيبة الدولة لا الأحزاب والفصائل المسلحة التي دخلت إلى المنطقة بحجج وأساليب مختلفة وصولاً إلى تشكيل حشود مختلفة من بين أبناء هذه المناطق من أجل مقاتلة (داعش) سرعان ما تحولت إلى إحدى أدوات الصراع المفتوح».
وسهل نينوى يتألف من ثلاثة أقضية هي الحمدانية والشيخان وتلكيف. ويعتبر السهل الموطن التاريخي لمسيحيي العراق، ولا يزال بها تواجد مسيحي مكثف إلى جانب الإيزيديين والتركمان والشبك والعرب. وتعتبر هذه المناطق من المناطق المتنازع عليها بحسب المادة 140 من الدستور العراقي لسنة 2005، كما شهدت السنوات الأخيرة دعوات من بعض الساسة لإقامة منطقة حكم ذاتي أو محافظة خاصة بالأقليات في هذه المنطقة، وخصوصاً بعد تزايد حدة الهجمات عليهم في مدن عراقية أخرى.
النائب الجبوري يقول إن «سهل نينوى يقع في الساحل الأيسر من الموصل شرق نهر دجلة، حيث كانت دهوك قضاء تابعاً لنينوى، والمكونات في المحافظة هي نتيجة طبيعية للغزوات التي حصلت عبر التاريخ، خصوصاً الشبك والتركمان والإيزيديين والمسيحيين»، مبيناً أن «الأٌقليات في هذه المناطق بعد (داعش) امتلكت السلاح وأصبحت جزءاً من (الحشد الشعبي)، حيث إن الشبك لديهم سطوة على العرب في نينوى بسبب أن العشائر العربية انتمى بعض أبنائها إلى (داعش)؛ الأمر الذي جعلهم يعاقبون العرب تحت هذه الحجة، وبالتالي هم يمكن أن يفرضوا وجوداً غير شرعي، بما في ذلك إملاء صناديق الاقتراع لصالح طرف معين في الانتخابات المقبلة، وهو ما ينطبق أيضاً على الحشد المسيحي الموجود في الساحل الأيمن وليس الأيسر ويمارس ضغوطاً على العرب، بينما العرب يمثلون أكثر من 80 في المائة في نينوى، لكنهم بسبب (داعش) وما حصل يتحملون الجزء الأكبر من الاتهامات».
ويرى الجبوري أن «انكفاء القيادات السنية للعرب هناك أدت إلى هذا التشرذم الذي استفادت منه هذه الأطراف، ومنهم أيضاً الإيزيديون الذين لديهم حشود عسكرية تمول من الدولة، إضافة إلى دعم الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث تحولت هذه القوة ضد العرب في سنجار ومناطق أخرى». ويلفت الجبوري إلى أن «الشبك أكثرهم مرتبطون بمنظمة بدر، وهناك حشود مسيحية وتركمانية وإيزيدية، وكلهم يمارسون ضغوطاً على الأكثرية وهم العرب السنة؛ وهو ما يعني أن الأمور قابلة للانفجار».
من جهته، يرى الدكتور دريد جميل، عضو المكتب السياسي لحركة بابليون المسيحية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «منطقة سهل نينوى وبسبب هيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني على أطراف معينة من الأقليات ومنهم الإيزيديون وجزء من الشبك وسواهم تحولت إلى منطقة صراع مفتوح؛ لأن هذا الحزب يهمه فرض السيطرة على هذه المنطقة من خلال أدوات يتحكم بها، لكن المشكلات تفجرت بعد احتلال تنظيم داعش، وما حصل بعدها من مشكلات بات من الصعب التعامل معها بسبب تداخل الأجندات وتفاقم الصراع إلى مستويات قد لا يمكن التحكم بها». ويضيف جميل إن «الحاجة ماسة في هذه المناطق إلى فرض سيطرة الدولة، وهو أمر قد لا يتحقق بين عشية وضحاها»، موضحاً أن «المسيحيين لديهم أجندة واحدة، وهي الوطنية ولا يمكنهم المساومة عليها، لكنهم بعد (داعش) اضطروا إلى الهجرة إلى خارج العراق، ولم يتمكنوا من العودة حتى الآن؛ لأنهم متخوفون جداً حتى أن بيوتهم تعرضت إلى عمليات بيع وشراء من قِبل أقليات أخرى تريد أن تفرض رؤيتها الخاصة على المنطقة بينما الجميع يعرف أن سهل نينوى منطقة مسيحية»، معتبرا أن «الحل يكمن في فرض هيبة الدولة وفي توسيع الحكم اللامركزي في هذه المنطقة».
لكن محمد الشبكي، عضو المكتب السياسي لتجمع الشبك الديمقراطي، يقول لـ«الشرق الأوسط»: إن «المخاوف التي يتحدث عنها المسيحيون ليست مبررة على الإطلاق، خصوصاً أنهم منذ عام 2010 وليس مع احتلال (داعش) لهذه المنطقة عام 2014 ينشرون دعايات مفادها أن الشبك يريدون إخراج المسيحيين من سهل نينوى، وإن الشبك يحاولون إحداث تغيير ديموغرافي في تلك المناطق، وهي أمور غير صحيحة».
بينما ينتمي كل من الشبك والمسيحيين إلى حشود تشرف عليها جهات حزبية وسياسية في بغداد، وهي قيادات بارزة في الحشد الشعبي، فإنهم، رغم ذلك، لا يثقون ببعضهم بعضاً. ويقول الشبكي: إن «الصراع على سهل نينوى يعود إلى ما تحتويه هذه المنطقة من خزين نفطي استراتيجي هائل مما يجعله عنصر صراع بين العرب والأكراد والسنة والشيعة والأقليات».
سهل نينوى بعد «داعش»... صراع نفوذ مفتوح أدواته الأقليات
فصائل مسلحة تتنازعه ودعوات لفرض هيبة الدولة
سهل نينوى بعد «داعش»... صراع نفوذ مفتوح أدواته الأقليات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة