بينما تسلم الرئيس الرواندي بول كاغامي رئاسة الاتحاد الأفريقي الدورية (2018) خلفاً للرئيس الغيني ألفا كوندي، أعلن في أديس أبابا أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيرأس الاتحاد الأفريقي في عام 2019. في حين ستحتضن موريتانيا قمة للاتحاد الأفريقي في يوليو الماضي.
وقال موسى فاكي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، في الجلسة الافتتاحية للقمة، إن هذه الأخيرة تنعقد في سياق يتميز «ليس فقط بالتحديات التي تواجهها القارة الأفريقية ولكن أيضاً بانعدام اليقين في المنظومة الدولية برمتها، وهو الوضع الذي يجعل كثيرين يقولون إننا في مفترق الطرق».
وتطرق المسؤول الأفريقي إلى الإصلاح المؤسسي الذي ينتظره الاتحاد الأفريقي، وقال إن الرسالة القوية التي تأتي من جميع ربوع القارة وكل مكوناتها الاجتماعية، بسيطة وموحدة، وتكمن في التعجيل بإصلاح الاتحاد الأفريقي، والإسراع في ترسيخ الأمن والعدالة.
وعبر فاكي محمد عن سعادته من كون الجولة الأولى من مفاوضات إقامة منطقة التبادل الحرة الأفريقية تميزت بالنجاح، وقال إنه يتعين على القمة أن تعتمد الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في هذا الصدد، وتنفيذ أجندة 2063 التي تروم إقامة سوق موحدة للتنقل الجوي في أفريقيا.
في سياق ذلك، دعا فاكي محمد القمة إلى اعتماد البروتوكول الخاص بحرية تنقل الأشخاص، وجواز السفر الأفريقي حتى يجري تجنيب المواطن الأفريقي المعاناة خلال تنقله في ربوع القارة، ليتم عبر ذلك وضع حد لإحساسه بأنه أجنبي في قارته.
وتحدث رئيس المفوضية الأفريقية عن ضرورة مكافحة الانتقال غير المشروع لرؤوس الأموال خارج أفريقيا، مشيراً إلى أن تقرير اللجنة ذات المستوى العالي التي أشرف عليها رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي بين حجم هذه الكارثة، وضرورة وقف هذا النزف.
ودعا فاكي محمد إلى ضرورة تفعيل المؤسسات المالية والاقتصادية الأفريقية، وقال إن ذلك سيعزز السيادة المالية والنقدية في القارة.
من جهة أخرى، قال رئيس المفوضية الأفريقية إن الوقت حان لفرض العقوبات على كل من يعرقلون السلام في جنوب السودان، مجدداً دعم الاتحاد الأفريقي لمنظمة «إيقاد».
وبشأن الوضع في بروندي، قال فاكي محمد إن أطراف النزاع عليها أن تجلس للحوار فيما بينها، مشدداً على أن الحوار هو المخرج الوحيد للأزمة.
وحول الوضع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، قال إن التوتر والعنف الذي عرفته الأيام الأخيرة، يُبين ضرورة تنفيذ اتفاق «سان سلفستر» في أفق تنظيم انتخابات بالبلاد في ديسمبر (كانون الأول) 2018.
وطالب فاكي محمد بتنفيذ اتفاق السلام والمصالحة والتسريع بذلك بموازاة مع تقديم دعم للقوات الأفريقية المشتركة (جي 5 ساحل)، كما طالب بمضاعفة الجهود في ليبيا، مشيراً إلى أن أفريقيا عليها أن تُسهِم بقدر كبير في إيجاد حل للأزمة الليبية، إلى جانب الأمم المتحدة والأطراف المعنية.
وبشأن نزاع الصحراء، عبر فاكي محمد عن أمله في التوصل إلى حل لهذا الوضع، وقال إن أفريقيا يمكنها أن تُسهِم إيجابيّاً في ذلك، بدعم من الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن حل هذا النزاع سيساعد على إطلاق مشروع البناء المغاربي.
وبموازاة ذلك، قال المسؤول الأفريقي إنه ينبغي مضاعفة الجهود في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة.
