هل يؤدي التصعيد إلى نسخة سورية من القرار 1701؟

بقايا صاروخ أرض ــ جو سوري في منطقة قريبة من موقع سقوط الطائرة الإسرائيلية امس (رويترز)
بقايا صاروخ أرض ــ جو سوري في منطقة قريبة من موقع سقوط الطائرة الإسرائيلية امس (رويترز)
TT

هل يؤدي التصعيد إلى نسخة سورية من القرار 1701؟

بقايا صاروخ أرض ــ جو سوري في منطقة قريبة من موقع سقوط الطائرة الإسرائيلية امس (رويترز)
بقايا صاروخ أرض ــ جو سوري في منطقة قريبة من موقع سقوط الطائرة الإسرائيلية امس (رويترز)

عوامل المواجهة الإيرانية - الإسرائيلية على الأرض السورية باتت واضحة في الفترة الأخيرة. وكان السؤال وراء الجدران: متى تحصل المواجهة؟ كيف؟ وما حدود التصعيد؟
وليس سراً أن سوريا تحولت إلى ساحة صراع دولي وإقليمي. وخلال أسبوع أسقطت أربع طائرات وجرت خمسة صراعات خارجية في سوريا، إذ أسقط معارضون قاذفة روسية في ريف إدلب الأسبوع الماضي، وقصفت قاذفات أميركية موالين للقوات الحكومية السورية شرق نهر الفرات، وأسقط مقاتلون أكراد مروحية تركية قرب عفرين شمال حلب، وأسقط إسرائيليون طائرة «درون» فوق الجولان، ودمرت مضادات انطلقت من أراضٍ سورية طائرة «إف - 16» إسرائيلية، لأول مرة من سنوات طويلة.
صحيح أنه لا يمكن تجاهل المعارك الأخرى، لكن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، وهنا عوامل حصوله:

