اشتباكات طرابلس تتصاعد.. و«قادة جبل محسن» يهددون بمحاصرة المدينة

وزير الداخلية اللبناني لـ {الشرق الأوسط} : يجب منح الجيش صلاحية كاملة للضرب بيد من حديد

دبابة للجيش اللبناني في أحد شوارع طرابلس بينما يتصاعد عمود من الدخان في سماء المدينة أمس (رويترز)
دبابة للجيش اللبناني في أحد شوارع طرابلس بينما يتصاعد عمود من الدخان في سماء المدينة أمس (رويترز)
TT

اشتباكات طرابلس تتصاعد.. و«قادة جبل محسن» يهددون بمحاصرة المدينة

دبابة للجيش اللبناني في أحد شوارع طرابلس بينما يتصاعد عمود من الدخان في سماء المدينة أمس (رويترز)
دبابة للجيش اللبناني في أحد شوارع طرابلس بينما يتصاعد عمود من الدخان في سماء المدينة أمس (رويترز)

تصاعدت حدة الاشتباكات في طرابلس اللبنانية أمس على محور جبل محسن (ذات الغالبية العلوية) وباب التبانة (ذات الغالبية السنية) على خلفية الأزمة السورية. وسجل ليل السبت - الأحد، استخدام القذائف الصاروخية والهاون والـ«أنيرغا» التي سمعت أصداؤها في المناطق البعيدة من محاور القتال. وهدأت الاشتباكات صباحا، لتعود طوال ساعات النهار، أعمال القنص، لا سيما عند أوتوستراد طرابلس الدولي الذي لا يزال مغلقا نتيجة استهدافه. ووصل الرصاص الطائش إلى مناطق بعيدة عن أماكن الاشتباكات في حين كانت وحدات الجيش اللبناني ترد على مصادر النيران بشكل مركز، وفق ما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام.
وعلى وقع التخوف من انفلات الوضع في طرابلس بشكل يصعب التحكم به، لا سيما بعد البيانات والبيانات المضادة بين من أطلقوا على أنفسهم تسمية «أولياء الدم» في كل من جبل محسن وباب التبانة المتنازعتين، سجل حراك سياسي وأمني على أكثر من خط في محاولة لتهدئة الأوضاع في عاصمة الشمال، أهمها لقاء عقد بين رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة السابق، رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة. وارتفعت حصيلة الاشتباكات بعد ثلاثة أيام على بدء المواجهات إلى 13 قتيلا وأكثر من 70 جريحا، 24 من باب التبانة و12 من جبل محسن و13 من القوى الأمنية. وكان عناصر الجيش اللبناني يعمدون إلى سحب المصابين ونقلهم إلى مستشفيات المدينة للمعالجة.
وبعدما كانت مجموعة «أولياء الدم» في باب التبانة تبنت إطلاق النار على أشخاص من جبل محسن الخميس الماضي على خلفية تفجير مسجدين بالمدينة في أغسطس (آب)، معلنة استمرارها في استهداف أهالي جبل محسن إلى حين تسليم زعيم الطائفة العلوية علي عيد وابنه رفعت، أصدرت «اللجنة الموحدة لقادة المحاور في جبل محسن» بيانا، ليل أمس، أعلنت فيه «عدم السماح بعد اليوم لأي اعتداء على أي مواطن في جبل محسن ولا على أي منشأة أو مؤسسة يملكها ابن جبل محسن».
وهددت اللجنة أن الرد سيكون في كل لبنان معلنة فرض الحصار الكامل على مدينة طرابلس منذ اليوم (الاثنين) «حتى تسليم كل من حرض وهدر دم أبناء جبل محسن للقضاء وبملاحقة أي طرابلسي يخرج من المدينة». وحذرت «أبناء الأقضية المجاورة من أنهم سيكونون تحت مرمى نيراننا، إن حاولوا القدوم إلى طرابلس».
ووصف وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» جولة الاشتباكات الثامنة عشرة في طرابلس، بـ«التحدي الأكبر وليس الأخطر» بالنسبة إلى الجيش والقوى الأمنية والسياسيين على حد سواء، على اعتبار أن فريقي القتال يرفضان التراجع ومصران على الاستمرار في المواجهات. وأكد شربل أن الحسم في عاصمة الشمال يتطلب حسما في مواقف الأطراف السياسية والوزراء والنواب المحسوبين على فريقي 8 و14 (آذار). وأضاف: «على الجميع تحمل مسؤولياتهم والإعلان بشكل واضح وصريح عن رفع الغطاء السياسي على المقاتلين ومنح الجيش الصلاحية الكاملة للضرب بيد من حديد».