وبخصوص الإصلاح المؤسسي للاتحاد الأفريقي، قال فاكي محمد إنه يعرف تقدماً ملحوظاً، وإنه جرى عرض خطوطه العريضة في الجلسة المغلقة للقمة، التي سبقت الجلسة الافتتاحية الرسمية، مشيراً إلى تزايد عدد الدول الملتزمة بتقديم نسبة 0.2 في المائة من الضريبة المفروضة على الواردات.
وقال فاكي محمد: «أمامنا خياران؛ إما إن نتقدم في تنفيذ الإصلاح أو نفشل». بيد أنه أوضح أن الفشل سيؤثر بشدة على مصداقية الاتحاد الأفريقي وكل القيم التي يتشبث بها.
من جهته، جدد أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية، التزام الجامعة الراسخ بتمتين شراكتها الاستراتيجية مع أفريقيا. وقال إن الفضاء المشترك بين العالم العربي وأفريقيا يظل مسرحاً لكثير من بؤر التوتر وانعدام الاستقرار، وهو ما يحتِّم مضاعفة الجهود المشتركة لمواجهتها ومعالجة الأسباب العميقة التي أدت إلى نشوبها وتفاقمها.
وتطرق أبو الغيط للأزمة الليبية، وقال إنها تشكل أولوية مشتركة للجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، وتتقاطع فيها جهود المنظمتين ودولهما الأعضاء، سعياً لإنهاء المرحلة الانتقالية التي تعيشها ليبيا، وتوحيد مؤسساتها المختلفة، وبناء هياكل مستقرة لدولتها، وإتمام مجمل الاستحقاقات المتبقية.
وأشار أبو الغيط إلى استعداد الجامعة للمساهمة في أي جهد - على الصعيدين السياسي والفني - لمعالجة أزمة المهاجرين والتصدي للانتهاكات التي يتعرضون لها في ليبيا، سواء عبر مساعدة مؤسسات الدولة الليبية، أو الدول المجاورة لها، أو الآلية الثلاثية التي تم تشكيلها بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وبشأن القضية الفلسطينية، قال أبو الغيط إنها تظل على رأس الأجندة المشتركة للعالم العربي وأفريقيا، معبراً عن التقدير للموقف الأفريقي الثابت والمبدئي في مناصرة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
وأشاد أبو الغيط بالدول الأفريقية التي وقفت دائماً، رغم جميع الضغوط المكشوفة التي تُمارس عليها، مع الحق الفلسطيني في المحافل الدولية، وهو ما أثبتته مجدداً في الجمعية العامة للأمم المتحدة برفض القرار الأميركي أحادي الجانب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها.
وقال أبو الغيط إن «هذا التضامن الأفريقي مع أشقائنا الفلسطينيين سوف يبقى قوياً وثابتاً في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ورافضاً لمحاولاته الترشح لمجلس الأمن الذي يخرق قراراته ويحتقر إرادته».
بدوره، ألقى أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، خطاباً قال فيه إنه جاء العام الماضي إلى أديس أبابا ليعرب عن احترامه وامتنانه، وإيجاد فرص لتعميق الشراكة الاستراتيجية بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
وأضاف: «قلت آنذاك إنني أعرف أن أفريقيا قارة للصمود والأمل، والتزمت ببناء أرضية كبيرة للتعاون معكم، وألهمتني رؤيتكم لمستقبل أفريقيا».
وزاد غوتيريش قائلاً: «في ظرف عام واحد دخلنا في عهد جديد من الشراكة مع أفريقيا».
وذكر غوتيريش أنه يرى أن هناك خمسة مجالات لتعزيز الشراكة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وأن المجال الأول يكمن في السلم والأمن، والثاني يكمن في التنمية المستدامة والشاملة، إذ قال إن «القضاء على الفقر من الأولويات المشتركة لدينا».
أما المجال الثالث، يقول غوتيريش، فيكمن في التغيير المناخي، مشيراً إلى أن مساهمة دول أفريقيا في الانحباس الحراري قليلة لكنها تدفع ثمناً أكبر.
وتشكل الهجرة، المجال الرابع، في نظر غوتيريش، إذ اعتبرها ظاهرة عالمية إيجابية تساهم في تقوية النمو الاقتصادي وتقلص من انعدام المساواة، وتربط بين مجتمعات مختلفة.
