إذا صادف ومررت في شارع الحجاز بمنطقة المهندسين بجوار حديقته الصغيرة، ستجدها هناك، مريم ابنة مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية شرق مصر، سيدة في أواخر العشرينات من عمرها، تستقبلك بابتسامة تفتح الشهية، وصوت خافت، وتبدأ بشق أرغفتها، لتقدم لك ما تريد من أنواع السندوتشات.
لفتني طفل يقف إلى جوارها، لم يتجاوز الخامسة، أعطت له سندوتشاً صغيراً، وأوصته ألا يبتعد عن الحديقة، ويلعب إلى جوارها، قالت هذا ولدي، وهناك في البيت أخ له أكبر منه قليلا، يؤنس وحدة والده، سألتها، هل زوجك في إجازة اليوم، قالت لا استغنوا عنه في العمل منذ فترة، وما عاد يخرج من البيت، كما أنّه لا يريد أن يأتي معي هنا، فما أقوم به يحتاج إلى شجاعة كبيرة، وأنا أحب خوض الصّعاب وتجاوزها بأي طريقة حتى لا تستفحل، ويصعب حلها.
مريم حاصلة على بكالوريوس في الإعلام، عندما انتهت من دراستها وتزوجت، كانت تعمل في إحدى شركات الإنتاج الإعلامي، ولم تستمر معهم طويلاً، بسبب الظروف التي تمرّ بها البلاد، استغنوا عنها كما استغنى غيرهم عن زوجها، حينها قرّرت أن تبدأ مشواراً جديداً وتواجه مصاعب الحياة، حملت منضدة كانت في مطبخ منزلها، واتفقت مع أحد باعة المواد الغذائية على أن يبيع لها ما تحتاج من مربّى وبيض وحلاوة طحينية وعسل وكريمة وخبز صباحا، على أن تعطيه مستحقاته مساء.
ووفقا لتقديرات حكومية تتولى المرأة في مصر منفردة إعالة نحو 30 في المائة من الأسر، وفي ظل غياب الرجل، أو وفاته تضطّلع نساء كثيرات بجميع الأعباء المادية والمعنوية، وفي ذلك يقول خبراء إن ارتفاع نسبة المرأة المعيلة في مصر مرتبطة بضعف معدلات التنمية وتفشي البطالة خصوصاً في المناطق الريفية والنائية، كما تتولى المرأة، في بعض الأحيان، مسؤولية عائلات يوجد بها رجال عاطلون عن العمل، ذلك على الرغم من حرص الحكومة وسعيها لتقديم يد العون للمرأة المعيلة وتدريبها على بعض الحرف اليدوية حتى تحقق لها نوعا من الاكتفاء الاقتصادي.
قلت لها ألا يحزنك كونك خريجة جامعية، ولا تجدين عملا وتلجئين إلى ما تقومين به الآن، قالت: إنّه «مرهق بالفعل، لكن ماذا أفعل، هل أصمت وأعجز بعدها عن دفع إيصالات الكهرباء والماء مثلا؟ نعم كان قراراً صعباً، وجريئاً، لكنّني اتخذته، وأقبل على العمل دون أي غضاضة أو شعور بالغبن، هل تعلم أن هناك كثيرين من الموظفين هنا، يريدون أن يقلدوني؟ لكنّهم لا يجدون من يقف معهم لإتمام مشروعهم».
صدر في العام 2017 تقرير حكومي يؤكّد مساهمة المرأة في سوق العمل والنشاط الاقتصادي، وذكر أنّ أعدادهن زادت عن السابق، وقد بلغت 22.9 في المائة مقابل 69.6 في المائة للذكور. وقد أرجع هذه الزيادة إلى عوامل اقتصادية تخص قدرة سوق العمل على استيعاب العرض من القوى العاملة النسائية، بالإضافة إلى عوامل الطرد منها التي تظهر في صورة أجور متدنية، وانخراطهن في سوق العمل بسن متأخرة، مقارنة بالذكور، ومحدودية المهن والأنشطة الاقتصادية التي يتنافسن عليها.
توقفت مريم عن العمل، وأرسلت من يأتي لها بخبز جديد، فيما تحلّق زبائنها حولها في انتظار مجيء الشاب، لم يتأخر طويلاً، وحين عاد شقت رغيفاً، وقدمته لي، وقالت «تذوق سندوتشاتي، هل تتخيّل أنّني بدأت هنا بـ20 جنيهاً (دولار واحد تقريب)، وها أنا، الحمد لله، مطمئنة على عيشي وعيش بيتي، فلا أخاف من أحد ولا أخشى أن يستغني عني أحد، أعمل لدى نفسي وأشعر بأمان».
المرأة المصرية تعول نحو 30 % من الأسر
المرأة المصرية تعول نحو 30 % من الأسر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة