موسكو: واشنطن تسير نحو تقسيم سوريا

تحصينات في حميميم وطرطوس... وقلق من «صواريخ جبهة النصرة»

TT

موسكو: واشنطن تسير نحو تقسيم سوريا

سعت موسكو إلى تطويق الخلاف المتصاعد بين أنقرة وطهران، بسبب العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا، ولم يستبعد الكرملين عقد قمة تجمع رؤساء البلدان الثلاثة «إذا دعت الحاجة». في وقت شن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هجوما عنيفا على واشنطن واتهمها بالعمل على تقسيم سوريا، وقال إن هذا الملف سيكون مطروحا على أجندة محادثات روسية – أميركية.
وأبلغ مصدر دبلوماسي «الشرق الأوسط»، أن روسيا حثت الطرفين التركي والإيراني على تجاوز الخلافات حول عملية عفرين، وأن هذا الملف كان محور بحث أثناء المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع نظيره الإيراني حسن روحاني، الثلاثاء، كما طرح خلال الاتصالات المتواصلة بين موسكو وأنقرة. ولفت المصدر إلى أن الاتصالات الجارية حاليا بين طهران وأنقرة جرت بتشجيع من موسكو. وكان روحاني انتقد بشدة خلال المكالمة، العملية التركية، وقال إنها «لن تحقق أهدافها»، ودعا إلى وقفها. وأشار في مؤتمر صحافي أعقب مكالمته مع بوتين إلى ضرورة عقد اجتماع لرؤساء إيران وروسيا وتركيا «في المستقبل القريب».
وأعلن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أمس، أنه لا يستبعد تنظيم قمة ثلاثية «إذا دعت الضرورة»، لكنه أشار إلى «عدم وجود اتفاق محدد بهذا الشأن في الوقت الحالي»، مضيفا أن الاتصالات التي تجريها موسكو مع الطرفين تحمل طابعا منتظما ونشطا.
في الأثناء، انتقد لافروف بقوة التحركات الأميركية في سوريا، وقال خلال مشاركته أمس في لقاء شبابي، إن «واشنطن على ما يبدو تسير نحو تقسيم سوريا». مشيرا إلى وجود «خطة عملية» للتقسيم لدى الإدارة الأميركية، التي قال إنها «تخلت عن التأكيدات التي أعطيت إلينا، حول أن الغرض الوحيد من الوجود الأميركي في سوريا من دون دعوة من الحكومة الشرعية هو مواجهة تنظيم داعش. والآن يقولون إن الوجود سيبقى إلى أن يسير قطار التسوية السياسية التي ستفضي إلى تغيير النظام».
وزاد أن موسكو «ستطرح على الأميركيين أسئلة حول كيف يتصورون ذلك».
وتطرق الوزير الروسي إلى الملف الكيماوي، وقال إن الولايات المتحدة لم تقدم أي دليل على استخدام الحكومة السورية أسلحة كيماوية. وزاد أن واشنطن «تكيل الاتهامات لـ(الرئيس السوري بشار) الأسد ولروسيا بأنهما مذنبان في استخدام مزعوم للأسلحة الكيماوية، باعتبار أن روسيا هي المسؤولة عن الحكومة السورية، التي يسمونها النظام السوري. وعلى الفور بدأت مندوبتهم في مجلس الأمن الدولي، نيكي هايلي، بإطلاق خطابات إهانة بحقنا».
على المستوى الميداني، أقر لافروف بأن مناطق خفض التصعيد تشهد توترات وتزايدا في العنف، لكنه شدد على أن «مستوى العنف انخفض بشكل عام في سوريا بفضل الاتفاقات الروسية التركية الإيرانية».
في السياق أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها تعمل على تقصي التفاصيل المتعلقة بقنوات وصول الأنظمة الصاروخية المحمولة إلى عناصر تنظيم «جبهة النصرة». وقال الناطق باسم الوزارة إن «النصرة» ما زالت «المصدر الرئيس لزعزعة الاستقرار في سوريا كلها وليس فقط في منطقة إدلب».
وأوضح أن الوزارة تعمل عبر قنوات عسكرية واستخباراتية على تحديد مصدر الأنظمة الصاروخية التي استخدمت لإسقاط الطائرة الروسية قبل أيام، وطرازاتها والكميات التي يمكن أن يكون التنظيم حصل عليها.
مشيرا إلى أن هذا الملف يشكل «مصدر قلق بالغ»، لأن الأنظمة الصاروخية يمكن أن تستخدم ليس ضد الطيران العسكري وحسب بل وضد طائرات مدنية ما يجعل التهديد أوسع من سوريا. وفي تلميح إلى واشنطن، قال الناطق العسكري إن «إرهابيي فرع القاعدة بسوريا أضحوا أداة مطيعة في أيدي البلدان المتطورة تقنيا، غير الراضية عن دور روسيا الرئيسي في تحرير سوريا من (داعش). غير أن التجربة التاريخية لا تدع مجالا للشك في أن من يدعم الإرهابيين اليوم، سوف يتلقى طعنة منهم في ظهره غدا».
وفي إطار الرد على الخطر الجديد، كشف الناطق أن روسيا تعكف على تحصين منشآتها العسكرية في قاعدتي حميميم وطرطوس وتطوير البنى التحتية فيهما.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».