وأدان غوتيريش استغلال المهاجرين، وقال إن العالم المتقدم، في سياساته حول الهجرة، يجب على هذه الأخيرة أن تكون قائمة على وقائع وليس على خرافات.
أما إيميرسون منانجاجوا رئيس زيمبابوي الجديد، فاكتفى بالحديث عن سلفه روبرت موغابي، وقال مخاطباً القادة الأفارقة «أخوكم القائد موغابي آمن وبصحة جيدة. لقد توليت إدارة الحكومة لكي أصون إرثه بوصفه الأب المؤسس للجمهورية».
وزاد قائلاً: «الفترة الانتقالية في زيمبابوي تمت بطريقة سلمية. إننا مسرورون كوننا تغلبنا على التحدي الذي اعترض سبيلنا».
من جهته، قال جورج ويا رئيس ليبيريا الجديد مخاطباً رؤساء أفريقيا إنه «بفضل مساعدتكم وتوجيهاتكم سأتمكن من تخفيف وطأة الفقر، وبلوغ الأهداف التي قمنا بتحديدها».
وزاد قائلاً: «اعتزم أن أعمل معكم بروح التضامن».
وتحدث أيضاً رئيس بنين الجديد باتريس طالون، الذي التزم بالعمل من أجل المزيد من الأداء الفعال للاتحاد الأفريقي، وبلوغ الأهداف المشتركة.
وتحدث رئيس الصومال عبد الله فرماجو في كلمته فقط عن موضوع محاربة الفساد.
بدوره، قال رئيس الاتحاد الأفريقي المنتهية ولايته، إن «إصلاح الاتحاد الأفريقي من دون استقلاليته المالية سيجعلنا في أفريقيا لا نستطيع التحدث بصوت واحد، بفعل اعتمادنا على الآخر في النواحي المالية».
وأضاف: «سنستمر في بناء الثقة مع الشركاء لا سيما إذا كان هذا الشريك موثوقاً به، ويتعامل معنا على أساس الندية، واحترام سيادة الدول، وعدم إملاء القرارات علينا».
لقطات من القمة
> تأخر انطلاق الجلسة الافتتاحية الرسمية لقمة الاتحاد الأفريقي الـ30 لمدة 3 ساعات بسبب تأخر القادة الأفارقة في جلسة مغلقة جرى فيها بحث الإصلاح المؤسسي للاتحاد حيث تدخل أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة، كما خصصت الجلسة المغلقة أيضا لبحث إنشاء منطقة تبادل حر أفريقية.
> عمت تصفيقات حارة قاعة القمة الأفريقية والمكان المخصص للصحافيين بعد أن أعطى رئيس الاتحاد الأفريقي ألفا كوندي الكلمة لرئيس ليبيريا الجديد جورج ويا. وقال وَيَا «إنه شرف كبير بالنسبة لي. إنها أول مرة أحضر فيها قمة للاتحاد الأفريقي، ولقد صفق لي الجمهور بشكل كبير. إنني أتعلَم».
> سجلت قمة أديس أبابا تواصل غياب الرئيس الإريتري آسياس أفورقي. وقالت مصادر دبلوماسية أفريقية لـ«الشرق الأوسط» إن أفورقي لم يحضر القمة الأفريقية منذ عام 2002. وكانت قمة دوربان في جنوب أفريقيا آخر قمة يحضرها مجاملة للعقيد الليبي معمر القذافي.
> تجتمع اليوم في أديس أبابا على هامش القمة الأفريقية اللجنة العليا للاتحاد الأفريقي حول الأزمة الليبية لبحث المستجدات الأخيرة على الساحة الليبية. وستستمع اللجنة لتقرير يقدمه الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة.
> أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة زار أمس في مقر الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا المعرض المخصص لإبراز مساهمة المغرب في عمليات السلم والأمن بأفريقيا، والذي ينظم على هامش القمة الـ30 للاتحاد الأفريقي، وكان برفقته الدكتور سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية، وناصر بوريطة وزير الخارجية والتعاون الدولي، ومحسن الجزولي الوزير المنتدب في التعاون الأفريقي.