وعد شربل أن المواقف التي صدرت وتصدر ليست كافية وحتى الآن يبدو أن الوضع الأمني في طرابلس سيبقى على هذه الحالة، مطالبا القوى السياسية بالاجتماع وتوحيد قرارها في هذا الإطار كي تتمكن القوى الأمنية بالقيام بواجباتها كما يجب. وبعد ظهر أمس، أعلنت قيادة الجيش مديرية التوجيه في بيان لها أنها نفذت سلسلة دهم لأماكن تجمع المسلحين ومراكز القناصة، حيث أوقفت ثمانية مسلحين وضبطت كمية من الأسلحة الحربية الخفيفة والذخائر العائدة لها، بينها بندقية وقناصة بالإضافة إلى أعتدة عسكرية متنوعة. وقد سلم الموقوفون مع المضبوطات إلى المراجع المختصة لإجراء اللازم، بينما سطر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر استنابات قضائية إلى الأجهزة الأمنية في الشمال من شرطة عسكرية وقوى أمن داخلي وغيرها من القوى الأمنية، بالبحث والتحري عن الأشخاص الذين يشاركون في الأحداث الأخيرة في طرابلس ويطلقون النار على الجيش والسكان والأهالي، وطلب معرفة أسمائهم وتوقيفهم وسوقهم إلى دائرته.
من جهته، توجه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في بيان له إلى أهالي طرابلس، وأعلن عن قرار اتخذ أول من أمس خلال الاجتماع الموسع الذي عقد في طرابلس وحضره سياسيو المدينة ورؤساء القوى الأمنية، بعد التشاور مع الرئيس اللبناني ميشال سليمان، بوضع كل القوى الأمنية تحت إمرة قيادة الجيش لتقوم باتخاذ كل الإجراءات المناسبة والحاسمة لضبط الأمن، مشيرا إلى أنه على يقين بأن الجيش سيقوم بالمهمات الملقاة على عاتقه وسينفذ المذكرات القضائية بمجملها.
وأضاف ميقاتي: «أمام هذا الواقع الأليم بات لزاما علي كمسؤول وكممثل عن طرابلس أن أضع جميع المعنيين أمام مسؤولياتهم وأدل بوضوح على مكامن الخلل في المعالجة أينما وجدت لأن لا شيء أهم لدي في هذه المرحلة من حماية المدينة وحقن الدماء البريئة وصون الأعراض والأرزاق».
كذلك، رأى رئيس كتلة المستقبل، رئيس الحكومة السابق، فؤاد السنيورة أن «هناك حاجة لاتخاذ قرارات حازمة في طرابلس حتى لو اقتضى الأمر تغيير رؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية في المدينة، من أجل أن يسود شعور بأن هناك أمرا جديدا سيجري تطبيقه».
وعد خلال مشاركته في ندوة في صيدا، أن «هناك من يعمل من أجل إبقاء طرابلس جرحا نازفا»، مشيرا إلى أن «هناك حاجة لأن تعمد الدولة إلى سحب السلاح من الجميع في طرابلس».
كما دعا المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الرئيس نجيب ميقاتي إلى «الاعتكاف ورفع الصوت لوقف الاقتتال في طرابلس»، وقال في بيان: «سبق لنا أن نبهنا المسؤولين السياسيين والأمنيين في الدولة، إلى خطورة ترك الوضع في طرابلس لفوضى السلاح التي زرعها النظام السوري وحلفاؤه في المدينة، ولكن تبين أن من هم في موقع المسؤولية لا يتحلون بالمسؤولية، ليدركوا أن التآمر أو التقصير في اتخاذ القرار بمنع تكرار الاعتداء على طرابلس، ستكون له نتائج وخيمة»، داعيا ميقاتي إلى الاعتكاف ورفع الصوت واتخاذ القرار المناسبة لإيقاف ما يحصل في طرابلس.
وأشار ريفي إلى ما سماه «السلوك المشبوه لبعض الأمنيين في التفرج على الاعتداء على طرابلس» بالقول: الأمن لا يكون بالنظر بعين واحدة، بل بتطبيق القانون وفرض الإجراءات الأمنية لحماية المدينة، على الجميع سواسية ومن دون استثناء، وهذا يجب أن يجري فورا، عبر إمساك الدولة بشكل كامل بأمن المدينة».
وأضاف: «لن نتوقف للحظة عن ملاحقة قضية تفجير مسجدي السلام والتقوى، مطلبنا العدالة، وجلب المعتدين والمتورطين إلى القضاء لمحاسبتهم، لأنهم أطلقوا النار على رأس طرابلس. وبالإصرار نفسه، نرفض بشكل قاطع ممارسات إطلاق النار على أرجل الأبرياء. طرابلس تنتظر من الجميع موقفا واضحا، وإلا سيكون لها كلمة واضحة». في المقابل، في حين، قال المسؤول الإعلامي في «الحزب العربي الديمقراطي» عبد اللطيف صالح إن «الأمور بجبل محسن في يد مجموعة أولياء الدم وقادة المحاور»، عادا أن «الحزب العربي الديمقراطي ينأى بنفسه عن كل ما يحصل في طرابلس»، مضيفا: «لا علاقة لنا بكل ما يحصل، لكن إذا طلب منا التدخل للوساطة بين أولياء الدم وقادة المحاور بجبل محسن فنحن مستعدون لذلك». أشار الناطق باسم فعاليات باب التبانة خالد السيد إلى أن «أهالي جبل محسن تعرضوا لاعتداءات من جهات مجهولة وقد تكررت هذه العمليات حتى ظهر أمين عام حزب العربي الديمقراطي رفعت عيد متوعدا أهالي باب التبانة».
وتوجه السيد إلى قيادة الجيش اللبناني بالسؤال: «هل سترخصون دماء عناصر الجيش كرمى عيون رفعت عيد وحزب الله والرئيس السوري بشار الأسد؟».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.