تنفيذ «هدنة الجنوب»؟
- في يوليو (تموز) أعلن عن اتفاق بين الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في هامبورغ على اتفاق «خفض التصعيد» جنوب غربي سوريا، وتضمن «عدم وجود قوات غير سورية» في مناطق «هدنة الجنوب» السوري في درعا والقنيطرة والسويداء، ما يعني إبعاد تنظيمات تدعمها إيران و«حزب الله» عن حدود الأردن وخط فك الاشتباك في الجولان.
- بعد مرور أشهر، لم تنفذ روسيا بنود الاتفاق.
وعلى هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في دانانغ في فيتنام، توصل وزيرا الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون والروسي سيرغي لافروف إلى اتفاق أعلن باسم الرئيسين ترمب وبوتين في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) تضمن عناصر، بينها أهمية «خفض التصعيد» في جنوب سوريا قرب حدود الأردن وإسرائيل باعتباره «خطوة مؤقتة» للحفاظ على وقف النار.
- رحب الرئيسان ترمب وبوتين بمذكرة تفاهم جديدة أميركية - روسية - أردنية وُقِعت في عمان. وكان مخططاً أن تعزز هذه المذكرة نجاح مبادرة وقف النار لتشمل «الخفض والقضاء النهائي على وجود القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من المنطقة لضمان سلام أكثر استدامة»، في إشارة إلى عناصر الميلشيات الإيرانية و«حزب الله» المنتشرين بين دمشق وحدود الأردن والجولان المحتل. وتأسس مركز الرصد في عمان لتنفيذ ذلك.
- نشرت روسيا 12 نقطة مراقبة وعناصر شيشانية لتنفيذ اتفاق «خفض التصعيد» بعمق خمسة كيلومترات في منطقة «خفض التصعيد». لكن ذلك، لم يوقف العمليات العسكرية إذ تقدمت قوات الحكومة و«حزب الله» وسيطرت على منطقة بيت جنب بين دمشق والقنيطرة. عندما راجع أميركيون نظراءهم الروس، قالوا إن «الجيش السوري يتقدم وهو الذي يجب أن يسيطر على المنطقة».
- في 29 يناير (كانون الثاني) زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، موسكو، والتقى بوتين ضمن سلسلة من لقاءات متكررة بينهما بدءاً من التدخل العسكري المباشر الروسي في سوريا نهاية 2015. وعرض نتانياهو، بحسب المعلومات، الأمور المقلقة لتل أبيب، وشملت: «وجود أربعة مصانع إيرانية في سوريا ولبنان، وانتشار حزب الله وميلشيات إيرانية قرب خط فك الاشتباك في الجولان، وعدم تنفيذ بنود اتفاق خفض التصعيد الأميركي - الروسي - الأردني».
- اتفق نتنياهو وبوتين على عقد اجتماعات بين مجلسي الأمن القوميين في تل أبيب، الأمر الذي حصل في 30 من الشهر الماضي، لـ«الخروج بخطة لتناول مشاغل عسكرية وأمنية وكيفية تنسيق العمليات بحيث تواصل إسرائيل هجماتها ضد أهداف إيرانية من دون اعتراض روسي خصوصاً في ضوء سيطرة الجيش الروسي على المنظومة الجوية السورية ونشر منظومتي (إس - 400) في سوريا».
- أجرى الجيش الإسرائيلي في الفترة الأخيرة مناورات ضخمة قرب حدود سوريا. وأرسلت رسائل سرية وعلنية إلى موسكو بضرورة إبعاد «حزب الله» وإيران عن الحدود. ونشرت وسائل إعلام تقارير عن إقامة إيران قاعدة بين دمشق والجولان. وبعد الاتفاق الأميركي - الروسي، أعلن الإسرائيليون أنهم يريدون أن تبقى أيديهم حرة لضرب «أهداف إيرانية» في سوريا. بالفعل، شنت إسرائيل غارات على مواقع قرب دمشق بينها الكسوة ومركز البحوث العلمية في جمرايا.
- كرر مسؤولون إسرائيليون في لقاءات سرية مع مسؤولين غربيين، أن «الحرب المقبلة ستكون غير مسبوقة وسيتم التعامل مع جنوب سوريا وجنوب لبنان على أنهما جبهة واحدة». كما جرت تجارب لإخلاء إسرائيليين في الشمال حيث يوجد نحو مليون شخص تحت عرضة لهجمات من تسعة آلاف صاروخ.
بحسب معلومات، فإن طهران أبلغت أكثر من دولة غربية بوجود رابط بين وجود «حزب الله» وتنظيمات تابعة لها في الجولان وجنوب سوريا، وبين مصير الاتفاق النووي والقرار الذي ينوي الرئيس ترمب اتخاذه في الأسابيع المقبلة.
وقال مسؤول غربي: «هناك أربعة بنود على الطاولة: انتشار حزب الله في الجولان، وانتشار ميلشيات إيرانية في الجنوب، والسلاح الثقيل الموجود في الجنوب، ومصانع الأسلحة الإيرانية قرب دمشق»، لافتاً إلى أن طهران تستخدم هذه الأمور «ورقة للضغط على واشنطن، وأنها أيضاً بعثت رسالة أخرى لدى تسهيل وصول قادة ميلشيات إلى جنوب لبنان للقول بأن خط الإمداد موجود من العراق إلى الجنوبين السوري واللبناني». أضيفت إلى ذلك، عوامل تتعلق بالتصعيد الإسرائيلي - اللبناني إزاء «الجدار الحدودي» والخلاف حول استثمار الغاز والنفط في المياه الإقليمية.

دبلوماسية بعد تصعيد
تردد في أوساط دبلوماسية في الفترة الأخيرة احتمال حصول تصعيد عسكري في سوريا قد يؤدي إلى استثماره لإنجاز قرار «1701 سوري». وكما حصل بعد حرب 2006 بصدور القرار الدولي، هناك تفكير لدى بعض الدبلوماسيين بإمكان قيام روسيا وأميركا، خصوصاً أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون يزور بيروت ضمن جولة شرق أوسطية، بالإفادة من التصعيد العسكري للوصول إلى «قواعد اشتباك» جديدة جنوب سوريا تتعلق بانتشار «حزب الله» وفصائل تدعمها إيران وسلاحها للرددفع بانسحاب المقاتلين الاجانب وتنفيذ «هدنة الجنوب»، إضافة إلى بحث مصير اتفاق «فك الاشتباك» في الجولان وعمق انتشار «القوات الدولية لفك الاشتباك» (إندوف) ومهماتها وسلاحها بين الجولان ودمشق.
لم يكن ممكناً للمضادات الجوية أن تنطلق ضد «إف - 16» التي أغارت على قاعدة «تي فور» الخاضعة لإدارة روسية - إيرانية وسط سوريا من دون علم قاعدة حميميم. ولم يكن للطيران الإسرائيلي الإغارة على 12 موقعاً في سوريا من دون علم قاعدة حميميم. الواضح، أن موسكو تضع نفسها بالوسط للتفاوض مع واشنطن بحثاً عن لعب دور الوسيط بين أطراف عنيدة ومصالح متناقضة، كما هو الحال في مناطق أخرى شمال سوريا وشرقها.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».