تمكن فريق بحثي مصري - أميركي مشترك حديثا من الكشف عن وجود نوع جديد من الديناصورات في صحراء مصر الغربية، سُمي - منصوراصورس - تيمناً بجامعة المنصورة التي مولت البعثة التي كشفت النقاب عن عظام ذلك النوع الجديد من الديناصورات. فكيف تمكن الفريق البحثي من اكتشاف الديناصور؟ وما هي الأساليب العلمية التي تم استخدامها للتأكد من طبيعته وتكوينه وشكله الخارجي؟
اكتشاف الحفريات
قبل نحو 540 مليون عام، بدأت الحياة تتطور على سطح الأرض، من وقتها؛ ظهرت الكائنات المختلفة، وبدأت عملية تكون الحفريات التي نعثر عليها بين آن وآخر، فحين يموت الكائن، تتحلل أنسجته وعظامه بفعل بكتيريا التحلل، وتتلاشى عظامه بسبب المياه ويحل محلها المواد المعدنية، تُدفن بقاياه في الطبقات الرسوبية، ويتحول إلى حفرية.
وحسب الدكتورة سناء السيد، نائبة مدير مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، وواحدة من مكتشفات الديناصور المصري منصوراصورس، فإن «عوامل التعرية تكشف لنا عن عظام تلك الكائنات، التي حُفظت لملايين السنوات في الصخور الرسوبية لكوكب الأرض».
«يبدأ البحث عن الحفريات بطريقة بسيطة، إذ تقوم الفرق البحثية بتحديد نوع الحفرية التي تريد العثور عليها أولاً» وفق ما تقول الدكتورة سناء في حديثها إلى «الشرق الأوسط»، والخطوة الأولى تشمل «تحديد الإطار الزمني الذي عاش فيه الكائن» ثم يبدأ تحديد الصخور الرسوبية التي تكونت في تلك الفترة.
ويقول الدكتور «شريف فاروق» أستاذ الجيولوجيا المساعد في مركز بحوث البترول، «طيلة العقود الماضية، رسم الجيولوجيون مجموعة من الخرائط للصخور الرسوبية حول العالم، ووضعوا عليها عمر تكونها؛ إما عبر دراستها كيميائياً وتحليلها داخل المختبرات، وإما باستخدام طُرق القياس الإشعاعي التي ترصد فترة عمر نصف المواد المشعة داخل الصخور». ويعمل الدكتور شريف منذ سنوات على دراسة التتابعات الطبقية للصخور الرسوبية المصرية بهدف رسم خريطة جيولوجية شاملة لمصر.
يستخدم الباحثون عن الحفريات تلك الخرائط للوصول إلى الأماكن المنشودة، فمثلاً؛ وحين الحديث عن الديناصورات، يعرف العلماء أنها عاشت على الأرض في الفترة ما قبل 230 مليون عام إلى 60 مليون عام، وبالتالي «نتوجه إلى الطبقات الرسوبية التي تكونت في تلك الفترة» كما تقول الدكتورة سناء السيد.
بعد تحديد نوعية الصخور التي يُحتمل أن تحوي حفريات للكائنات الحية القديمة، يبدأ العلماء في نبشها للبحث عن الحفريات، في الغالب؛ تأخذ الحفرية شكل الصخور، إذ إن مادة الكالسيوم المكونة للعظام تتلاشى تماماً وتحل محلها المواد المعدنية المكونة للصخرة. وتقول سناء: «في تلك المرحلة، لا تستطيع الكواشف المعدنية أو حتى أكثر الحواسب تطوراً استخراج الفروق بين الصخرة والحفرية... وبالتالي؛ يحتاج الأمر إلى عين بشرية خبيرة تستطيع التفريق بين الحفرية والصخور».
دراسة الحفريات
يبدأ الباحثون في النظر إلى الصخور «نتحرك وأعيننا على الصخور والرمال» تقول سناء، التي تشير إلى أن البحث عن الحفريات الفقارية بالعين المجردة كالبحث عن «إبرة في كوم قش» إلا أنه لا يوجد في تلك المرحلة تقنية «تستطيع أن تفعل ما يفعله البشر».
بمجرد العثور على الحفرية، تبدأ الإجراءات على الفور، يقوم العلماء بعشر خطوات لاستخراجها، بمساعدة تقنيات بسيطة للغاية، تشمل الخطوة الأولى عملية تنظيف الحفرية بالفرشاة لإظهار حدود العظام، ثم يقوم الباحثون بوضع نوع مخصص من الصمغ مُكون من مادة كيميائية تُسمى «بولي فينيال أستيتات» ذائبة داخل مادة متطايرة تُسمى «أسيتون».
إذا ما كان حجم الحفرية أقل من حجم كف اليد، وليس لها امتدادات كبيرة في الصخور، فيقوم الباحثون بلف العينة داخل مجموعة من المناديل الورقية لحمايتها أثناء النقل، وتوضع في أكياس بلاستيكية يُدون عليها موقع العثور عليها، وتاريخها، والمواصفات التشريحية للقطعة.
أما إذ كانت الحفرية كبيرة الحجم، يقوم العلماء بالحفر في الصخور من حولها بمسافة لا تقل عن نصف متر، عبر استخدام أدوات مُخصصة للحفر، بعدها يبدأ وضع عازل للحفرية، مكون من 4 طبقات من المناديل الورقية المبللة، وطبقة من ورق الألمونيوم، وطبقة من الخيش (نوع من الأقمشة المسامية) و3 طبقات من الجبس.
بعد تغليف الحفرية، كما تقول الدكتورة سناء السيد - يتم حفر خندق أفقي تحت العينة، ثم يجري تدويرها رأساً على عقب، وإعادة كل إجراءات وضع العازل مرة أخرى، ثم يتم التخلص من الزيادات الصخرية، وتدوين المعلومات اللازمة على «الجاكت الجبس».
ديناصور «منصوراصورس»
وإذا ما كان استخراج الحفريات يعتمد على أدوات بدائية، فالتعرف عليها يحتاج إلى تكنولوجيات متقدمة، حسب سناء، التي تقول إن «التكنولوجيا تبدأ في التداخل مع العمل الحفري فور نقل الحفرية إلى المختبرات يبدأ الفريق في تصوير الحفرية بالأشعة المقطعية، لمعرفة مسارات الأعصاب والشرايين والعضلات التي تترك أثراً لا يزول من العظام حتى ولو دفنت لملايين السنوات».
بعد التصوير؛ يقوم العلماء بتحميل الصور على برامج كومبيوترية مُخصصة، تُظهر اتجاهات العضلات وحجمها، وعبر استقاء تلك البيانات، يرسم العلماء برسم صورة تقريبية للكائن الذي عُثر عليه.
في حالة، عثر العلماء على 65 في المائة من هيكله، وبالتالي، استخدم الباحثون تصوراً قديماً لكائنات شبيهة لإعادة بناء شكل الديناصور «قمنا ببناء شكل منصوراصورس باستخدام الحاسوب، عثرنا على أجزاء كبيرة منه، وقمنا بمضاهاته بأقرب الكائنات شبهاً له لاستنتاج الأجزاء التي لم يتم العثور عليها».
نعرف أن الديناصورات من الزواحف، لذا؛ يقوم العلماء بتخيل شكل الجلد الخارجي، ومظهر العينين، ولون الكائن عن طريق مراقبة الكائنات الشبيهة التي تعيش في حاضرنا، وعبر تغذية الحاسوب بتلك المعلومات؛ يقوم برسم صورة تقريبية لذلك الكائن.
يختلف الأمر تماماً في حالة الحفريات غير الفقارية، فمعظم الكائنات التي شكلت ذلك النوع من الحفريات دقيقة الحجم، لا تُرى بالعين المجردة، لذا يستخدم الباحثون الميكروسكوبات والأدوات المُكبرة لإيجاد الحفريات.
«في عملنا، الحواس تهزم التكنولوجيا» تقول سناء السيد، مشيرة إلى أن البشر سيظلون دائماً وأبدا «أصحاب اليد العليا في العثور على الحفريات وتميزها عن بيئتها المحيطة».
كيف اكتشف العلماء الديناصور «منصوراصورس»؟
باحثون مصريون لـ «الشرق الأوسط»: تقنيات كومبيوترية ساهمت في تصويره
كيف اكتشف العلماء الديناصور «منصوراصورس»؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة